بين العدليّة والسراي يرتسم مشهد فائق الغموض، و”اللينك” بين الأزمتين يؤسّس لمرحلة بالغة التعقيد.
على جبهة القضاء “ماراتون” الدعاوى والشكاوى لا يتوقّف. وفي السراي الحكومي رهان من جانب الرئيس نجيب ميقاتي على إبقاء ورش العمل مفتوحة و”إنجاز ما يمكن إنجازه”، وفق قريبين منه، حتى لو طالت فترة بقاء حكومته خارج الخدمة.
تشير معلومات “أساس” إلى وصول موفد الدوحة وزير الخارجية القطري إلى بيروت الثلاثاء المقبل للقاء الرؤساء الثلاثة.
جرعات دعم البيطار تجاوزت مجدّداً “الأراضي اللبنانية”، فكان لافتاً إعلان مجلس القضاء الأعلى الفرنسي منذ أيام تضامنه مع “القاضي طارق البيطار الذي يتعرّض لضغوط وهجمات شخصيّة وتهديدات متكرّرة”
مسعى متجدّد قد يصطدم بالعوائق نفسها التي واجهت موفد الجامعة العربية السفير حسام زكي في ظلّ تمسّك حزب الله برفض استقالة أو إقالة وزير الإعلام جورج قرداحي وبالحدّ الأدنى من ضمان “تجاوب” دول الخليج مع هذه الخطوة.
وفي المقلب الآخر إصرار الحزب على معالجة “العطب” في تحقيقات المحقّق العدليّ في قضيّة انفجار المرفأ، باعتبارها وحدها الكفيلة بإيقاف “حفلة جنون” إغراق العدليّة بطلبات ردّ وطلبات ردّ مضادّة وشكاوى أمام التفتيش القضائي أسّست لسابقة عجزت كلّ قوانين العالم عن توقّع سيناريو شبيه لها.
دعمٌ من خارج الحدود
“الهجمة” النسائية صباح أمس من قبل مجموعة “نون” على مكتب القاضي حبيب مزهر، اتّهمته بـ”السطو” على ملفّ طلب ردّ القاضي البيطار. هجمة أتاحت لعضو مجلس القضاء الأعلى تأكيد أمرين: عدم تبعيّته لأيّ فريق سياسيّ، وسجلّه القضائي “النظيف”.
هذا ما يعرفه أعضاء مجلس القضاء الأعلى جيّداً بالنظر إلى cv مزهر. لكنّ الانقسام يأخذ مداه داخل الجسم القضائي بين المعسكر الداعم للمحقّق العدلي في كلّ ما يقوم به، والمعسكر المتضرّر من ارتكابات القاضي الذي “لا يُردّ”.
المفاجأة أنّ النيابة العامّة التمييزية تذكرت أمس أنّ لها رأي محدّد في مسألة تعيين المرجع الصالح لقبول طلبات ردّ المحقق العدلي وتنحّيه. ووجدت، بتوقيع القاضي عماد قبلان، أنّ المرجع المختصّ بطلبات ردّ القاضي أو نقل الدعوى هو المجلس العدليّ وليس الهيئة العامة لمحكمة التمييز. والمجلس العدلي يتألّف من الرئيس الأوّل لمحكمة التمييز (القاضي سهيل عبود حاليّاً) وأربعة رؤساء أصيلين لغرف تمييز أو مستشارين في محكمة التمييز.
الغريب أيضاً أنّ جرعات دعم البيطار تجاوزت مجدّداً “الأراضي اللبنانية”، فكان لافتاً إعلان مجلس القضاء الأعلى الفرنسي منذ أيام تضامنه مع “القاضي طارق البيطار الذي يتعرّض لضغوط وهجمات شخصيّة وتهديدات متكرّرة”.
وقد جاء هذا الدعم، وفق مطّلعين، إثر زيارة قام بها رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود إلى فرنسا ضمن إطار الاجتماع السنوي لمحاكم التمييز الفرنكوفونية.
تشير معلومات “أساس” إلى وصول موفد الدوحة وزير الخارجية القطري إلى بيروت الثلاثاء المقبل للقاء الرؤساء الثلاثة.
3 قضاة كُفَّت يدهم
ارتفع أمس “عدّاد” الدعاوى والشكاوى بتقديم وكيل الدفاع عن الوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر شكوى أمام هيئة التفتيش القضائي بحقّ القضاة ناجي عيد وروزين غنطوس وجانيت حنّا وجوزيف عجاقة ونويل كرباج، وذلك بعد تقديم الوزيرين يوم الإثنين دعوى مخاصمة الدولة أمام محكمة التمييز عن أخطاء ارتكبها هؤلاء القضاة، خصوصاً لجهة ” عدم إبلاغ القاضي المطلوب ردّه (البيطار) والخصوم بطلب الردّ المقدّم من المدّعيَيْن وعدم قبول طلب الردّ”.
