لبنان الموبوء مالياً وسياسياً لا يُحسد على الطارئ الصحّي الذي طرق أبوابه في اليومين الماضيين. حالة الهلع في الوسط الشعبي توازيها جهود مضاعفة على الصعيد الصحي ولكنها للأسف تبدو حتى الساعة غير مُقنعة، إرتجالية، وغير مدروسة، في جسمٍ إذا ما غضّينا النظر عن فضيحة تفريغه من الكمّامات التي كشفها موقع “أساس” يوم الإعلان عن أول إصابة كورونا في لبنان، فرائحة الاهتراء فيه تتجاوز حدود الخطر من دون كورونا.
نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون، بصوته المبحوح فعلياً (لكثرة الصراخ في أزمة كان يُتوقع أن تصل إلى ما هي عليه اليوم) يؤكد لـ”أساس” أنّ نقطة الضعف الكبيرة تكمن بشكل خاصّ في التجهيزات الطبية والنقص الحادّ في المستلزمات الطبية للوقاية، شارحاً أنّها أزمة رفعَ الصوت إلى خطورتها مراراً وتكراراً: “كان واضحاً أن أزمة الاستيراد حُكماً ستصل بنا إلى مشكلة في مستلزمات الوقاية حتّى البسيطة منها كالكمامات، الكفوف، و”المريول” الطبي، ولذلك كان هناك ترشيدٌ وتقنين حاد باستهلاكها في المستشفيات في المرحلة السابقة، بسبب نقصها من الأسواق، حتى جاء، كورونا وحصل ما حصل”.
إقرأ أيضاً: لا خطة ولا إجراءات: المدارس ستفتح… و”ما إلنا غير الله”
وماذا عن اليوم بعد تهريب ما تبقّى من كمّامات، وربما من مستلزمات أخرى؟ نسأل هارون، فيجيب أنّ المستشفيات “لا تزال قادرة على تدبير أمورها، لكن ليس لوقت بطويل”. يرفض تحديد الوقت، لكن في حال انتشار الفيروس على نطاق أوسع، فلا يخفي أننا سنكون “أمام كارثة حقيقية”.
وكشف في حديثه لـ”أساس” أنّه طالب وزارة الصحة بالكشف والجرد العام على مستودعات الشركات المستوردة للمستلزمات الطبية ووضْع اليد على ما تبقّى لديها من مستلزمات الوقاية، لمنع الاحتكار والمتاجرة بصحة الناس، وتوزيعها على المستشفيات بغضّ النظر عن السعر، ومراقبة استهلاكها، واصفاً ما قام به البعض بتهريب هذه المستلزمات إلى الخارج بـ”العمل الإجرامي” وطالب بـ”تحقيق مفصّل يكشف ملابسات ما حصل ويحاسب الفاعلين”.
يتهرب رئيس “الهيئة الوطنية الصحية” النائب السابق الدكتور اسماعيل سكرية من وصف الجسم الصحي اللبناني بـ”العاجز” أمام مواجهة كورونا، ويحاول تلطيف تعابيره ليقول إنّ قدرات لبنان في هذا الإطار “ضعيفة”، وأنّ كثيراً من متطلبات المواجهة “غير سليمة” لأسباب متعلقة بترهّل القطاع الطبي إدارياً وتنفيذياً، والذي يتمظهر بأسوأ حالاته في المستشفيات الحكومية. ويضع على رأسها وفي مقدمّها مستشفى رفيق الحريري “الذي عاني من ضعف وخلل في بنيته البشرية والمادية وهبوط في الأداء نتاج تراكم الإهمال وأعمال الفساد التي ضربت هيبته وقدرته على مواجهة الأحداث الصحية الخطيرة كالتي نواجهها اليوم”.
يجزم سكرية أنّ العزل في غرفٍ داخل مستشفى رفيق الحريري لا يكفي، متحدّثاً عن “متطلبات متابعة ودقة في التنفيذ والبنى التحتية البشرية في المستشفيات والجوّ العام، ولذلك لا بد من تخصيص مستشفى بيروت الحكومي لمرضى الكورونا، والمشتبه بإصابتهم فقط، وركاب الطائرة الـ140”.
