لم يكن أمراً تفصيليّاً أن تتحوّل الجلسة الخامسة لمجلس الوزراء بعد نيلها الثقة إلى حقل اختبار قاسٍ كان سيَضَعها بين حدّيْ استمرارها في مهامّها أو تفجيرها من الداخل.
أهون الشرور كان تأجيلاً آخر لـ”المَشكَل” المتّصل بإدارة القاضي طارق البيطار لملف تحقيقات المرفأ، فيما تعمّقت الفجوة أكثر بين رئيس الجمهورية وبين الثنائي الشيعي، في ضوء فشل التوصّل إلى صيغة ترتبط بآليّة كفّ يد المحقّق العدلي.
علم “أساس” أنّ من ضمن الصيغ التي طًرحت إعداد مشروع قانون يسمح بالطعن بقرارات المحقّق العدلي، أو إنشاء هيئة تحكيمية للنظر والفصل في النزاعات في شأن مسار وقرارات المحقّق العدلي. كما طّرَح وزير العدل صيغة تحصر المسؤولية بالقضاء لكنها رُفِضت
وفي إطار التضييق على “اجتهادات” البيطار، أرسلت الأمانة العامّة لمجلس النواب أمس كتاباً إلى النيابة العامّة التمييزية تُبلِّغها من خلاله أنّ “المجلس باشَر السير بإلإجراءات اللازمة في ما يتعلّق بتحقيقات المرفأ، وأنّ أيّ إجراء من قبل القضاء العدلي بحقّ الرؤساء والوزراء والنواب يعتبر تجاوزاً لصلاحيّاته لأنّ هذا الأمر ليس من اختصاصه”.
هكذا عُهِدَ إلى وزير العدل أن يأتي بـ”وَصفة” إعادة الأمور إلى طبيعتها داخل الحكومة بعد المواجهة العاصفة يوم الثلاثاء، و”جُرعتها” الأولى التفتيش عن مخرج ما يعيد البيطار إلى رئاسة محكمة جنايات بيروت كما كان قبل تعيينه محقّقاً عدلياً في قضية المرفأ، استناداً إلى مضبطة اتّهام كاملة بحقّه على خلفيّة إدارته لملفّ التحقيق.
وبعد “تكليف وزير العدل بمتابعة الملابسات القانونية والدستورية المتّصلة بالتحقيق، على أن يعود إلى مجلس الوزراء بتقريرٍ، ويطرح اقتراحات”، اشتغلت الاتصالات بين بعبدا والسراي وعين التينة والضاحية طوال الساعات الماضية في محاولة لإيجاد حلّ وسط يجنّب البلاد تطيير اجتماعات الحكومة، إذا قرّر وزراء فريق الثنائي الشيعي تعليق مشاركتهم فيها. وذلك بما يضع حدّاً لمسار التحقيق الجانح، برأي هذا الفريق، الساعي إلى إلباس نواب ووزراء تهماً جاهزة سلفاً ضمن إطار تصفية حسابات سياسية بإيعاز خارجي.
وقد أتى الحلّ الأسهل بتأجيل الجلسة في قصر بعبدا إلى موعد آخر لم يُحدّد، وذلك بعد التشاور بين الرئيسين عون وميقاتي (وفق الصيغة التي أوردتها رئاسة الجمهورية)، وبناءً على طلب ميقاتي (وفق حساب السراي الحكومي على “تويتر”).
اقتراحات سقطت
وقد علم “أساس” أنّ من ضمن الصيغ التي طًرحت إعداد مشروع قانون يسمح بالطعن بقرارات المحقّق العدلي، أو إنشاء هيئة تحكيمية للنظر والفصل في النزاعات في شأن مسار وقرارات المحقّق العدلي. كما طّرَح وزير العدل صيغة تحصر المسؤولية بالقضاء لكنها رُفِضت. بداية عَرَضها على رئيس الجمهورية فطلب الأخير منه عَرضها على ميقاتي، والأخير طلب من وزير العدل النقاش فيها مع الرئيس بري، فقصد عين التينة ليسمع كلامًا صريحًا من رئيس مجلس النواب: “ننتظر منك اقتراحًا آخر”.
الوزير “المطلوب” لـ”عدالة البيطار” النائب علي حسن خليل قد مهّد للمشهد الحكومي المتأزّم ليل الثلاثاء بقوله على شاشة فضائية “الميادين”: إذا بقيت الأمور سائرة إلى هذا المستوى العالي من التسييس، فإنّ ثمّة مَن يأخذ البلد إلى مشكلٍ كبير. هناك مشروع فتنة يمثّله أداء هذا القاضي والتغطية القضائية المركزية له
خطّ بعبدا الأحمر
الخطّ الأحمر، الذي رَسَمته رئاسة الجمهورية بمنع أيّ تدخّل في عمل المحقّق العدلي إلا عبر الآليّات القضائية، واستبعاد تدخّل الحكومة، أدّى إلى منع التئام مجلس الوزراء، فيما كان هدف معارضي البيطار واضحاً: كفّ يده فوراً عن تحقيقات المرفأ.
وكان واضحاً الاصطفاف السياسي بين جبهتين أساسيّتيْن:
– الأولى يمثّلها رئيس الجمهورية ووزير العدل وبعض الوزراء الذين رفضوا الدخول المباشر لمجلس الوزراء “مجتمعاً” على خطّ تحقيقات المرفأ.
