عن أشباح تلاحق حسّان دياب في “دول شقيقة”

مدة القراءة 4 د


يتوهّم الرئيس حسّان دياب “أشباحا” تتربّص به. بعدما صمت دهراً، نطق “أشباحاً”.

فهو يظنّ أنّ هناك أشباحاً تريده أن يفشل. أشباح خبيثة. لا يعرف هويّات أصحابها. ربما عادت من جثث حكومات سابقة. ربمّا حضّرها له خصوم يريدون الحلول مكانه. لكنّها أشباح تحوم في السراي الحكومية. وهو بات يرى أشباحاً تلاحق اتصالاته بـ”دول شقيقة” وتترصّد محاولته في “دول صديقة”.

ففي جلسة مجلس الوزراء بتاريخ الثلاثاء 25 شباط، قال رئيس الحكومة حسّان دياب كلاماً كبيراً، هو الذي سكت دهراً، منذ تشكيل الحكومة. إتّهم “أوركسترا” بأنّها “لم تستطع العثور على أيّ خطأ لهذه الحكومة، فبدأت تحرّض في الخارج ضد لبنان لمنع الدول الشقيقة والصديقة من مساعدة لبنان مالياً ومنعه من الانهيار”.

إقرأ أيضاً: تفويض الصلاحيات لبعبدا: لماذا لم توضح رئاسة الوزراء؟

هذا الإعلان، من رئيس حكومة لبنان، ليس تفصيلاً. فهو يقول إنّ هناك “أوركسترا” حرّضت ضدّ لبنان في الخارج، وهو يوحي أنّ هذا التحريض أدّى غرضه، ونجح، و”منع الدول الشقيقة والصديقة من مساعدة لبنان مالياً”، والأهمّ: أسهم في عدم “منعه من الانهيار”. ويستعمل مفردات ما أنزل الله بها من سلطان، منها “موبقات” و”أكاذيب” و”عورات”…

حسّان دياب، على طريقته، يبشّر اللبنانيين بالانهيار. هو يتحدّث بما لا يقبل الشكّ عن “انهيار”. يقول إنّ حكومته فشلت من قبل أن تبدأ عملها. يمهّد للفشل الآتي. يعلن جهاراً وعلانيةً أنّ الفشل آتٍ. ولو أنّ الجملة التالية قال فيها الآتي: “نعرف أنّ الدول الشقيقة والصديقة لن تتخلّى عن لبنان. هذا ما نتمناه”.

إذاً يبشّر بالانهيار، ويتمنّى من هذه الدول “ألا تتخلّي عن لبنان”. يا حلاوة. رئيس الحكومة يتمنّى. وما كلّ ما يتمنّى المرء يدركُهُ.

أهمية كلامه أنّه جاء بعد اجتماعه لوفد صندوق النقد الدولي، الذي خرجت من بعده “أجواء” عن أنّ وفد الصندوق وجد “الحكومة بلا خطّة”. ما يعني أنّ الاجتماعات لم تكن إيجابية. وزاد الطين بلّة كلام واضح من نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، في اليوم نفسه، الثلاثاء، إذ قال بوضوح: “نحن لا نقبل الخضوع لصندوق النقد الدولي ليدير الأزمة”، وأضاف: “لا مانع من تقديم الاستشارات”.

كلام دياب يشبه كلام جبران باسيل، ومنهجه منذ ثورة 17 تشرين، حين أعلن أنّ سبب فشل الحكومات التي استولى على أكثريات فيها، هو: “ما خلّونا نشتغل”. مثله فعل الرئيس سعد الحريري، في خطاب 14 شباط الفائت، معلناً أنّ جبران باسيل وراء التعطيل، وكاد يقول: “ما خلّوني إشتغل”، لكنّه قال: “لو نفّذنا الإصلاحات، لو نفذنا ما توافقنا عليه، ما كنا هنا اليوم، وما كان الانهيار عاد ووقع على كل البلد”.

اليوم يقول دياب الفكرة نفسها: “يحرّضون ضدّ المساعدات”. شيء من قبيل “ما خلّوني إشتغل”. وإذا كان باسيل قالها وهو يتحضّر للخروج من الحكومة، والحريري قالها من بيت الوسط، وليس من السراي الحكومية، فإنّ دياب يقولها في أوّل أيّام ولايته.

دياب اكتشف باكراً أنّ الأزمة في لبنان أكبر بكثير من أن يعالجها بزيارة إلى هذه الدولة الخليجية أو تلك. والحريري بالطبع ليس في وارد تحريض الإمارات ضدّه، إذا كان يقصد زيارة الحريري إلى الإمارات.

باكراً اكتشف دياب حجم الأزمة وتلفحه حرارة كرة النار التي ما كان مدركاً حجم سخونتها

باكراً اكتشف دياب أنّ الأزمة في لبنان تحتاج إلى موافقة حزب الله، قبل العالم الخارجي، الذي يتّهم أشباحاً بتحريضه ضدّ حكومته وضدّ لبنان. أشباح هي نفسها التي تعلن ليلاً ونهاراً أن لا مساعدات للبنان من دون مقاربة استراتيجية كبيرة، وليس حلولا جزئية. مقاربة استراتيجية تعالج شؤونا استراتيجية في البلد، منها حزب الله وتموضعه ودوره في الدول العربية وفقي أميركا اللاتينية، وفي لبنان.

باكراً اكتشف دياب حجم الأزمة وتلفحه حرارة كرة النار التي ما كان مدركاً حجم سخونتها. لعلّه يقول في سرّه: “لو كنت أعلم، لما قبلت هذه المهمّة”. هذا بعض ما تكشفه مداولات اللجان الأربعة التي شكّلها، في قرار واحد، قبل أيام، والتي بحسب بعض المعلومات، يبدو أنّها في طريقها إلى التقاعد المبكّر.

الحكومة التي لا تمون على وقف رحلة طائرة آتية من إيران، في زمن الكورونا، ولا تمون على حزب الله بالموافقة على خطّة ضرورية لإعادة الحياة إلى شرايينه المالية، وفق خطة لا يستطيع لبنان أن يمشي بها وحده، هذه الحكومة، مهما توهّمت من أشباح، فهي عاجزة عن إقناع العرب بإرسال طائرات مليئة بالمال، إلى سراي حكومية مسكونة بأشباح حزب الله.

 

مواضيع ذات صلة

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…

السّوداني يراسل إيران عبر السعودية

 لم يتأخّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومعه قادة القوى السياسية في قراءة الرسائل المترتّبة على المتغيّرات التي حصلت على الساحة السورية وهروب رئيس…