وبعد سيل دعاوى الردّ بحقّ كلّ من البيطار والقاضي نسيب إيليا والقاضي حبيب مزهر يختصر الوضع القانوني لهؤلاء بــ”كفّ اليد” المتبادل:
– القاضي طارق البيطار، بقوّة القانون، في وضعيّة كفّ اليد بعد تبلّغه بذلك الأسبوع الماضي في منزله بعد وضع القاضي مزهر يده على ملفّ طلب ردّ البيطار. وهو قرار قائم له مفاعيله، بغضّ النظر إذا أخطأ أو أصاب القاضي مزهر أو إذا كان صاحب اختصاص أو لا، ولا يتغيّر هذا الواقع إلّا بعد صدور القرار بقبول أو رفض طلب الردّ. ولذلك لم يكن البيطار أمس في وضع قانونيّ يسمح له باستجواب النائب زعيتر. لكنّ متابعين يؤكّدون أنّ البيطار حاول تجاوز هذا الواقع، لكنّه اصطدم بعدم وصول ردّ النيابة العامّة التمييزية في شأن الدفوع الشكلية التي تقدّم بها وكيل زعيتر. وسُجِّل استقباله في مكتبه لعدد من أهالي ضحايا المرفأ.
– القاضي حبيب مزهر، بدوره، كُفَّت يده مؤقّتاً أمس بعد تبلّغه من رئيس محكمة الاستئناف القاضي حبيب رزق الله دعوى طلب ردّه، المقدّمة من جمعية “متّحدون”، عن النظر في دعوى ردّ القاضي البيطار على خلفيّة ضمّه ملفّ طلب ردّ البيطار إلى ملفّ طلب ردّ إيليا.
– أمّا القاضي نسيب إيليا فكُفَّت يده مؤقّتاً أيضاً بعد تولّي القاضي مزهر النظر في طلب ردّ إيليا عن النظر في طلب ردّ نفسه عن النظر في طلب ردّ القاضي البيطار!
فضّ مشكل
وفي سياق موازٍ، أصدرت النيابة العامّة التمييزية أمس مطالعتها في الطلب المقدّم من النائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل لتعيين المرجع المختصّ لردّ المحقّق العدلي.
وطلبت النيابة العامّة التمييزية من الهيئة العامّة لدى محكمة التمييز اعتبار أنّ المحقّق العدلي خاضع لأحكام الردّ والتنحّي الخاصّة بالقضاة، وتحديد المجلس العدلي مرجعاً مختصّاً للنظر في طلب ردّ المحقّق العدلي أو تنحّيه.
ويشكّل هذا القرار محطّة فاصلة في سياق التحقيق ودعاوى الردّ ونقل الدعوى في الملفّ.
وفي ترجمة أكثر عملانيّة للقرار يقول مصدر قضائي بارز: “يبدو الأمر أقرب إلى مسعى لفكّ مشكل، في وقت ليس في القانون ما يقول إنّ المجلس العدلي هو صاحب الصلاحيّة في بتّ هذه الدعاوى. بل هو المحكمة التي تحاكم المتّهمين في أيّ قضية بناءً على القرار الاتّهاميّ الصادر عن المحقّق العدليّ”.
ويُشكّل القرار، بنتائجه، انقلاباً على المسار القائم منذ قبول دعوى تنحّي القاضي فادي صوّان. إذ يوضح المصدر قائلاً: “اعتبار المجلس العدلي هو الجهة الصالحة لبتّ دعاوى ردّ المحققّ العدلي ونقل الدعوى، يعني تلقائيّاً أنّ محكمة التمييز التي قرّرت نقل الدعوى من القاضي صوّان إلى القاضي البيطار هي ليست صاحبة اختصاص، وأنّ قرار نقل الدعوى إلى البيطار كان باطلاً، وبالتالي القاضي فادي صوّان لا يزال محقّقاً عدليّاً في قضية انفجار المرفأ. ويعني أيضاً أنّ كلّ دعاوى الردّ ونقل الدعوى التي قُدِّمت سابقاً كأنّها لم تكن”.
ويختصر المصدر الواقع قائلاً: “لا يمكن حلّ معضلة بُنِيَت على معطيات قانونية خاطئة بخزعبلات قانونية”.
هل أخطأ القاضي قبلان؟
على خطٍّ آخر، لا يزال تعميم المحامي العامّ التمييزي القاضي عماد قبلان مذكّرة التوقيف الغيابيّة بحق النائب علي حسن خليل على قوى الأمن الداخلي لتنفيذها يثير الكثير من التساؤلات لجهة معارضته المادة 40 من الدستور التي لا تجيز توقيف نائب خلال دورة الانعقاد العادي.
إقرأ أيضاً: حرب الدعاوى تشلّ العدليّة: من يُنفَّذ مذكّرات التوقيف؟
غابت مادّة دستوريّة عن بال قاضٍ، وتوقّف عندها ضابط طالباً “من الجهة القضائية المعنيّة تأكيد الطلب أو نفيه، حرصاً منّا على تطبيق النصوص الدستوريّة والقانونيّة”.
وقد لقيت خطوة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان اعتراضاتٍ لجهة صلاحيّاته لأنّ “الضابطة العدلية ليست مخوّلة طلب تفسير الدستور والقانون، بل التنفيذ فقط”. في حين أكّدت أوساط معنيّة أنّ “الضابطة العدلية، التي ترأسها النيابة العامّة التمييزية، هي إدارة. والقانون يقول إنّ الإدارة وقبل التنفيذ بإمكانها القيام باستشارة حول قانونيّة ما ستقوم به. مع العلم أنّ المادة الدستورية واضحة ولا تحتاج إلى تفسير. وكانت العادة أن تتمّ استشارة هيئة الاستشارت في وزارة العدل بوصفها “مفتي” الإدارة”.