المقداد وباسيل وعون: موقف “الحيلة” من إيران الوسيلة

مدة القراءة 6 د

الحوار الذي أجرته قناة “سما” الفضائية السورية، ليل الإثنين الماضي، مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، أتاح فرصة نادرة، ليس للتعرّف على موقف النظام من العلاقات مع العالم العربي بعدما جرى فتح بعض النوافذ المغلقة بين هذا النظام وعدد من الدول العربية، وإنّما لسماع ما يقوله مواطنون في دمشق جرى استطلاع آرائهم خصّيصاً من أجل البرنامج الحواري مع المقداد. وقد تبيّن أنّ السوريين، الذين جهدوا أن يعبّروا بكياسة عن آرائهم بما يسمح ببثّها فضائيّاً، جاهروا بما يجاهر به اللبنانيون يومياً بشأن ما يربط لبنان بالعرب ويقيم مسافة بينه وبين إيران.

وقد تشجّعت المذيعة، التي حاورت المقداد، فسألته، مثلما يسأله المواطنون العاديّون، كما قالت، عن موعد رحيل القوات الإيرانية عن سوريا، كي تعود العلاقات بين سوريا والعالم العربي، فأجاب: “هذا سؤال مهمّ… لكن هل كانت القوات الإيرانية موجودة قبل حرب الإرهاب التي تعرّضت لها سوريا؟”.

من حظّ رئيس الجمهورية، ربّما العاثر، أنّ الأمين العامّ للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كان في الوقت نفسه، خلال انعقاد جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي، يقدّم تقريراً عن تنفيذ موجبات القرار 1701 لعام 2006

ولاحقاً، أوردت وكالة “سانا” السورية الرسمية للأنباء كلّ ما قاله المقداد، باستثناء السؤال عن القوات الإيرانية والجواب عليه.

في استطلاعٍ لآراء المواطنين، في أحد شوارع العاصمة السورية، سألت سيّدة: “متى تعود العلاقات بين سوريا والدول العربية؟”، وسأل شابٌّ: “متى تنتهي عقوبات قانون قيصر؟”، وسأل آخر: “هل يتحسّن الاقتصاد؟”، فيما دعا آخرون إلى إعادة النظر في الشروط التي تُرافق إصدار جوازات السفر. وعندما شاهد المقداد هذا الاستطلاع، حاول إظهار تفهّمه لكن متهكّماً: “كلّ هؤلاء هم مشاريع وزراء خارجية لسوريا!”.

كم هو الشبه كبير بين المقداد وبين النائب جبران باسيل رئيس تيار العهد السياسي والمرشّح لخلافته في رئاسة الجمهورية. مع الفارق أنّ باسيل تولّى قبل يوم من مقابلة المقداد، ومن دون سؤال، الدفاع عن إيران في لبنان، قائلاً: “لا تخافوا، لا احتلال إيرانيّاً للبنان”، وذريعته أن “لا أحد يستطيع أن يحتلّ لا ثقافتنا ولا ديانتنا ولا إيماننا”. أمّا الغاية من نفي باسيل وجود احتلال إيراني للبنان، فهي نفسها في مراكمة الأميال في عالم الطيران لاستخدامها مجّاناً، إذ إنّ النفي بالنسبة إلى باسيل هو تذكرة الوصول إلى قصر بعبدا على متن خطوط “حزب الله” للطيران السياسي.

عون في الدوحة

ومن رتبة وزير خارجية في سوريا إلى رتبة رئيس للجمهورية في لبنان، كان الرئيس ميشال عون، خلال المقابلة التي أجرتها معه قناة “الجزيرة” القطرية أمس الأول، حين كان في زيارة إلى الدوحة، يمارس دور الدفاع بقوّة عن “حزب الله”. فقد أجاب عون، لدى سؤاله عن دور الحزب في الأزمة مع دول الخليج، أنّ “حزب الله يمثّل ثلث الشعب اللبناني، وهو يلتزم، منذ انتخابي عام 2016 حتّى اليوم، بالقرار 1701…”.

لكن من حظّ رئيس الجمهورية، ربّما العاثر، أنّ الأمين العامّ للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كان في الوقت نفسه، خلال انعقاد جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي، يقدّم تقريراً عن تنفيذ موجبات القرار 1701 لعام 2006.

