سؤال طرحه احدهم على غروب مخصص للزراعة على فايسبوك: “كيف يمكنني التخلّص من الجرذان في حديقتي؟”. ما يزيد على تسعة عشر إجابة، حملت أساليب متنوّعة و”مبدعة” لقتل الفئران. بعضها غاية في القسوة و”التفنّن” في التوحش: وضع مادة الجفصين مع الطحين، ليأكلها الجرذ، وإلى جانبها الماء. حالما يأكل، يعطش. وحين يشرب من الماء يختلط بالجفصين فيتجمّد داخله، فينتفخ ويموت. طريقة أخرى اقترحها مشترك آخر: “ضع سردين في مصيدة، سيأتي الفأر بسرعة، وحينما يعلق، اسكب عليه ماءً مغلياً”!
وأنا اقرأ التعليقات والاقتراحات، تذكرت كتاباً لهادي العلوي عنوانه “من تاريخ التعذيب في الإسلام”، وهو كتاب يوثق فيه الكاتب العراقي أساليب التعذيب التي اعتمدت في العصور الإسلامية، وبعضها غاية في الوحشية. تذكرت الكتاب لأن إحدى أساليب التعذيب تستخدم الجرذان بطريقة “مبتكرة” وتنطوي على كثير من العنف والقسوة والبشاعة.
إقرأ أيضاً: عندما تذوّقتُ “تفاح المجانين”: الريبوخة
ومثلها شهدت أوروبا محاكم التفتيش، التي يتحدّث عنها كتاب “التاريخ الوجيز لمحاكم التفتيش” لمؤلفه جوزيف بيريز. وقد كان يتم تجويع الجرذان لأيام عديدة، ثم يؤتى بالضحية عارياً وتُحشر أعضاؤه الحسّاسة في قفص الجرذان عبر فتحة صغيرة، وذلك بعد أن يتم دهنهما بمادة حلوة مثيرة لشهية الجرذان.
قبل حديث الجرذان، كنا خضنا نقاشاً حول قتل العناكب، بعدما وضع صديقنا صورة العنكبوت الذي قتلته زوجته بعصا الممسحة ففصلته إلى نصفين. بعض الناس يعتقدون بضرورة تجنّب قتل الحشرات طالما أنها لا تؤذي. غالبهم من المتخصّصين في علم الحشرات، يشرحون: وجودها مهم للطبيعة والتطوّر البيولوجي. حتى موجة الصراصير الأخيرة يقولون إنها غير مؤذية ولن تسبّب سوى الإزعاج، وستنتهي من تلقائها في غضون أيام. وأكثر، بعضهم يقول بانعدام الحاجة إلى قتل الأفاعي والعقارب. برأيهم لن تؤذينا طالما أننا لا نؤذيها. ولكن، كثيرون يسخرون من هذا المنطق. ويسألون: كيف نتخلّص منها اذا وجدناها في بيوتنا؟ كيف نتخلّص من الحشرات التي تضرّ بمزروعاتنا وتأكل محصولنا، وتخرّب حدائقنا؟ والإجابة من المتخصّصين غالباً تكون باقتراح استقدام الحيوان الذي يعتاش على الحيوانات غير المرغوب بها. يعني لتتخلّص من الفئران عليك ان تحضر أفعى أو قطة، فتقتل الفأر، وتأكله. هذا النوع من القتل هو جزء من توازن الطبيعة، مبرّر ويدافع عنه العلم. الكثير من الطيور تعتاش على الحشرات التي تشكّل مصدر إزعاج لنا. هي دورة الطبيعة في القتل الذي يؤمّن التوازن الكفيل بتأمين استمرارية الأرض بجميع كائناتها الحية. عملياً الكورونا، وهو فيروس، يقوم بدور ما في هذه الحلقة، برأي كثيرين.
أتذكر وأنا أدهس، بلا رحمة، قبّوطاً (قرمش أو جراد) قفز على رجلي أسفل الطاولة، قولاً للشاعر زكي بيضون: “كلما دهست نملة، أتخيّل إلهاً يدهسني”
بعض الحشرات لا تعيش سوى لساعات. حياتها الكاملة عبارة عن ساعات معدودة. ومع ذلك نقتلها إذا عثرنا عليها على جدران منازلنا. نرشّها بمبيدات حشرية سريعة المفعول، فتسقط صريعة في ثوانٍ. أحد الأصدقاء أخبرني أنه فكر طويلاً في مسألة قتل هذا النوع من الحشرات التي لا تعيش إلا لساعات معدودة. قال لي تخيّل مدى إجرامنا. نقتل حشرة نعرف أننا لو تركناها لساعة أو ساعتين حيّة على الجدار فستموت من تلقاء نفسها. ستموت لأن معدّل عمرها قصير جداً. ومع ذلك نرديها قبل ساعتها، بلا رحمة، وبلا أيّ نوع من التفكير بجدوى قتلها. لكن يحدث أحياناً، أن نضع رحمتنا في حيوانات دون أخرى. نعطي أفضلية لحيوانات لكي تعيش، لأننا تربينا على عدم قتلها، فيما لا يرفّ لنا جفن لقتل حيوانات أخرى ولدنا ونحن نشهد آباءنا وأمهاتنا ومحيطنا كله وهو يرتكب المجازر بحقها. فلا نفهم، مثلاً، أن تقدم شعوب بأسرها على قتل الكلاب لتأكل لحمها، لكننا نقتل الأبقار والماعز والدجاج والعصافير والأسماك والضفادع والبزاق وغيرها الكثير الكثير من الحيوانات التي اعتدنا تبرير قتلها بحجّة الحاجة إلى أكلها.
لستُ نباتياً. وأنا آكل جميع المأكولات الحيوانية المذكورة أعلاه. وأطعم كلبتي العزيزة عظام الدجاج وأربّت على رأسها فيما أكتب هذه السطور. وأتذكر وأنا أدهس، بلا رحمة، قبّوطاً (قرمش أو جراد) قفز على رجلي أسفل الطاولة، قولاً للشاعر زكي بيضون: “كلما دهست نملة، أتخيّل إلهاً يدهسني”.