ما زالت الأنباء المتواترة من أوساط رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي تفيد أنّه ما زال تحت وطأة الاتصال الهاتفي الذي تلقّاه في وقت واحد من وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السبت الماضي. وكيف لا يكون الرئيس ميقاتي على هذه الحالة، وهو شخصياً، وليس رئيس الجمهورية ميشال عون الذي كان من المفترض أن يتلقّى هذا الاتصال السعودي – الفرنسي، مَن حظي بهذه المشاركة الهاتفية، في وقت بدا ميقاتي فاقد القدرة، ومعه الرئيس عون، على معاودة عقد مجلس الوزراء منذ أسابيع طويلة؟
قبل ساعتين من المكالمة من جدّة، التي كان على استعداد لتلقّيها، قام ميقاتي بجولة مكالمات للإبلاغ عنها مسبقاً، شملت عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والحاج حسين الخليل المستشار السياسي للأمين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصرالله. وإلى خارج لبنان اتّصل ميقاتي للغاية نفسها بالرئيس سعد الحريري الموجود في الإمارات، فلم يوفّق بالتواصل معه. لكنّ الأخير تبلّغ نبأ المكالمة بين جدّة وبيروت لاحقاً بعد إجرائها.
ماذا يمكن الاستفادة من هذه التفاصيل، وتحديداً حرص رئيس الحكومة على أن يكون “الحزب” حصراً، ومن خارج دائرة المسؤولين في لبنان، في صورة ما جرى في لقاء جدّة؟
يتصرّف “حزب الله” على أساس أنّ شيئاً لن يتغيّر في لبنان بعد لقاء جدّة. والسؤال هو: كيف يتصرّف الحكم اللبناني، لا سيّما مَن انتشى منه بالمكالمة الهاتفية السبت الماضي؟
قبل الإجابة، لا بدّ من القول في سياق ما تقدّم إنّ الشخصيّة المكلّفة من قبل “حزب الله” بالتواصل مع رئيس الحكومة كانت على اطّلاع أيضاً على أدقّ تفاصيل ما جرى في المكالمة إلى درجة أنّ الحاج حسين الخليل علم أنّ الرئيس ماكرون قام أوّلاً بالاتصال بالرئيس ميقاتي، ثمّ قال له: “الآن سأحوّل السمّاعة إلى الأمير محمد بن سلمان”. وبعد فترة قصيرة أعاد وليّ العهد السمّاعة إلى الرئيس الفرنسي الذي تكلم مع رئيس الحكومة قبل أن يعيد السمّاعة ثانية إلى الأمير…”.
إذاً كان الرئيس ميقاتي حريصاً إلى هذه الدرجة على أن لا تكون أيّ شاردة أو واردة في المكالمة وما بعدها خارج معرفة “حزب الله”. لكنّ هذا التواصل بين الجانبين الذي يخلو من أيّة أسرار يكتمها ميقاتي على الحزب، لا يعني أنّ الأخير يعيش نشوة المعرفة بما جرى يوم السبت، بل على العكس من ذلك، فقد انطلق حزب الله ولا يزال في حملة شعواء على البيان المشترك الصادر عن اللقاء السعودي – الفرنسي الذي وصفته حارة حريك بأنّه “إعلان حرب”.
وذهب موقع “العهد” الإخباري الناطق باسم الحزب إلى القول إنّ “البيان الختامي لقمّة ماكرون – بن سلمان يؤكّد قناعة مسبقة بأنّ استقالة الوزير جورج قرداحي كانت استقالة مجانيّة، ولم تكن هي المطلب منذ البداية بل الذريعة…”.
الخطوة التي سارع رئيس الحكومة إلى اتّخاذها بعد المكالمة، بدت متواضعة قياساً على ما ورد في البيان المشترك السعودي – الفرنسي. واختار ميقاتي ما دعا إليه البيان من وقف أعمال التهريب من لبنان في عبارة “ألّا يكون لبنان مصدراً لتجارة المخدِّرات”، فعقد اجتماعاً ضمّ جميع الوزراء والمسؤولين الجمركيين والإداريين وممثّلي قطاعات رجال الأعمال في لبنان والخليج، “خُصِّص للتشدّد في مسألة التهريب وضبط الحدود”، وفق ما أُعلِن رسمياً. وعلى الرغم من أهميّة أن لا يكون لبنان مقرّاً أو ممرّاً للمخدِّرات، وهو أمر دونه صعوبات كبيرة في الوقت الراهن، فإنّ ما سعى إليه ميقاتي هو نقطة في بحر البيان المشترك الذي بدأ بعبارة “ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بإجراء إصلاحات شاملة، لا سيّما الالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان”، وصولاً إلى عبارة “أهميّة الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته ووحدته بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن 1559 و1701 و1680، والقرارات الدولية ذات الصلة”، أي “ضرورة حصر السلاح بمؤسّسات الدولة الشرعية”، وفق ما جاء في البيان المشترك.
إقرأ أيضاً: دولة الرئيس: ماذا قال لك بن سلمان؟
مَن يتابع مصادر المعلومات في “حزب الله”، إضافة إلى ما تجري إذاعته منذ لقاء جدّة، يتبيّن له أنّ الحزب، ووفق خريطة طريق إيرانية، يعلم أنّ استقالة قرداحي كانت “بادرة حسن نيّة” من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تجاه الرئيس الفرنسي الذي مهّد لزيارته الخليجية الأخيرة بالاتصال بنظيره الإيراني. ومقابل هذه البادرة، تتوقّع طهران أن تحصل من باريس على مؤازرة في المفاوضات النووية العالقة بين الغرب والجمهورية الإسلامية.
في الخلاصة، يتصرّف “حزب الله” على أساس أنّ شيئاً لن يتغيّر في لبنان بعد لقاء جدّة. والسؤال هو: كيف يتصرّف الحكم اللبناني، لا سيّما مَن انتشى منه بالمكالمة الهاتفية السبت الماضي؟