نصوم أو لا نصوم؟ هو السؤال الأكثر تداولاً مع اقتراب شهر رمضان. فتزامن شهر الصيام مع الانتشار الوبائي العالمي لفيروس الكورونا، أنتج فتوى مفبركة نُسِبت زوراً لأحد شيوخ الأزهر تقول بجواز عدم الصوم كي “لا يبقى الحلق جافاً”، وانتشرت بسرعة كبيرة وبكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي.
هذه الفتوى التي تداولها الناشطون لأكثر من يومين، نفاها “الأزهر”، مؤكداً في بيان رسمي صادر عنه أنّ “الحديث عن إفطار المسلم كإجراء وقائي بترطيب الفم للحماية من العدوى، سابق لأوانه”، وأنّه “لا يجوز للمسلمين الإفطار في رمضان إلاّ إذا ثبت علميّاً أنَّ لعدم شرب الماء تأثيراً صحياً على الصائمين، كإجراء وقائي لهم من الإصابة بهذا المرض بالإفطار في رمضان”. وأضاف: “يرجع في حكم ذلك للأطباء الثِّقات وما يرونه، للحفاظ على صحة الإنسان، فهم أهل الاختصاص في هذه المسألة، وقرارهم مُلزِمٌ لكلِّ صائم مسلم بالإفطار من عدمه”.
إقرأ أيضاً: النداء الأخير: إعلان حالة الطوارئ أو سيناريو إيطاليا..
وأوضحت الفتوى الصادرة أنّ الدين الإسلامي “سنّ المضمضة حال الوضوء، يستعين بها المسلم على ترطيب فمه، شرط ألّا يدخل الماء إلى جوفه فيبطل صيامه”.
واستند الأزهر في فتواه هذه إلى “منظمة الصحة العالمية”، التي أجابت عبر موقعها الرسمي، عند سؤالها عن دور شرب المياه في الوقاية من الفيروس، بـ: “لا يقي شرب الماء من العدوى بمرض كوفيد-19”. كما أكّدت المنظمة أيضاً عند سؤالها عن مساعدة الغَرْغَرَة بغسول الفم على الوقاية من العدوى بفيروس كورونا المستجد، على أنّه “لا توجد أيّ بيّنة على أنّ استخدام غسول الفم يقي من العدوى بفيروس كورونا المستجد”.
مصر حسمت مسألة الصيام عبر “الأزهر”، فماذا عن رأي الشرع والطب في لبنان؟
لا يحيد إمام مسجد السلام في طرابلس، الشيخ بلال بارودي، عن فتوى الأزهر: “بعيداً عن موضوع كورنا، الإنسان المريض بطبيعة الأحوال يُفطر في شهر رمضان، لكن لا يُفطر الإنسان خشية إصابته بالمرض”.
ويشدّد الشيخ بارودي في حديث لـ”أساس على أنّ “80 % من الناس لن تظهر عليهم عوارض هذا الفيروس، و20 % فقط هم الذين يصابون وتظهر عليهم العوارض، فيما 4 % فقط هم من أوضاعهم حرجة، بحسب تأكيدات الجهات المختصّة، لذلك لا يمكن تعميم حكم نسبة 4 % من الناس، وعليه، يمكن لهؤلاء أن يستندوا إلى الآيات القرآنية التي تقول بعدم صيام المرضى إذ لا حرج عليهم”.
طبعاً هناك بعض الحالات الاستثنائية كالمصابين بأمراض مزمنة والأشخاص الذين بنيتهم ضعيفة، فهؤلاء قد يكونون الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس، وبهذا قد يكون هناك مبرّر طبيّ لإعفائهم من صيام شهر رمضان
لا يبتعد الشيخ بلال البارودي عن الرأي الطبي. فهو مطلّع دائم على الإحداثيات الجديدة: “لدينا 5 أطباء في المجلس، وبينهم من هم اختصاصيون في موضوع الفيروس. ونتابع معهم بشكل دائم المستجدات”. لكنّه يدعو إلى أخذ الحذر وتخفيف الجهد والاختلاط في شهر رمضان الكريم”.
بين الطب والشرع
“أيّ قرار بهذا الشأن يجب أن يصدر عن طرفين بالتوازي وهما الفقهاء والأطباء”، يقول رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية الدكتور عماد الحوت، عند سؤاله عن هذه المسألة، موضحاً لـ”أساس” أنّ “الحجة التي يتمّ التداول بها حالياً أنّ الحلق يجب أن يبقى رطباً كي لا يكون هناك مكان للفيروس كي يعيش فيه. ولكن أنا من الناحية الطبية لا أرى مبرّراً لعدم الصيام لكلّ الناس أو لأيّ فتوى في هذا الإطار”.
لا ينفي الدكتور الحوت وجود رُخَص في هذا المجال: “طبعاً هناك بعض الحالات الاستثنائية كالمصابين بأمراض مزمنة والأشخاص الذين بنيتهم ضعيفة، فهؤلاء قد يكونون الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس، وبهذا قد يكون هناك مبرّر طبيّ لإعفائهم من صيام شهر رمضان”.
الطب: لا مانع للصيام
“أنا سأصوم مع أنني سأتابع يومياً مرضى الكورونا”، يجيب البروفسور الاختصاصي في الأمراض الجرثومية وعضو اللجنة الوطنية للأمراض المعدية، الدكتور عبد الرحمن البزري، عند سؤاله عن رأي الطب في صوم شهر رمضان المبارك في عصر الكورونا.
“النصّ الشرعي واضح: لا ضرر ولا ضرار في الدين”. يقول الدكتور البزري لـ”أساس”، مضيفاً: “الصيام مفيد، وهناك الكثير من النظم الغذائية التي تعتمد على الصيام. نحن لا ننفي أنّ رمضان هذا العام سيكون أصعب من السنوات السابقة، وذلك لسببين وهما، جلوس الناس في المنازل، والضائقة الاقتصادية. ولكن لا مبرّر علمياً يدعو لعدم الصيام”.
أما بالنسبة للمرضى فـ”ليس على المريض حرج سواء أكان المرض كورونا أم غير كورونا”، يؤكد الدكتور البزري، فـ”الآية القرآنية تقول: وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ، ورب العالمين قد أعطانا رُخَصاً ويحب أن نأخذ بها”.
إذاً، لا مانع من الصيام. هذا ما اتفق عليه الأطباء ورجال الدين. فقط المرضى هم من لديهم الرُّخَص. أمّا الأصحاء فحتى اللحظة فلا مبرّر يجيز لهم عدم الصيام.