في خضمّ الأزمات الاقتصاديّة والسياسيّة التي يواجهها لبنان، باتَ هذا البلد يشكّل التحدّي الأكبر بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، الذي يخشى بروز أزمة لاجئين مستجدّة.
تتمثّل المشكلة الرئيسية بالنسبة إلى أوروبا في أنّ احتمال انهيار الدولة اللبنانيّة يزداد كلّما طال أمد الأزمة السياسية، ومعها الأزمتان الاقتصادية والأمنيّة. ولهذه المشكلة تداعيات كثيرة على أوروبا.
فلبنان يستقبل حوالي 1.5 مليون لاجئ سوري، بالإضافة إلى 500 ألف لاجئ فرّوا إلى لبنان من صراعات أخرى، معظمهم من الفلسطينيّين. وفي هذا الإطار، مرّ لبنان في مرحلة طبعَها الاستقرار النسبيّ عندما كانت الحرب السورية في أسوأ مراحلها، لكنّ الأزمتين السياسية والاقتصادية أدّتا إلى وقوع خسائر كبيرة، وأثّرتا على اللاجئين، وبدا ذلك واضحاً من خلال نتائج دراسة للأمم المتّحدة أظهرت أنّ 90% من اللاجئين في لبنان يعيشون في فقر مدقع. وكلّ ما سبق يُمكن أن يمهّد للهجرة إلى أوروبا.
اعتبر البنك الدولي أنّ لبنان يمرّ بـ”واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية منذ منتصف القرن التاسع عشر، وسكّانه يغرقون تحت خطّ الفقر مع ارتفاع تكاليف المعيشة”
كانت هذه المخاوف محور مقال أعدّه الباحثان والكاتبان فيصل عيتاني وعازم إبراهيم في مجلّة “فورين بوليسي”. فقد ذكّرا بتعهّد البرلمان الأوروبي فرض عقوبات على سياسيين لبنانيين في حال فشلت الحكومة الجديدة. وفيما يعيش لبنان مرحلة توصف بـ”الكارثة الاقتصاديّة”، وصولاً إلى تجدّد جولة العنف، يمكن أن يجد الاتحاد الأوروبي نفسه يلعب دوراً حاسماً، ولا سيّما أنّ لبنان يقع في محور تحدّيات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي الذي لديه مصلحة بأن يحافظ على الحكم الرشيد في هذا البلد الذي يُعتبر الأكثر تنوّعاً في منطقة الشرق الأوسط، لكنّه غير مستقرّ.
وسأل الكاتبان: “هل أوروبا قادرة على استقبال مليون لاجئ أو أكثر من جديد؟”، وأوضحا أنّ “الاتحاد يستطيع ذلك من الناحية الاقتصادية. لكن سياسياً، أثّر تدفّق اللاجئين، في عام 2015، على مسألة استقرار السياسات المحليّة والأوروبية بشكل كبير، إذ ساهمت تلك الموجة في زيادة دعم الأحزاب اليمينية المتطرّفة في القارّة الأوروبيّة، وتعريض النظام السياسي الديموقراطي الليبرالي للخطر”. إذاً ماذا سيحدث إذا لجأ مليون آخرون إلى الحدود الأوروبيّة؟
ذاكرة 2019
عاد الكاتبان بالذاكرة إلى عام 2019، عندما انطلقت الاحتجاجات الشعبيّة في لبنان، وتجاوزت الحدود الطائفية والسياسيّة، ووحّدت المواطنين معاً في الشوارع. لكنّ المحتجّين لم يحقّقوا هدفهم بإطاحة الطبقة السياسية في لبنان وإعادة رسم العقد الاجتماعي، لأنّهم افتقروا إلى قيادة سياسية متماسكة أو برنامج سياسي متكامل وموحّد. وعلى الرغم من تعاطف المواطنين الكبير مع مبادئ الثورة، إلا أنّ جزءاً كبيراً من اللبنانيّين لم يتخلَّ عن الأحزاب من أجل تلك الحركة المدنيّة.
بقيت الاحتجاجات في الشارع لأشهر، لكنّ لبنان وقع في أزمة ماليّة غذّتها أكثر جائحة “كوفيد 19″، ثمّ وقع الانفجار الذي هزّ مرفأ بيروت، وتبعته استقالة حكومة الرئيس حسان دياب إثر تزايد الغضب الشعبي من إهمال الحكومة الذي أدّى إلى وقوع تلك الكارثة في العاصمة اللبنانية. وتوالت المصائب التي حلّت على لبنان، فارتفعت حالات الإصابة بكورونا، وانهارت الليرة اللبنانية وتضخّمت الأسعار.
وقد اعتبر البنك الدولي أنّ لبنان يمرّ بـ”واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية منذ منتصف القرن التاسع عشر، وسكّانه يغرقون تحت خطّ الفقر مع ارتفاع تكاليف المعيشة”. في المقابل، لم يتمّ التسريع في تشكيل حكومة للتعامل مع هذه الحالة الطارئة، وبقيَ لبنان من دون حكومة حتى أيلول الفائت.
وعن قضية انفجار المرفأ، أشار الكاتبان إلى أنّ عدداً من اللبنانيين تشكّكوا في الفرضية الأولى التي انتشرت وتُفيد أنّ شحنة نيترات الأمونيوم كانت متوجّهة إلى مشترٍ في الموزمبيق، وفُرِّغت فقط لأنّ السفينة التي كانت تقلّها حُجِزت في بيروت لأسباب قانونية. أمّا الآن فتوجد بعض الشكوك في علاقة مُحتملة لـ”حزب الله” في شراء أو توزيع هذه الموادّ لاستخدامه الخاصّ أو لنقلها إلى النظام السوري، وهذه واحدة من الروايات المتداولة.
إقرأ أيضاً: صحف عالميّة: شبح الحرب عادَ إلى بيروت
في الختام، يبدو أنّ الاتحاد الأوروبي الذي يدرس العقوبات ضدّ السياسيين اللبنانيين، يُدرك الضغوط الكبيرة لاستضافة أعداد إضافية من اللاجئين. وفي حال رغبت أوروبا بأن يواصل لبنان استقبال اللاجئين، فالأَولى بها تقديم المساعدات التي يحتاج إليها.
والجدير بالإشارة أنّ الدول الأوروبية، وفي مقدّمها فرنسا، تتمتّع بنفوذ كبير على الطبقة السياسية في بيروت.