هل عودة اللاجئين السوريّين من لبنان إلى بلادهم طوعيّة حقّاً؟

مدة القراءة 9 د

بفارغ الصبر ينتظر عبد الرحمن (31 عاماً)، وهو مواطن سوري ينحدر من مدينة إدلب ويعيش في منطقة الرميلة قرب بيروت بعدما لجأ إلى لبنان منذ آذار 2014، معلومات منذ سنة ونصف سنة عن شقيقه الأكبر زياد.

ظلّ عبد الرحمن وشقيقه يعملان في زراعة الخضراوات إلى أن أعلنت المديرية العامّة للأمن العامّ اللبناني السنة الماضية عن إجراء تسوية لأوضاع السوريين المخالفين لنظام الإقامة، الراغبين بالعودة إلى سوريا، بشرط أن يكونوا قد دخلوا بعد الخامس من كانون الثاني عام 2015.

شكَّل وجود اللاجئين السوريين في لبنان عبئاً ثقيلاً على الخدمات الأساسية والبنية التحتية في لبنان، فما كان من الحكومة اللبنانية إلا أن وضعت سياسات مقيِّدة كان لها تأثير سلبيّ على حقوق اللاجئين، وشملت تقييد العمل وحصره في ثلاثة قطاعات فقط، وهي الزراعة والبناء والنظافة

استجاب الشقيق الأكبر زياد لدعوة المديرية العامّة للأمن العامّ اللبناني وغادر الأراضي اللبنانية إلى سوريا منذ نهاية شهر نيسان العام الماضي.

يتذكّر عبد الرحمن اليوم الأوّل لدخول أخيه الأراضي السورية، ويقول في حديث مع “أساس” إنّه “لم تمضِ ساعة على دخول أخي زياد الأراضي السورية حتى فقدنا الاتصال به بشكل كامل. علمنا لاحقاً باعتقاله عند أحد حواجز الفرقة الرابعة، ولا نعرف مصيره إلى اليوم”.

ويضيف أنّ “العودة الطوعيّة إلى سوريا مستحيلة حالياً في ظلّ استمرار حكم بشار الأسد وسيطرة نظامه على البلاد، فليس من شخص محميّ من الملاحقة أو القتل أو الاختطاف”.

يتقاطع كلام الشاب مع تقارير حقوقية. إذ وثّقت “هيومن رايتس ووتش” لسنوات أنماطاً مستشرية من الاحتجاز التعسّفي والتعذيب والوفيات في عهدة النظام السوري.

ويقول حقوقيّون إنّ اللاجئين السوريّين الذين يعودون إلى مناطقهم الأصلية، غالبيتهم تمّ اعتقالهم، ويخضع الناجون منهم لإجراءات استجواب لأشهر وسنوات من قبل قوات الأمن السورية، المسؤولة عن ارتكاب انتهاكات ممنهجة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان، تُشكّل جرائم ضد الإنسانية، ومن بينها استخدام التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري.

منذ آذار 2011، فرَّ ملايين الأشخاص من سوريا بحثاً عن ملجأ، إمّا في مختلف أنحاء البلاد، أو في البلدان المجاورة، ومنها لبنان. وقد فرَّ هؤلاء إثر سنوات من العنف الذي لا يُحتمَل، والذي أسفر عن تدمير مدن وبلدات ووسائل عيش بكاملها، وعن قتل وجرح مئات الآلاف من المدنيين

فلماذا يعود اللاجئون إلى سوريا؟

منذ آذار 2011، فرَّ ملايين الأشخاص من سوريا بحثاً عن ملجأ، إمّا في مختلف أنحاء البلاد، أو في البلدان المجاورة، ومنها لبنان. وقد فرَّ هؤلاء إثر سنوات من العنف الذي لا يُحتمَل، والذي أسفر عن تدمير مدن وبلدات ووسائل عيش بكاملها، وعن قتل وجرح مئات الآلاف من المدنيين.

وقد شكَّل وجود اللاجئين السوريين في لبنان عبئاً ثقيلاً على الخدمات الأساسية والبنية التحتية في لبنان، فما كان من الحكومة اللبنانية إلا أن وضعت سياسات مقيِّدة كان لها تأثير سلبيّ على حقوق اللاجئين، وشملت تقييد العمل وحصره في ثلاثة قطاعات فقط، وهي الزراعة والبناء والنظافة.

جعلت هذه التقييدات اللاجئين السوريّين في لبنان يعيشون ظروفاً صعبة، إضافة إلى الأوضاع الإنسانية المزرية بسبب عدم كفاية التمويل، وإلى السياسات الحكومية وتزايد التوتّر السياسي، اللذين فاقما من أوضاعهم المنهارة أصلاً.

وخلال السنوات الماضية، دعت شخصيات سياسية لبنانية بارزة تنتمي إلى أحزاب سياسية مختلفة، علناً، إلى العودة الفوريّة لجميع اللاجئين إلى سوريا، وأنحتْ باللائمة على اللاجئين محمّلةً إيّاهم أسباب تدهور الأوضاع الأمنيّة والاقتصادية في البلاد. ونتيجةً لتلك البيئة الرافضة لوجودهم، واجه العديد من اللاجئين تحدّيات عدّة دفعت عشرات الآلاف، ومنهم الشابّ زياد، إلى العودة إلى البلاد التي تُحكَم بالحديد والنار.

