شاءت الأقدار أن جرى لقاء في معراب في 12 الجاري بين رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع وبين وفد صغير من العاملين في المجتمع المدني، بينهم كاتب هذه السطور. وقد جاء هذا اللقاء قبل يومين من أحداث الطيونة ومتفرّعاتها، التي باتت تحمل صفة “الخميس الدامي”، أي في 14 تشرين الأول الحالي. ولأنّ “الضرورات تبيح المحظورات،” كما هو شائع أحياناً، فإنّ مبدأ “المجالس بالأمانات” يمكن وضعه جانباً في ظروف كتلك التي يمرّ بها لبنان.
شاءت الأقدار ان يكون هناك لقاء في معراب في 12 الجاري بين رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع وبين وفد صغير من العاملين في المجتمع المدني بينهم كاتب هذه السطور
قبل الدخول في صلب الموضوع، لا بدّ من إيراد هذه الواقعة من الحوار. فعندما طرح أحد أعضاء الوفد موضوع الأمن الاجتماعي الذي يتعرّض حالياً لأفدح الأخطار، مقترحاً أن يتمّ اللجوء إلى ما يشبه تجربة الإدارة المدنية التي عرفها لبنان إبّان الحرب التي اندلعت عام 1975، مع الأخذ بعين الاعتبار واقع الأمور التي يمكن أن توفّر ممرّاً، ومن ذلك اللجوء إلى مبدأ “اللامركزية الإدارية” التي نصّت عليها وثيقة الوفاق الوطني، ردّ جعجع بصورة حازمة قائلاً: “أي خطوة يمكن أن توحي بأنّها تتمّ خارج الدولة قد تؤدّي إلى غير المرجوّ منها. لذا لا بد من البقاء ضمن الأطر التي تؤكّد وحدانيّة الدولة وسلطتها”.
وتطوّر الحوار في اللقاء ليصل إلى ملف القضاء وتداعيات العمل الذي يقوم به المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار، فاستغرب الدكتور جعجع هذا “التسابق على رفض استدعاءات المحقّق العدلي”. فجاء هذا الردّ: “بصراحة، إنّ رئيس حزب القوات اللبنانية هو اليوم على طرف نقيض مع إجماع الطائفة السنّيّة التي ترفض مبدأ الكيل بمكيالين الذي ينتهجه المحقّق العدلي في تصدير الاستدعاءات. فهناك دعوة من أعلى مراجع هذه الطائفة إلى رفع الحصانات عن كل المسؤولين إذا كان الهدف من وراء التحقيق الوصول إلى حقيقة الانفجار في مرفأ بيروت”. فأجاب جعجع أنّ القوات ماضية بدورها إلى “طلب رفع كلّ الحصانات”.
وسأله كاتب هذه السطور: مَن يقارن بين ما كانت عليه القوات اللبنانية من علاقة متينة مع السنّة وما أصبحت عليه لا بدّ أن يرسم أكثر من علامة استفهام؟ وإنّ ما كتبه ولا يزال يكتبه الدكتور رضوان السيّد يحمل شرحاً كافياً لِما آلت إليه هذه العلاقة، فيتدخّل جعجع مقاطعاً: “هل تقصد ما يكتبه في موقع أساس؟”، ثمّ كان السؤال: متى سنشاهد وفداً من القوات اللبنانية في دار الفتوى من أجل تأكيد وحدة المسار الوطني، فأجاب: “لم أكن يوماً بعيداً عن الدار”.
في حدود ما نرى من تواتر الاحداث، هناك خشية من ان يكون الارتياب الذي ما زال سائدا ضمن ما يفترض ان يكون فريقا واحدا في مواجهة الانتداب الإيراني على لبنان ممثلا بـ”حزب الله” سيكون منتهاه “أكلت يوم أكل الثور الأبيض!”
بعد يومين من هذا اللقاء، أي في 14 الجاري (قبل أن يتصاعد لهيب أحداث الطيونة)، زار وفد من تكتّل الجمهورية القوية، أي كتلة نواب القوات اللبنانية، دار الإفتاء. وبعيداً عن تأويل هذه الزيارة وربطها بالحوار المشار إليه آنفاً، من المفيد العودة إلى ما وزّعته الدار حول هذا اللقاء، وقد جاء في البيان: “استقبل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى وفداً من تكتل “الجمهورية القوية” موفداً من رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع برئاسة الوزير السابق غسان حاصباني، وضمّ النائبين جورج عقيص وعماد واكيم”.
وأفاد المكتب الإعلامي في دار الفتوى أنّ مفتي الجمهورية أكّد أمام الوفد موقفه الثابت والحازم في جريمة تفجير مرفأ بيروت، برفع الحصانات عن الجميع من دون استثناء… وأسف المفتي دريان لعدم الاستجابة للنداءات المتكرّرة والمتعدّدة من دار الفتوى ورؤساء الحكومات السابقين والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى وغيرهم من المسؤولين لإحالة هذه القضية والمأساة الإنسانية على التحقيق الدولي للخروج من هذا المأزق وتحقيق العدالة وإنصاف المظلومين. أمّا الوزير السابق حاصباني فقال بعد اللقاء: “أتينا موفدين من رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع لزيارة سماحته، ناقلين له التحيّة والتقدير لحكمته ودوره الوطني في كل الظروف، خاصة في هذه الظروف الدقيقة التي يمرّ بها لبنان اليوم… أكّدنا في زيارتنا اليوم أنّ جريمة المرفأ على حجمها ووقعها والضرر الذي ألحقته ببيروت ولبنان وطال كل اللبنانيين … إنّ استقلالية القضاء تُجرّب مرّة أخرى، والعدالة توضع في غرفة الانتظار قبل أن تدخل غرفة العناية الفائقة”.
هذا ما حدث في الخميس الماضي. وكتب رضوان السيد في “أساس” في 26 الجاري: “إنّ ما حدث في الطيّونة وعين الرمّانة كان دفاعاً عن النفس والكرامة وأمن المواطنين وحياتهم وممتلكاتهم، وهذا يعني استطراداً اعتبار موقف الدكتور سمير جعجع سليماً مسيحيّاً ووطنيّاً، ولذا كان استنكار استدعاء جعجع إلى التحقيق…”، لكنّه في مكان آخر من المقال يقول: “إنّ نصر الله ليس أقلّ أصالةً لدى الشيعة من جعجع لدى المسيحيّين. الراديكاليّتان المسيحيّة والشيعيّة عاملان حاضران دائماً في الداخل وفي العلاقة بالخارج. وتنبعث القوّة في إحداهما على وقع صعود الراديكاليّة الأخرى. وكلّ مَن يريد السلم الأهليّ ينبغي أن يخشاهما معاً”.
إقرأ أيضاً: تغيّر المسيحيّون.. فهل يتغيّر لبنان؟
ليس وارداً في هذا المقال سبر أغوار ما يفكّر فيه جعجع، أو ما هي معطيات رضوان السيّد. لكن في حدود ما نرى من تواتر الأحداث، فهناك خشية من أن يكون الارتياب الذي ما زال سائداً ضمن ما يفترض أن يكون فريقاً واحداً في مواجهة الانتداب الإيراني على لبنان ممثّلاً بـ”حزب الله” سيكون منتهاه “أُكِلتُ يوم أُكِل الثور الأبيض!”.