أوصتني أم زهير يوم الإثنين أن أعود إلى البيت باكراً، وأن أحضر لها “المشبّك والعوّامات” لمناسبة مولد أشرف المرسلين سيّدنا محمّد صلوات الله عليه. قالت لي صباحاً قبل أن أخرج من المنزل: “رجاع بكير قبل خطاب السيّد. جيب المشبّكات ودغري لهون… بدهم يقوصوله”.
أمّ زهير حريصة على سلامتي (الله يرضى عليها)، وأنا رجل مطيع حبيب الله، لا أخالف لها كلمة، وهكذا فعلت. أحضرت لها الحلويات الإسلامية (نصف كيلو بس، لأنو صار غالي كتير)، وعدت إلى المنزل سريعاً قبل إطلاق الرصاص… مدري غيظاً ممّا آلت إليه أحداث عين الرمّانة قبل أيّام، مدري ابتهاجاً بإطلالة السيّد، وحبّاً وقرباناً من رسول الله.
100 ألف مقاتل مجهّزون بالسلاح؟ هل يدرك السيّد معنى هذا العدد فعلاً؟ فدولة أستراليا التي هي بحجم قارّة منفردة في أسفل هذا الكوكب لا تمتلك أكثر من 58 ألف مقاتل في الخدمة
دخلت المنزل، فرأيت أمّ الزوز متسمّرة أمام شاشة “المنار”، فسألتها: “ليش المنار مش الجديد؟ شو عدا ممّا بدا؟”. فقالت لي: “الجديد ما عم تنقل الخطابات كاملة… عم يقطشوها. بعدين إيه المنار… وين المشكلة؟ هلّق أمورنا مع الحزب تمام”، فقلت في سرّيّ: “سبحان الله ربّي مغيِّر الأحوال ومُقلِّب القلوب”.
جلسنا وانتظرنا أن نسمع شيئاً عن قصص النبي وسيرته العَطِرة، وإذ بنا نُفاجَأ بخطابٍ هادىء لكن تهديديّ، احتلّ رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع جزءاً واسعاً من مساحته، فيما الجزء الآخر خصّصه السيّد للحديث عن مقاتليه الـ100 ألف، الذين يسهرون على حمايتنا وعلى حماية لبنان من الحرب الأهليّة!
نعم يا أحبّتي في الله، إنّها معجزة، ولكم الحقّ أن تتعجّبوا. “حزب الله” يكدِّس المقاتلين والسلاح والصواريخ والمسيَّرات ليمنع الحرب الأهلية. هي معادلة غريبة، لكنّها معادلة لوذعيّة رسمها السيّد بعناية، ليقول إنّ حماية لبنان تكون بتغليب منطق القوّة عند طرف دون الأطراف الأخرى، وليس بمنع السلاح من يد الجميع.
الحزب يطبّق المثل الشعبي المصري القائل: “7 صنايع… والبخت ضايع”، لكن بفارق بسيط، وهو أنّ “الضائع” عنده ليس البَخت، وإنّما القدس التي يخبرنا بضرورة تحريرها كمقاومة، فيبحث عنها ويبحث ويبحث بعتاده وعديده ذي المئة ألف مقاتل
أخبرنا السيّد أيضاً أنّه قادر على الانتصار في أيّ معركة سخيفة مثل معركة “عين الرمّانة – الشيّاح”، وفي ساعات قليلة، لكن “ما إلو خلق”، أو ربّما قتال الأزقّة والزنقات (على رأي ملك الملوك معمّر القذّافي) ما عاد يستهوي حزبه، فالحزب “مش أيّ كلام” في هذا المشرق، وإنّما جيش متخصّص له باع طويل في القتال، وله أيضاً أكثر من “صَنعة” وتخصّص offshore، ويمتهن القتال خارج الحدود فقط.
من مهامّه الشرعية والتكليفية، مثلاً، أن يحافظ على النظام في سوريا في مواجهة الإرهاب التكفيري، وأن يساند جماعة الحوثي في مأرب باليمن قبل كلّ جولة مفاوضات سعودية – إيرانية، وأن يتحدّى منطق الدولة في العراق بواسطة ميليشيات “الحشد الشعبي” وكُتَله النيابيّة الخاسرة من أجل قلب نتيجة الانتخابات، ثمّ في أوقات الفراغ بين الوقت والآخر، ينشط الحزب في كار الغناء، فيغنّي للخلايا المنتشرة في دول الخليج حتى تنام OH OH، فتتحوّل إلى خلايا نايمة.
الحزب يطبّق المثل الشعبي المصري القائل: “7 صنايع… والبخت ضايع”، لكن بفارق بسيط، وهو أنّ “الضائع” عنده ليس البَخت، وإنّما القدس التي يخبرنا بضرورة تحريرها كمقاومة، فيبحث عنها ويبحث ويبحث بعتاده وعديده ذي المئة ألف مقاتل في كلّ معاركه في دمشق وحلب وحمص ودرعا، وصولاً إلى دير الزور والموصل والمنامة، ولم يجدها!
للوهلة الأولى عندما سمعت رقم 100 ألف، حدّقت في إبريق الشاي المزروع قربي على الطاولة لأتأكّد من أنّ ما شربته هو فعلاً شاي سيلانيّ من الباب الثالث (الشاي بدوره بات غالياً أيضاً) وليس مشروباً روحياً اسكتلانديّاً مضروباً.
إقرأ أيضاً: خاصّ أساس: 300 ألف مقاتل… وليس 100 ألف
100 ألف مقاتل مجهّزون بالسلاح؟ هل يدرك السيّد معنى هذا العدد فعلاً؟ فدولة أستراليا التي هي بحجم قارّة منفردة في أسفل هذا الكوكب لا تمتلك أكثر من 58 ألف مقاتل في الخدمة. حتى كندا صاحبة ثاني أكبر مساحة بين الدول في العالم لديها 67 ألفاً. بل أكثر من ذلك، إذا صحّ كلام السيّد، فإنّ عديد الحزب يمثّل 65% من الجيش الإنكليزي صاحب حقّ النقض (الفيتو)!… وكل هذا لحماية البلد من الحرب الأهليّة؟
سيبك من “القوات اللبنانية” وعين الرمّانة يا سيّد. فلنهجم على إسرائيل ونحرّر القدس اليوم اليوم وليس غداً، ولنطالب بمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي… اتّكل على الله.
*هذا المقال من نسج خيال الكاتب