عناصر من المديريّة العامّة للأمن العامّ في لبنان يشرفون على عودة لاجئين سوريّين إلى سوريا.

هل العودة طوعيّة حقّاً؟

تحذّر منظّمات إنسانية وأممية عالمية بشكل متواصل اللاجئين من العودة إلى سوريا. وتدعو الحكومة اللبنانية إلى عدم إعادة اللاجئين السوريين. إلا أنّه في تمّوز 2018، أعلنت الحكومة اللبنانية أنّها ستقوم بتسهيل عودة اللاجئين إلى سوريا بموجب اتفاق مع الحكومة السورية ونتيجةً لتخفيف القيود الإداريّة وتيسير وتنظيم العودة.

توضح أرقام المديريّة العامّة للأمن العامّ اللبناني أنّ عدد النازحين السوريين (المسجّلين أو غير المسجّلين بصفة نازح، أو الذين عادوا بشكل فردي أو بواسطة رحلات العودة الطوعيّة المنظّمة) الذين غادروا الأراضي اللبنانية إلى سوريا بلغ 341 ألفاً و873، منذ 30 من تشرين الثاني 2017 حتّى نهاية كانون الأول 2019.

يتحسّر عبد الرحمن على مصير العائدين إلى سوريا بالقول إنّ الآلاف من الذين عادوا إلى سوريا من لبنان وغيره، باتوا معتقلين في سجون الأسد، وإنّ السوريين الذين لا يُعتقلون على الحواجز الأمنيّة والعسكرية يُقتلون بالقصف داخل البلاد أو يواجهون موتاً ثانياً بلقمة عيشهم، في إشارة منه إلى تدهور الأوضاع المعيشية في سوريا.

ويختم الشاب حديثه بالقول: “السياسات الجائرة للحكومة اللبنانية تجاه السوريين مثّلت عاملاً أساسيّاً في اتّخاذ القرار المتعلّق بمغادرة البلاد من قبل أخي والكثير مثله… أمّا أنا فإنّ الشرط الأوّل لعودتي من لبنان إلى سوريا هو رحيل رمز النظام بشار الأسد ومحاكمته ولا شيء سواه”.

ليست الظروف الصعبة، التي تدفع السوريين إلى العودة الطوعيّة، هي الهاجس الوحيد. ففي نهاية شهر آب الماضي، اعتقلت السلطات اللبنانية ستّة لاجئين سوريّين كانوا في طريقهم إلى تسلّم جوازات سفرهم من السفارة السورية في بيروت، تنفيذاً لقرار مجلس الدفاع الأعلى الصادر بتاريخ 15 نيسان 2019، والقاضي بترحيل السوريين الذين دخلوا إلى لبنان بطريقة غير قانونية إلى بلادهم بعد نيسان 2019.

وقالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، إنّه “يجب على المديريّة العامّة للأمن العامّ في لبنان ضمان عدم إعادة هؤلاء الرجال قسراً إلى سوريا، لأنّ الإقدام على ذلك يمكن أن يُعرِّض حياتهم للخطر، فالاعتقال التعسّفي والإخفاء القسري والتعذيب لا تزال متفشّيةً في سوريا، وقد اشتدّت حدّة العمليّات العدائيّة المسلّحة في بعض أرجاء البلاد على نحو ملموس في الأشهر الأخيرة. وليس من جزء في سوريا آمن لعمليات الإعادة، وتتعيّن حماية هؤلاء الرجال”.

وبموجب القانون الدولي، يعني حظر الإعادة القسرية أنّه لا يجوز إعادة أيّ شخص إلى بلد يتعرّض فيه لخطر فعليّ عبر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وقد يشكّل ترحيل هؤلاء الرجال انتهاكاً خطيراً للالتزامات الدولية للبنان، ومن ضمنها “اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب”. وبدلاً من ذلك، ينبغي على المسؤولين اللبنانيين الإفراج عنهم أو توجيه تهم إليهم بارتكاب جرم معترف به، بحسب معلوف.

أُجبرنا على توقيع وثائق تُفيد بالعودة طوعيّاً

يتخوّف الشبّان السوريّون، الذين يقيمون في لبنان وتواصل معهم “أساس”، من العودة إلى سوريا أو إجبارهم على توقيع وثيقة عودة طوعيّة (العودة قسراً)، ومن أن ينتهي بهم المطاف مجنّدين على خطوط الجبهات للقتال.

وأكّدت السلطات اللبنانية في السابق التزامها عدم إعادة أيّ سوري قسراً إلى سوريا. لكنّ المسؤولين يدعون بشكل متزايد إلى عودة السوريين إلى وطنهم.