ستكون زيارة وزير الخارجية القطري المرتقبة لبيروت، كما وعد الأمير تميم بن حمد آل ثاني زائره اللبناني، هي أيضاً في دائرة الامتحان لقدرة لبنان على الخروج من الشرنقة الإيرانية إلى المساحة العربية الواسعة

وممّا جاء في التقرير أنّ “امتلاك أسلحة غير مأذون بها خارج نطاق سيطرة الدولة، طبقاً لِما يعترف به “حزب الله” وجماعات مسلّحة أخرى، يشكّل انتهاكاً مستمرّاً وخطيراً للقرار 1701″. ودعا التقرير الحكومة اللبنانية إلى “اتّخاذ كلّ الإجراءات اللازمة حتى لا تكون أسلحة في لبنان غير أسلحة الدولة اللبنانية، أو سلطة غير سلطتها، من خلال التنفيذ الكامل للأحكام ذات الصلة في اتفاق الطائف، والقرارين 1559 و1701 اللذين يطالبان بنزع سلاح كلّ الجماعات المسلّحة في لبنان”. وجدّد التقرير الأممي مطالبة الحكومة اللبنانية بأن “تلتزم سياستها المتمثّلة في النأي بالنفس، بما يتّفق مع إعلان بعبدا لعام 2012″، داعياً كل الأطراف اللبنانية والمواطنين اللبنانيين إلى “الكفّ عن المشاركة في النزاع السوري وغيره من النزاعات في المنطقة”. وندّد أيضاً بـ”أيّ تحرّكات للمقاتلين أو نقل للعتاد الحربي عبر الحدود اللبنانية – السورية”.

للمرّة الأولى منذ عقود، يتحقّق شعار “شعب واحد في بلديْن”، الذي أطلقه الصحافي والسياسي السوري نجيب الريّس في بداية الأربعينيّات من القرن الماضي عندما كان لبنان وسوريا على وشك نيل الاستقلال عن فرنسا. وتشير في هذا السياق عالية منصور، في مقال لها في مجلّة “المجلّة” قبل نحو عام: “يظنّ الكثيرون أنّ صاحبه (الشعار) هو رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد، فيما هو في الحقيقة لنجيب الريس… يكره اللبنانيون هذا الشعار. يذكِّرهم بحقبة الاحتلال السوري وهيمنة حافظ الأسد، ومن بعده ابنه بشار، على لبنان، ومصادرتهما للحياة السياسية فيه بذريعة وحدة المسار والمصير”.

في واقع الحال، امّحت الفروقات بين لبنان وسوريا بصورة كاملة تقريباً. فها هم الناس في سوريا في قعر الجحيم يجاهرون، مثل أشقّائهم في لبنان، بالسؤال عن موعد عودة بلدهم إلى العالم العربي، التي يحول دونها نفوذ إيران المباشر في سوريا، تماماً كما يحول دونها نفوذها غير المباشر عبر “حزب الله” في لبنان.

إقرأ أيضاً: عون بين سليمين: جاهل وجريصاتي

وفي معلومات لـ”أساس” أنّ انفتاح دولة الإمارات العربية المتحدة الأخير على دمشق من خلال زيارة وزير خارجيّتها العاصمة السورية، رافقه سؤال طرحه الوزير عبد الله بن زايد آل نهيان على الرئيس الأسد: “كيف تتصوّرون أنّ بإمكاننا أن نساعد سوريا في الظروف الراهنة؟”. وبحسب هذه المعلومات، أجابه الأسد طالباً تقديم العون في مجال الكهرباء. عندئذ طرح المسؤول الإماراتي فكرة إنشاء معمل لإنتاج الكهرباء عبر الطاقة الشمسية في حمص بكلفة تبلغ بضع مئات الملايين من الدولارات. لكنّ موعد إنجاز هذا المشروع غير محدّد، وربّما سيكون في سياق مرحلة معقّدة يُنتظر فيها تمييز الخيط الأبيض من الخيط الأسود في واقع سوريا وإمكانية خروجها من فلك النفوذ الإيراني.

أمّا في لبنان فستكون زيارة وزير الخارجية القطري المرتقبة لبيروت، كما وعد الأمير تميم بن حمد آل ثاني زائره اللبناني، هي أيضاً في دائرة الامتحان لقدرة لبنان على الخروج من الشرنقة الإيرانية إلى المساحة العربية الواسعة.

مواضيع ذات صلة

الجماعة الإسلامية: انقلاب يقوده الأيّوبيّ ومشعل

إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في “الجماعة الإسلامية”، فعليك أن تعرف ماذا يجري في حركة حماس،  وعلاقة الفرع اللبناني بالتحوّلات التي تشهدها حركة حماس……

لا تعهّد إسرائيليّاً بالانسحاب

قابل مسؤولون إسرائيليون الشكاوى اللبنانية من الخروقات المتمادية لقرار وقف إطلاق النار، بسرديّة مُضلّلة حول “الانتشار البطيء للجيش اللبناني في جنوب الليطاني، بشكل مغاير لما…

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…