تجريف السُنّة

استحكمت حلقات معضلة السياسة في لبنان وانطفأ أي بصيص للضوء في نفق الحل المعتم بسبب فقدان الكهرباء والمازوت والضمير الوطني!

ضاقت المعضلة بشكل مخيف غير مسبوق في تاريخ لبنان المئوي الحديث، بحيث أصبح يعاني من ٣ قواعد قاتلة للحل، محبطة للأمل وهي:

1- استحالة صيغة التعايش التي أُسس عليها لبنان الحديث.

2- رغم استحالة التعايش، فإنّ البيئة الخارجية غير مستعدة للمضي في التقسيم الآن.

3- لا توجد قوى وحيدة متفردة في إنقاذ البلاد والعباد، ولا تستطيع – نظرياً – في حال حدوث معجزة وحدوث اتفاق كامل بين كل الفرقاء على تحقيق هذا الاتفاق.

ذلك يعني انه لا فريق وحده قادراً، ولا حتى كل الفرقاء الآن لديهم القدرة، حتى لو كانت لديهم الرغبة على إنقاذ لبنان المحتضر.

من يعتقد أنّ ما نشهده هو خلاف محلي، أو صراع داخلي لبناني يلقي بظلاله على القوى المتحالفة مع “القوات” أو “حزب الله”، بل هو صراع إقليمي بامتياز تتم ممارسته على ساحة الأراضي اللبنانية ويدفع ثمنه الشعب اللبناني الصبور

باختصار، لقد دخل جسد الاقتصاد اللبناني مرحلة الموت الأكلينيكي، بعد أن تآمر عليه من عُهد إليهم بمهمة علاجه وإعادته للحياة.

لذلك، لم يعد السؤال هل يمكن إنقاذ المريض، ولكن متى تعلن الوفاة؟

المأساة الحالية أن كل طرف لديه رؤيته الخاصة به المناقضة تماماً في المبررات والتفاصيل والنتائج لرؤية خصمه السياسي.

في لبنان المعاصر لا أحد يخطئ، وبالتالي لا أحد يتحمّل المسؤولية، ولا أحد يقدر أو على استعداد أن يدفع الثمن السياسي.

تأملوا ملفات: البنوك، الكهرباء، الليرة، تعطيل الحكومة، تحقيق المرفأ، القاضي بيطار، ما حدث في عين الرمانة والطيونة والحدث، كل طرف يمتلك وحده دون سواه الصواب المطلق، والطرف الآخر هو المخطئ الكامل والمسؤول الوحيد، والجاني الأعظم.

الآن استفحل الصراع وطفت على السطح مدرستان طائفيتان: الأولى مدرسة المسيحية المارونية ذات المرجعية الڤاتيكانية ولديها داعم إقليمي – خليجي، وخطوط اتصال أميركية – فرنسية.

المدرسة الثانية شيعية سياسية مرجعيتها “قم” وداعمها الإقليمي هو طهران، والنظام الامني السوري، وقوى ميليشيات الحشد الشعبي، والحرس الثوري، والحوثيون، وحماس، والجهاد الإسلامي.

ويخطئ تماماً من يعتقد أنّ ما نشهده هو خلاف محلي، أو صراع داخلي لبناني يلقي بظلاله على القوى المتحالفة مع “القوات” أو “حزب الله”، بل هو صراع إقليمي بامتياز تتم ممارسته على ساحة الأراضي اللبنانية ويدفع ثمنه الشعب اللبناني الصبور.

إنها حالة إعلان وفاة “شراكة العيش المشترك” في لبنان، وكأنها شركة تجارية، حان الوقت بعدما توفرت لها كل عناصر الفشل الإداري، والخسائر المالية غير القابلة للتعويض، وعدم رغبة أي من المؤسّسين عمل أي جهد لإنقاذها، أن تعلن إفلاسها

وإذا رأينا الصراع على هذه الرؤية البائسة فإن المحصلة النهائية ستكون:

1- لا حل في لبنان قبل الاتفاق الإيراني – الأميركي الذي سيؤدي بالتبعية الى حوار إيراني – سعودي.

2- استمرار المعاناة غير الإنسانية للشعب اللبناني، وعدم وجود إمكانيات لحل شامل لانهيارات الاقتصاد والدولة والمجتمع.

3- أكثر من سيدفع ثمن صراع “القوات” – “حزب الله” هو سُنّة لبنان الذين يعانون من عملية “تجريف سياسي ممنهجة” لوجودهم السياسي وسلطاتهم التعددية في معادلة الحكم.

4- تلاشي دور حركة الشارع المدني في لبنان بحكم اليأس، واستحالة الحياة اليومية والرغبة القصوى في الهجرة.

باختصار، لا حل عند “القوات” ولا تعايش ممكناً مع “حزب الله”، ولا إمكانية لإنقاذ الاقتصاد، ولا رغبة لدى العالم في مساعدة لبنان إلاّ لكونها مسألة إنسانية فقط، بعدما يأس الجميع من حجم الفساد السياسي، وحجم الجنون المدمر لدى العقل الطائفي الحاكم للبنان.

إنها حالة إعلان وفاة “شراكة العيش المشترك” في لبنان، وكأنها شركة تجارية، حان الوقت بعدما توفرت لها كل عناصر الفشل الإداري، والخسائر المالية غير القابلة للتعويض، وعدم رغبة أي من المؤسّسين عمل أي جهد لإنقاذها، أن تعلن إفلاسها.

إقرأ أيضاً: الحزب خسر المسيحيين… بعد السنّة

أزمة “شراكة الطوائف في لبنان” الآن أنها وصلت إلى حالة إعلان الإفلاس، ولكن لا أحد يعرف كيف يقوم بتصفيتها؟!.

*المصدر: الشرق

مواضيع ذات صلة

هكذا وصلت إسرائيل إلى “البايجرز” واللاسلكيّ

في 7 أيلول الجاري، كان قائد “المنطقة الوسطى” في الجيش الأميركي الجنرال إريك كوريللا في إسرائيل. في اليوم التالي، تمّت عملية مصياف. أكبر عملية إسرائيلية…

من يملك شجاعة الاعتراف “بالهزيمة” التقنيّة؟

.. علينا جميعاً وفي مقدَّمنا الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أن نمتلك الشجاعة والجسارة للقول إنّ العدوّ الإسرائيلي هزمنا تقنياً ويتفوّق علينا في…

المرشد في استحضار التّاريخ دون المستقبل

“غد بظهر الغيب واليوم لي     وكم يخيب الظنّ بالمقبل ولست بالغافل حتى أرى         جمال دنياي ولا أجتلي لبست ثوب العيش لم أستشِر    وحرت فيه بين…

لبنان… الرأي قبل شجاعة الشجعان

لم يكد دخان ونار التفجيرات الصغيرة في أجهزة النداء القديمة، المعروفة باسم “بيجر” يهدآن، حتى اندلعت موجة نارية جديدة، مستهدفة هذه المرة أجهزة الجوال، وغيرها…