يوم الأحد الفائت، أطلق رئيس “التيار الوطني الحرّ”، النائب جبران باسيل، طلقات تحذيرية بوجه حزب الله. وتبعتها، كالعادة، طلقات أخرى من بعض فريقه السياسي والإعلامي، فاتحاً بوابةً جديدة من الخلاف السياسي مع حزب الله.
إقرأ أيضاً: جبران باسيل يبتزّ حزب الله واللبنانيين: إمّا معي وإما التقسيم
المعطيات الجديدة هي التالية:
أوّلاً: تحدّث الأحد باسيل عن أنّ عقد الفيول المغشوش مع شركة “سوناطراك”، الموضوع تحت مجهر “الفساد” قضائياً وسياسياً وإعلامياً، وُقّع “في عام 2005″، أي خلال ولاية وزير حزب الله محمد فنيش في وزارة الطاقة.
ثانياً: تحدّث باسيل عن “المعابر غير الشرعية” التي تحميها “قوى الأمر الواقع”، في موضوع التهريب. والقوى هي “حزب الله” بالطبع، وهذا ما لم يقله باسيل، لكنّه قاله.
ثالثاً: حمّل باسيل حلفاءه مسؤولية عدم مساعدته في مكافحة الفساد: “كنّا وحدنا طوال 15 سنة في مواجهة منظومة الفساد المالي والسياسي وتعرّضنا لهجمات ومؤامرات. وبالنسبة إلى أصدقائنا، يا ليت يسمعون منّا بالوشوشة، نحن نصرّخ علناً لتركنا نتخبّط وحدنا في المعركة من دون أن يلتفتوا إلينا، ويبقى لنا كلام وعتب معهم في السرّ”. وفي هذا اتّهام صريح بالفساد.
رابعاً: في اليوم التالي خرج القيادي في “التيار” ناجي حايك على شاشة “otv” ليروي حكاية غير منشورة، عن أن مدير عام الجمارك بدري ضاهر “أرسل مرافقيه لتوقيف شحنة ملبوسات مهرّبة، فلحقتهم 4 سيارات مفيّمة طوّقتهم قوى على طريق المطار وهدّدوهم بالقتل”، وعقّب بين المزاح والجدّية: “هؤلاء من القوات اللبنانية”.
خامساً: في اليوم نفسه، الإثنين الفائت، قال النائب زياد أسود في حديث مع الزميلة جوزفين ديب على شاشة “otv” نفسها: “الحلّ يكون في سياق إقليمي، والحلّ في المنطقة أنّه لا يمكن أن نحمل البارودة وشعبنا جائع، إذا أردنا حمل البارودة يجب أن يكون الشعب مرتاحاً ولديه عمل وليس جائعاً ولا أحد يلعب به. هذا قرار الأميركيين، هذا ما سيأتي… تريدون أن تقاوموا ستدفعون هذا الثمن وأكثر”. وزياد أسود نائب ماروني عن جزين، وهو قضاء يقع جنوب لبنان، والرسالة واضحة ووصلت وتسبّبت بتشنّج كبير على مواقع التواصل بين مناصري التيار الوطني الحرّ وبين مناصري حزب الله، الذين شتموا باسيل وأسود وأعلنوا تأفّفهم من “تربيح الجميلة” بالوقوف إلى جانب “المقاومة”.
سادساً: لم ينتهِ الأمر هنا. خرج النائب آلان عون، ابن شقيقة رئيس الجمهورية وعضو تكتّل باسيل النيابي، على شاشة “الجديد” يوم الأربعاء، ليقف إلى جانب مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة، ضدّ الحكومة، في موضوع الخطة الاقتصادية، قائلاً إنّ “أكبر خطأ كان عدم التنسيق بين من وضع الخطة الحكومية الاقتصادية وبين مصرف لبنان وجمعية المصارف”.
سابعاً: تمّ إعداد فيديو وتوزيعه عبر مواقع التواصل، للزميل جورج ياسمين، المذيع والمُحاور في تلفزيون “otv”، وهو يتحدّث بدلاً من طرح الأسئلة، أمام محاوريه، ومن الجمل المقتطعة والمُبرّزة: “القطاع المصرفي أحد أبرز وجوه لبنان المسيحي…”، و”الموارنة بقي لهم في لبنان 3 مراكز، حاكم مصرف لبنان وقائد الجيش ورئيس الجمهورية. رئاسة الجمهورية محاصرة بالصلاحيات القليلة، قائد الجيش.. هناك أوضاع معيّنة، وحاكم مصرف لبنان خنقوه، رياض سلامة يجب أن يُعزّز ويكّرم”، و”هناك انطباع بأنّ القطاع المصرفي الذي كان يمثّل أحد أبرز وجوه لبنان المسيحية، انتهى”، “جزء من اللعبة الداخلية في لبنان بقرار سياسي، إذاً من أين يأتي صرّافو حزب الله بالدولارات؟ يأتون بالكميات التي كانت فائضة وتختفي، والعصابات والمافيات والكارتلات لا تزال تهرّب إلى سوريا، ومن سوريا إلى غير محلّ”، و”عملوا حرب طويلة عريضة من أجل العروبة، وهلق ما حدا بيجيب سيرة العروبة، صاروا مع إيران”…
ثامناً: الردّ جاء عبر الزميل جوني منيّر، القريب من أجواء حزب الله، ضمن مقال كتبه بجريدة “الجمهورية” عنوانه “حزب الله لن يعطي باسيل وعداً رئاسياً”، وفيه أنّ “حزب الله، اللاعب القوي في الاستحقاق الرئاسي وبتجاهله للنزاع الحاصل (بين سليمان فرنجية وباسيل)، يوحي بأنّه ليس أبداً في وارد إعطاء التزامات مسبقة. فعدا عن انّ ما حصل مع العماد ميشال عون هو استثناء غير قابل للتكرار…”.