وعند سؤاله عن البديل عن المستشفى ذائع الصيت بالفساد والاهتراء يجيب سكرية: “كلّن شحار وتعتير”، ويحاول مجدداً التهرّب من الإجابة عن سؤال “ماذا بعد”، و”ماذا لو تضاعف عدد المصابين بفيروس كورونا في لبنان؟”. يجيب حاسماً: “القدرة الضعيفة التي تحدثنا عنها هي محدودة بحال قياسها في مواجهة حالة واحدة وعدد قليل من الإصابات المشتبه بها، لكن في حال كنا أمام المزيد من الإصابات فـ”لا سمح الله” المرتبطة “بالمصير المجهول” وحدها تنهي الحديث تفادياً للاعتراف بما هو أسوأ”.
حالة التهرب نفسها يلتمسها “أساس” لدى وزير الصحة السابق محمد جواد خليفة، الذي يبدو متفائلاً ولو بشكل محدود بإمكانيات لبنان. إذ يذكّر بأنّنا سبق أن تخطّينا أزمةً أكثر خطورة وهي “أنفلونزا الخنازير – H1N1″، في عهده عام 2009. يحكي كيف أنّ الوزارة وضعت خطة علمية: “درست حينها كل السيناريوهات بما فيها الأسوأ، القابلة للتطبيق عند الحاجة، وتبنّينا المبادرة إلى أبحاث خاصة بالفيروس يومها، وحاولنا تأمين قاعدة المعلومات اللازمة، وأنشأنا مختبر PCR قبل وصول الفيروس إلى لبنان بـ15 يوماً”.
لكن ماذا عن اليوم؟ يؤكد خليفة أنه لا يعلم تفاصيل الاستعدادات اللوجستية الحالية، لكن يبدو حتّى الساعة أن “لا خطة واضحة”، بل “يشتغلون على الفعل وردّة الفعل أكثر”. وأضاف “من حقّ الناس أن تخاف لكن لا يمكن اتخاذ قرارات تلبيةً لمطالب الناس، بل يجب اتخاذها حصراً على أساس علمي بحت”، معلناً استعداده للمساعدة وتقديم خبراته في هذا المجال.
فماذا لو كان خليفة اليوم وزيراً، ماذا كان فعل؟
لو كان وزيراً للصحة لقام بالفحوصات اللازمة لكلّ ركاب الطائرة من باب البحث العلمي، ولقام بدراسة فعلية لعدد مرضى السكري والقلب والعلاج الكيميائي والذين يعانون من ضعف المناعة من بينهم… ولوضع المستشفيات بصورة هذه الأرقام وطلب إعداد خطة طوارئ قابلة للتنفيذ في ليلةٍ واحدة تحسّباً من أي طارئ.
الأجوبة أعلاه كأنّها تقول لنا إنّ الصلاة هي السبيل الوحيد للوقاية من الإصابات ومن الوقوع في المحظور
وفي معضلة الإصابة الوحدية حتى الساعة، وضرورة الحجر من عدم ضرورته، فـ”لو كانت وزارة الصحة تعرف بوجود هذه الحالة على متن الطائرة، لكان الحجر الصحي إجباري على كل الركاب، كما فعلنا بالطائرة الاسترالية في 2009. لكن التصريح الرسمي لوزارة الصحة يؤكد أنّ تشخيص الحالة تم في لبنان، ما يستلزم الاكتفاء بالحجر المنزلي لركاب الطائرة”.
وفيما يحاول التهرّب من الإجابة حول كيفية الشكّ بهذه الحالة لولا ظهور العوارض عليها قبل دخول لبنان، يؤكد أنّ “هناك لغطاً ما”. وخلافاً لما يشيعه البعض عن اليانسون وعن إيجاد علاجات في هذه الدولة أو تلك، يحسم الدكتور خليفة بأن “لا دواء حتى الآن بل مضادّات فيروسات مختلفة موجودة في لبنان لقلّة استهلاكها”، داعياً إلى “ترشيد استهلاك الماسكات المخصّصة وتوزيعها على من يعمل على المعابر الحدودية والمطار وموظفي القطاع الصحي ومرضى نقص المناعة والفشل القلبي والحوامل، وتكثيف الوقاية على الصعيد الشخصي، لعدم وجود أدوية واقية لهذا الفيروس”. ويعلّق ختاماً على احتكار وتهريب المستلزمات الطبية الوقائية بالقول: “كان يتوجب أن تكون هنا إدارة استباقية عبر جمع هذه المستلزمات وتجميعها ومنع بيعها في الأسواق”.
هذه الصورة العامة تؤكّد أنّ لبنان غير جاهز لانتشار العدوى. والأجوبة أعلاه كأنّها تقول لنا إنّ الصلاة هي السبيل الوحيد للوقاية من الإصابات ومن الوقوع في المحظور.