لم تمض ساعات قليلة على اكتشاف أول إصابة في لبنان بفيروس الكورونا، في مسافرة عائدة من إيران، حتّى تحولت هذه القضية إلى فرصة جديدة للسجالات السياسية والإعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وانقسم اللبنانيون بين محورين: المحور الأول يعتبر أن وصول مصابة بالفيروس من إيران يتطلب اتخاذ إجراءات سريعة في مواجهة الدولة الإيرانية وأهمها وقف حركة الطيران بين لبنان إيران، وتحميل إيران مسؤولية المشكلات التي يواجهها لبنان. وانتشرت مقولة أنّه بدل أن يتلقّى لبنان المساعدات الإيرانية لمعالجة أزماته الإقتصادية والمالية، وصلته من إيران الإصابة الأولى بالكورونا.
والمحور الثاني يرفض هذه الاتهامات ويعتبر أن تحميل إيران مسؤولية الكورونا واستغلال ذلك في الصراعات الحزبية والسياسية، جريمة أخلاقية. ورفض هؤلاء وقف حركة الطيران مع إيران وأكدّوا أنّ “كل ما يأتينا من إيران عسل”.
إقرأ أيضاً: الكورونا: لبنان غير جاهز.. وانتشاره سيكون كارثة فعلية
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي هجمات وهاشتاغات متبادلة بين الاتجاهين. وقد يكون موقف نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم حول هذا الموضوع من أكثر المواقف وضوحاً في هذا الاطار. هو الذي قال خلال لقاء سياسي في حي السلم: “بعضهم حاول تسييس الكورونا، يا أخي تسييس الكورونا للتشّفي عمل لا أخلاقي ويفتقر إلى أدنى ضمير وأدنى إنسانية، نحن نعرف أنَّ المتخاصمين عادةً في الحي في الشارع في أيِّ مكان، عندما يحصل عند أحدهم بلاء أو مشكلة يأتي الخصم فيواسيه ويساعده تاركاً الخلافات جانباً، لكن أن يأتي البعض ليركب موجة مرض يتطلب تكاتفاً ومعالجة وهو لا يزال في بداياته، من أجل أن يمرِّر مواقف سياسيَّة ولؤماً سياسياً، فهذا عمل غير أخلاقي على الإطلاق. على كلِّ حال كل إناءٍ بما فيه ينضح”.
بموازة ذلك أصدر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان بياناً “تمنى من زوار المقامات المقدسة والمعتمرين والحجاج وأصحاب الحملات التريث في السفر لأداء الزيارات الدينية والعمرة حفاظاً على سلامتهم ودعماً للجهود المبذولة في محاصرة هذا الفيروس”.
والمعروف دينياً وفقهياً أنّه يحقّ للسلطات الدينية، سواء كانت لها صفة رسمية أو كونها مرجعية دينية فقهية، اتخاذ قرارات بوقف بعض المراسم الدينية من حج أو زيارة، إذا كانت ستؤدي إلى مخاطر كبيرة على الحجّاج والزوار.
حماية لبنان واللبنانيين قد تتطلب إجراءات حازمة، حتى لو وصلت الأمور إلى وقف حركة الطيران مع كل الدول التي ينتشر فيها الفيروس، سواء كانت من محور المقاومة أو ضدّه
أما على الصعيد الرسمي فتأخّر مجلس الوزراء اللبناني في إصدار قرار حاسم بوقف حركة الطيران مع الدول التي بدأ هذا الفيروس الانتشار فيها (غير الصين) كإيطاليا وإيران أو أي دولة أخرى. وترك هذا الأمر للمعطيات العملية، ليقرر في الجلسة التي انعقدت اليوم في قصر بعبدا “ضبط حركة الطيران ووقف الرحلات الدينية إلى الدول التي تفشى فيها الفيروس”.
إذن تحولت قضية مواجهة الفيروس لدى الكثيرين من معارضي إيران وحزب الله إلى سلاح جديد في مواجهة محور المقاومة (حسب وجهة النظر لدى جمهور حزب الله)، بدلاً من التعاطي معها بموضوعية وإنسانية ومن زاوية صحية. ويبدو أنّ قرار وقف استقبال الطائرات من إيران ليس سهلاً، بسبب وجود جالية لبنانية كبيرة في إيران وخصوصا من طلاب العلوم الدينية، ولوجود آلاف الزوار الذين كانوا يزورون المقامات المقدسة خلال الأيام الماضية. لكن في المقابل هل يمكن ترك الملف مفتوحاً في ظل ارتفاع عدد الإصابات في إيران والمخاوف من تفاقمها؟
الموضوع يحتاج إلى مقاربة جديدة بعيداً من السجالات والصراعات الداخلية والإقليمية. فحماية لبنان واللبنانيين قد تتطلب إجراءات حازمة، حتى لو وصلت الأمور إلى وقف حركة الطيران مع كل الدول التي ينتشر فيها الفيروس، سواء كانت من محور المقاومة أو ضدّه. وفي المقابل فإنّ إعطاء هذا الملف بعداً سياسياً وطائفياً ومذهبياً سيدخله في سجل الملفات المثيرة للقلق في الصراعات الداخلية.
فمتى نتعاطي مع قضايانا الداخلية بروح وطنية شاملة ونتضامن وطنياً بدل الإنجرار إلى سجالات وصراعات لا طائل منها؟