تاسعاً: أما جريدة “الأخبار” فنقلت عبر الزميلة ميسم رزق بالقول إنّ “باسيل انزعج من تصويت وزراء حزب الله في الحكومة ضدّ معمل سلعاتا” للكهرباء.
هي بدايات، أو إشارات، إلى احتمال حدوث “انقلاب” سياسي يقوده باسيل في وجه حزب الله. وهذه معطيات باتت في متناول الجميع.
باسيل، في العلن، يتجه إلى خصومة مع حزب الله، وهذا سيكون له انعكاسات على الشارع المسيحي، وعلى الشارع الشيعي، واستطراداً على الرأي العام اللبناني
لكنّ باسيل أذكى من معاداة آخر حليف له في لبنان والعالم، على المستوى السياسي والشعبي. فهو بات ضعيفاً في البيئة المسيحية، ومكروهاً في البيئات الأخرى. وحدها بيئة حزب الله كانت تتقبّله، مكرهةً، في الجانب السياسي، رغم كراهية جمهور حركة “أمل” له بسبب خلافاته مع الرئيس نبيه برّي. واليوم يخسر باسيل آخر معاقله الشعبية.
هناك ثلاث احتمالات:
الاحتمال الأوّل: أن يكون جبران باسيل خائفاً من العقوبات الأميركية القاسية التي تقترب منه، ومن قانون “قيصر” الأميركي الذي سيعاقب كلّ من يتعامل أو يدعم النظام السوري. ويريد أخذ مسافة من حزب الله لإنقاذ نفسه وتيّاره. خاصّة بعد أن عبّر السفير الأميركي السابق جيفري فيلتمان أكثر من مرّة عن استغرابه لعدم إدراج باسيل على لائحة العقوبات الأميركية.
الاحتمال الثاني: أن يكون جبران باسيل يبتزّ حزب الله، ليحصل على وعد نهائيّ منه، كما حصل عمّه رئيس الجمهورية ميشال عون، على وعد من الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، بأنّه سيكون مرشّح حزب الله لرئاسة الجمهورية. وبين هذا الوعد وبين اليوميات اللبنانية، يريد دعماً في حملته القضائية ضدّ خصومه، حملته الكيدية والسياسية، بوجهها القضائي، وكذلك يريد “معمل سلعاتا” الذي سقط بالتصويت في مجلس الوزراء قرار إنشائه، لأنّه سيخسّر الدولة 500 مليون دولار سيذهب معظمها إلى جيوب باسيل وأنصاره. وهنا يكون “يتدلّل”، على مقام الحبيب الذي يعرف مقامه.
أما الاحتمال الثالث، فهو أن يكون هذا “الانقلاب” منسّقاً مع حزب الله، في اللقاء الأخير الذي جمع باسيل بنصر الله. وربما شهد الاجتماع اتفاقاً على “انقلاب” شكلي يمارسه التيار الوطني الحرّ، أمام الخصوم والأصدقاء، لحماية “الأكثرية المسيحية” التي تغطي سلاح حزب الله، من العقوبات المحتملة، من اليوم وحتّى موعد الانتخابات الأميركية خلال أشهر، التي قد تأتي برئيس أقلّ بطشاً من دونالد ترامب، فيلتقط حزب الله وحلفاؤه أنفاسهم قليلاً. وهذا الاحتمال بعيد عن الواقع .
أيّا كان السيناريو، فإنّ باسيل، في العلن، يتجه إلى خصومة مع حزب الله، وهذا سيكون له انعكاسات على الشارع المسيحي، وعلى الشارع الشيعي، واستطراداً على الرأي العام اللبناني، الذي بات يقترب مجدّداً، للمرّة الأولى منذ عشر سنوات على الأقلّ، من الاقتناع بأنّ مشكلة “الجوع” و”الفقر” و”الأزمة المالية” سببها سلاح حزب الله أوّلاً، وليس الفساد أو النهب أو السياسيين التقليديين.
باسيل وفريقه رمى قنبلة كبيرة أمام اللبنانيين، وأعاد تصويب البوصلة نحو سلاح حزب الله، وهذه ستكون عواقبها كبيرة في الآتي من الأيام.