مع بدء التفاؤل بانحسار موجة الكورونا، والعودة التدريجية إلى ممارسة الحياة الطبيعية، فوجئ منتظرو الانفراج الصحّي في شهر أيار، بتسجيل أوّل إصابة بفيروس كورونا في مخيم “الجليل” للاجئين الفلسطينيين بمنطقة البقاع، وعزله بالتعاون مع الفصائل الفلسطينية والأجهزة الأمنية بعد التثّبت من انتقال العدوى إلى 4 من المقرّبين من المصابة، بحسب محافظ بعلبك – الهرمل بشير خضر، مما دفع مدير مستشفى رفيق الحريري الحكومي فراس الأبيض إلى التحذير عبر “واشنطن بوست” من “انتشار موجة ثانية للوباء”، وذلك في حال انتشر كوفيد19 في مخيمات اللاجئين. فثمة مليون ونصف المليون لاجئ تقريباً من المقيمين السوريين والفلسطينيين، وهم يعيشون في مخيمات كثيفة وفي أماكن غير رسمية. وذلك بالتزامن مع الإشادة بريادة لبنان في مواجهة كورونا.
المصابة فلسطينية – سورية أتت من سوريا منذ مدّة وهي مصابة بالربو، تم تشخيصها في مستشفى رياق وثبتت إصابتها في مستشفى الحريري، وتمّ عزل بداية كلّ من تواصل معها، إضافة إلى ذلك أجرى فريق من المستشفى الحكومي فحوصات شملت 200 شخصاً حولهم شكوك خلال الأيام الماضية.
إقرأ أيضاً: شمس أيار تهزم الكورونا: الفيروس أقلّ عنفاً في بلادنا
تسجيل أوّل حالة إصابة في المخيمات وانتقال العدوى إلى 4 أشخاص، طرح سؤالاً حول التعبئة العامة والجهة الموكلة إليها تطبيقها في المخيمات الفلسطينية. في هذا السياق أوضح مصدر معنيّ متابع لـ”أساس” أنّ المخيمات هي من شأن الجيش اللبناني لا قوى الأمن الداخلي، لافتاً إلى أنّ “مخيمات الجنوب بمعظمها محاصرة بسياج عسكري، إذا لا يتم الدخول إليها إلاّ عبر حاجز للجيش اللبناني”. وبحسب المصدر فإنّ مسؤولية الجيش لا تتخطّى الحاجز فـ”حتّى بعد وباء الكورونا لم يتم اتخاذ إجراءات استثنائية. والدخول إلى المخيمات عبر حاجز الجيش يتم ببطاقة الهوية فقط لا غير”.
وفيما يتعلّق بمخيم الجليل الذي كُشفت فيه الإصابة ينفي المصدر “وجود احتياطات خاصّة من قبل الجيش مع العلم أنّ له مدخلاً واحداً ولا حاجز عليه”، مشيراً إلى أنّ “المخيم صغير والأرقام التي يتداولها الإعلام حول عدد ساكنيه مبالغ فيها جداً، فلا يوجد 8 آلاف بل 3500”.
ممثل حركة حماس في لبنان الدكتور أحمد عبد الهادي يتحدث لـ”أساس” عن الإجراءات المتخذة في المخيمات الفلسطينية، من بينها تشكيل لجنة طوارئ مركزية ولجان صحيّة تنسق بين المؤسسات المعنية، وتعمل على تعقيم الأماكن العامة وتنظيم الدخول والخروج إلى المخيمات وتوزيع الكمامات والكفوف وإجراء حملات التوعية: “كلّ هذا قمنا به بجهد منسق ومنظم بين الجميع، ورتّبنا العلاقة مع وزارة الصحة والصليب الأحمر اللبناني، ومع الأونروا ومع الضمان الصحي الاجتماعي التابع للمنظمة. واتفقنا على أن تكون تكلفة العلاج والفحص 90% على حساب الأنروا و10% على حساب الضمان. كذلك اتفقنا على آلية لنقل أي حالة مشكوك فيها من خلال دخول الصليب الأحمر اللبناني إلى المخيم بالتنسيق مع الهلال الأحمر الفلسطيني وبمواكبة القوى الأمنية الموجودة في المخيمات، وقد أجريت الفحوصات لحالات كثيرة اشتبه فيها وكانت نتائج جميعها سلبية باستثناء الحالة الأخيرة”.
ويؤّكد عبد الهادي أنّه بعد الساعة السابعة مساءً هناك التزام بحظر التجوّل، ومثله التزامٌ بإغلاق المساجد تبعاً لقرار دار الفتوى، بإشراف “الفصائل واللجان الشعبية”، وبالتنسيق مع الجيش اللبناني. لكن خلال النهار “لا يمكننا منع الناس عن أعمالهم، فقط نضبط الحركة ونحدّد أوقاتاً معيّنة للعمل ونتشدّد في التعقيم والتباعد الاجتماعي”.
التخوّف من موجة ثانية من الوباء، ليس حصراً على المخيمات، ففي إيطاليا مثلاً جاءت الموجة الثانية من دور العجزة والمستشفيات الخاصة، أما في سنغافورة، فبدأت من المناطق التي يعيش فيها العمال المهاجرون
نقيبة المختبرات الطبية ورئيسة اللجنه الوزارية الإستشارية لفحص الكورونا الدكتورة ميرنا جرمانوس حداد أوضحت من جهتها لـ”أساس”، أنّ هناك فحوصات عشوائية تشهدها المخيمات لرصد أيّ حالة والكشف عنها والأهمّ: “عدم السماح بالاكتظاظ والتزام التباعد الاجتماعي والنظافة وغسل اليدين ولبس الكمامات. ولدى وزارة الصحة خطّة تقوم على أخذ عينات عشوائية من أشخاص عاديين (ليسوا مصابين ولا مقرّبين من أشخاص أصيبوا)، خارج المخيم وداخله لمعرفة نسبة العدوى”.
وبحسب الدكتورة جرمانوس لا يمكن بناء تصوّر حول واقع الفيروس في المخيمات “ربما هناك أشخاص أصيبوا بالفيروس وتماثلوا للشفاء ولم نعلم بهم، فنسبة الشباب في المخيمات مرتفعة أكثر. لذا لا نستطيع أن نتنبّأ. لكن في المخيمات وخارجها الأمور تحت السيطرة”.
التخوّف من موجة ثانية من الوباء، ليس حصراً على المخيمات، ففي إيطاليا مثلاً جاءت الموجة الثانية من دور العجزة والمستشفيات الخاصة، أما في سنغافورة، فبدأت من المناطق التي يعيش فيها العمال المهاجرون. وصحيفة “غارديان” البريطانية تخوّفت من موجة ثانية في بريطانيا وألمانيا لا ترتبط لا بمخيمات أو بأماكن محدّدة، بل بطبيعة تفشّي الفيروسات من هذا النوع. فالأوبئة التي اندلعت في السابق تفشت على مراحل متعددة، وفي كل مرحلة كانت أكثر فتكاً، وكان انتشارها بين البشر بشكل أسرع.
الدكتورة جرمانوس تعتبر أنّ الوقاية هي “بتحوّل التباعد الاجتماعي والوقاية إلى عادة وثقافة”. وحتّى ذلك الحين، فإنّ المخيمات في لبنان ليست “بؤراً”، لكنّها قد تكون “نقاط ضعف” يجب مضاعفة الوقاية فيها، بسبب الاكتظاظ، وصعوبة “التباعد”.