والقاضي هنري خوري، من موقعه وزيراً للعدل، كان يرى في تدخّل الحكومة سابقة خطيرة وانتهاكاً لمبدأ فصل السلطات، مسلِّماً بأنّ دور مجلس الوزراء يقتصر على إحالة ملفّ القضية إلى المجلس العدلي في مرسوم أصدرته حكومة حسان دياب في 11 آب الماضي قبل إعلان استقالتها، وليس من سابقة في سحب مجلس الوزراء أيّ إحالة لأيّ قضية على المجلس العدلي. أمّا تعيين المحقّق العدلي فيتمّ بمرسومٍ بناءً على اقتراح من وزير العدل وموافقة مجلس القضاء الأعلى. ولا سابقة أيضاً في تدخّل مجلس الوزراء أو وزير العدل أو مجلس القضاء الأعلى للتراجع عن هذا التعيين وكفّ يد القاضي المعنيّ.
– أمّا الجبهة الثانية فيمثّلها الثنائي الشيعي، المدعوم من تيّار المردة والقومي وطلال إرسلان، والذي كان مصرّاً على اتّخاذ أيّ خطوة من شأنها كفّ يد القاضي البيطار عن القضية وتعطيل مفاعيل تحقيقاته ومذكّرات التوقيف التي أصدرها.
وأخفى التلويح بورقة الشارع والتهديد بوقوع الفتنة تلميحاً بأن تأخذ المواجهة مع القاضي البيطار طابعاً حزبياً وطائفياً ومذهبياً بغطاء من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وبتهديد صريح من المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان “بإقالة البيطار فوراً” مع تحذير من “اللعب بالنار”.
ميقاتي في الوسط
ووَقَف نجيب ميقاتي في الوسط متهيّباً “محظور” تغطية حكومته لِما يُمكِن أن يُفسَّر داخلياً وخارجياً أنّه تعدٍّ على صلاحيات المحقّق العدلي، وعرقلة للتحقيق، وهو ما قد يستدرج “عقاباً” ومزيداً من الضغط على حكومته.
وكان الوزير “المطلوب” لـ”عدالة البيطار” النائب علي حسن خليل قد مهّد للمشهد الحكومي المتأزّم ليل الثلاثاء بقوله على شاشة فضائية “الميادين”: “إذا بقيت الأمور سائرة إلى هذا المستوى العالي من التسييس، فإنّ ثمّة مَن يأخذ البلد إلى مشكلٍ كبير. هناك مشروع فتنة يمثّله أداء هذا القاضي والتغطية القضائية المركزية له”.
وأكّد: “نحن نريد تجنيب البلد الوصول إلى المأزق، وأولويّتنا الإبقاء على الاستقرار الداخلي والحفاظ على التوازنات القائمة، لكن بالإجراءات التي تُتَّخذ يدفعون البلد دفعاً نحو الانفجار والتصعيد”.
وفيما اعتبر أنّ “قضية البيطار ستكون بنداً أول (أمس)، وربّما الأوحد، على جدول أعمال مجلس الوزراء”، تحدّث عن “تدخّلات خارجية وداخلية مع المؤسّسة القضائية ككلّ قد تأخذ البلد إلى مشكلة أكبر ممّا هو متوقّع، وتدفع باتجاه الانقسام وتوتير الأجواء”.
الخطّ الأحمر، الذي رَسَمته رئاسة الجمهورية بمنع أيّ تدخّل في عمل المحقّق العدلي إلا عبر الآليّات القضائية، واستبعاد تدخّل الحكومة، أدّى إلى منع التئام مجلس الوزراء، فيما كان هدف معارضي البيطار واضحاً: كفّ يده فوراً عن تحقيقات المرفأ
حزب الله يصعِّد
وعكس النائب حسن فضل الله قبل تأجيل الجلسة أمس موقفاً أكثر تقدّماً لحزب الله، معتبراً أنّ “مواقف المسؤولين الأميركيين قبل أيّ موعد تقرّره الجهات القضائية أو الحكومةّ لاتخاذ إجراء قانوني للعودة إلى الأصول، هي الجزء الظاهر من حجم التدخّل الأميركي المباشر في التحقيقات لحرفها عن مسارها الصحيح بغية إبقائها ضمن جدول التوظيف السياسي الأميركي لتصفية الحسابات مع المقاومة وحلفائها في لبنان”.
وقالت مصادر الثنائي الشيعي لـ”أساس”: “نحن أمام مشروع بحجم مؤامرة يستهدف فريقاً محدّداً، ولن نقف بالتأكيد مكتوفي الأيدي أمامه. لدينا الحكومة والشارع، وكلاهما يضمن الدستور اللجوء إليهما لردّ اعتداء بهذه الخطورة”.
وتزامن هذا التصعيد مع تسجيلات تناقلها روّاد مواقع التواصل الاجتماعي أمس عن نداءات من قيادات في الحركة والحزب لإعلان الجهوزية للنزول بكثافة إلى الشارع حين يصدر القرار بذلك”، فيما أعلن عن تجمّع لمعارضي البيطار اليوم أمام قصر العدل، بدا وكأنه بمثابة دفعة على الحساب قبل “الحشد الكبير” في حال وصلت مساعي تنحية البيطار إلى الطريق المسدود.
الأهم أن الثنائي الشيعي بعث برسالة إلى رئيس الجمهورية عبر وسيط موثوق مضمونها: “إما الحكومة وإما البيطار”.
إقرأ أيضاً: البيطار يطلب توقيف… نبيه برّي!!
البيطار في مكتبه
على خطٍّ آخر، علم “أساس” أنّ الغرفة الأولى في محكمة التمييز لم تلتئم أمس للنظر في دعوى الردّ الثانية المقدّمة من النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر. وقد حضر البيطار إلى مكتبه أمس ظنّاً منه أنّ المحكمة ستنظر في الدعوى وتصدر قرارها، فيما “طار” موعدا استجواب النائبين غازي زعيتر ونهاد المشنوق، اللذان كانا محدّدين أمس، من دون أن يُحدّد موعدان آخران للاستجواب.