أتت مخاوف السوريين بعدما قالت “هيومن رايتس ووتش” و”المركز اللبناني لحقوق الإنسان” إنّ لبنان رحّل بإجراءات موجزة 16 سوريّاً على الأقل، بعضهم مسجّلون كلاجئين، عند وصولهم إلى مطار بيروت في 26 نيسان 2019. خمسة منهم، على الأقلّ، مسجّلون لدى “مفوّضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” (المفوضيّة)، في حين أعرب 13 منهم، على الأقلّ، عن خوفهم من التعذيب والملاحقة في حال إعادتهم إلى سوريا. مع ذلك، لم يُمنَح السوريّون أيّ فرصة فعليّة لطلب اللجوء أو الاعتراض على ترحيلهم، بل أُجبروا على توقيع استمارات “عودة طوعيّة إلى الوطن”.

قالت منظّمات غير حكومية تعمل مع اللاجئين في لبنان إنّ “مديريّة الأمن العامّ”، الجهاز المشرف على دخول الأجانب إلى لبنان وخروجهم منه، رحّلت 30 سوريّاً على الأقلّ من مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت ذلك العام.

ودعت لمى فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط بالإنابة في “هيومن رايتس ووتش”ـ “السلطات اللبنانية إلى عدم ترحيل أيّ شخص إلى سوريا من دون أن تتيح له أوّلاً فرصة عادلة للدفاع لإثبات حاجته إلى الحماية، وضمان عدم تعرّضه لخطر فعليّ بسبب الاضطهاد أو التعذيب أو غيرهما من ضروب الأذى الجسيمة. ولا يزال الخطاب المتشدّد، الذي يدعو السوريين إلى العودة إلى وطنهم، وعمليات العودة “الطوعيّة” القسريّة مستمرّين،  مع أنّ خطر تعرّض اللاجئين العائدين إلى سوريا للأذى قائم وكبير”.

وبحسب منظّمات حقوقيّة، من بينها “هيومن رايتس ووتش”، فإنّ لبنان، بصفته طرفاً في “اتفاقية مناهضة التعذيب”، مُلزمٌ بألّا يعيد أو يسلّم أيّ شخص في حال وجود أسباب وجيهة تشير إلى أنّه قد يواجه خطر التعرّض للتعذيب. ولبنان ملزم أيضاً وفق مبدأ القانون الدوليّ العُرفي المتعلّق بعدم الإعادة القسريّة. والأخير يمنع إعادة الأشخاص إلى أماكن قد يتعرّضون فيها للاضطهاد، ويمنع تعريض أيّ شخص لخطر حقيقي بسبب التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو تعريض حياته للخطر.

واستقبل لبنان، منذ بدء الثورة السورية عام 2011، نحو مليون ونصف مليون سوريّ، بحسب الأرقام الحكومية، منهم حوالي 851 ألف سوريّ في لبنان، مسجّلون رسميّاً لدى مفوضيّة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

إقرأ أيضاً: فورين بوليسي: أوروبا خائفة على نفسها… من لبنان

وأصدرت “هيومان رايتس ووتش” تقريرها الموسّع بعنوان “حياة أشبه بالموت”، الذي استغرق العمل عليه أشهراً طويلة، وتحدّث بشكل أساسي عن اللاجئين العائدين من لبنان والأردن، وهؤلاء يشكّلون الغالبية العظمى من اللاجئين العائدين إلى سوريا. وأشار التقرير إلى السياسات التي اتّبعتها الحكومة اللبنانية، والتي تهدف إلى إجبار اللاجئين السوريين على المغادرة.

وأكّد التقرير تعرّض جميع مَن تمّت مقابلتهم (65 لاجئاً عادوا إلى سوريا) لشكل أو أكثر من الانتهاكات الفظيعة، من بينها القتل، الإخفاء القسري، التعذيب، والعنف الجنسيّ.

ملاحظة: سيعمل “أساس” غداً على استيضاح التفاصيل من الجانب اللبناني، وتحديداً من المديرية العامة للأمن العام.

مواضيع ذات صلة

تشدّد الرّياض: عودة عربيّة إلى نظام إقليميّ جديد؟

توحي نتائج القمّة العربية – الإسلامية بأوجه متعدّدة لوظيفة قراراتها، ولا تقتصر على محاولة فرملة اندفاعة إسرائيل العسكرية في المنطقة. صحيح أنّ القمّة شكّلت حاضنة…

الحرب الأهلية: هواجس إيقاظها بصورٍ كريهة

 اللغو اللبناني حول حظوظ البلد بارتياد آفاق حرب أهلية جديدة، ارتفع. قد يكون هذا الارتفاع على وسائل التواصل الاجتماعي سببه “شامت” بالوضع أو رافض لـ”الرفق”….

الرياض: حدثان اثنان لحلّ لبنانيّ جذريّ

في الأيّام القليلة الماضية، كانت مدينة الرياض مسرحاً لبحث جدّي وعميق وجذري لحلّ أزمات لبنان الأكثر جوهرية، من دون علمه، ولا علم الباحثين. قسمٌ منه…

الحزب بعد الحرب: قليل من “العسكرة” وكثير من السياسة

هل انتهى الحزب؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هو شكل اليوم التالي؟ وما هي الآثار السياسية المباشرة لهذه المقولة، وكذلك على المدى المنظور؟ وما هو…