قانوناً لم يكن هناك أيّ عائق لأن يطلب المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار الإذن مجدّداً، بعد تشكيل الحكومة، بملاحقة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، على اعتبار أنّ القرارات الإدارية لا تحمل صفة الإبرام، ويمكن العودة عنها. لكنّ الخطوة حَملت طابعاً يتماشى مع مسار البيطار في تسجيل النقاط على المُدّعى عليهم لا أكثر.
فمجلس الدفاع الأعلى لن ينعقد لطرح مسألة الإذن بملاحقة صليبا. ووزير الداخلية بسام المولوي لن يزيح، وفق المعلومات، عن الخط القانوني الذي رَسَمه سلفه برفض إعطاء الإذن بملاحقة اللواء إبراهيم.
مصادر قانونية: إذا كان القاضي البيطار يطبّق القانون ويلتزم به فقد وَصَله الجواب القانوني حين طلب الإذن بالملاحقة من وزير الداخلية السابق محمد فهمي. أمّا وقد طلبه مجدّداً فيجدر التساؤل عن السبب الخفيّ لذلك، لأنّ في الأسباب المُعلنة لرفض الإذن سابقاً لم يتغيّر أيّ معطى
وهو المسار الذي أكّدت عليه النيابة العامّة التمييزية التي طلبت من البيطار الاستماع إلى إبراهيم كشاهد فرَفض، تماماً كرفضه الاستماع إلى النائب نهاد المشنوق كشاهد.
وتجدر الإشارة إلى أنّ “حالة المشنوق” تشكّل واقعاً نافراً في القضية، وذلك بسبب عدم استماع المحقّق العدلي السابق والحالي إلى إفادته، وادّعاء البيطار عليه، خلافاً لكلّ المدّعى عليهم الآخرين، بتأكيد وجود “شُبهات جدّيّة” بحقّه.
تقول مصادر قانونية في هذا السياق: “إذا كان القاضي البيطار يطبّق القانون ويلتزم به فقد وَصَله الجواب القانوني حين طلب الإذن بالملاحقة من وزير الداخلية السابق محمد فهمي. أمّا وقد طلبه مجدّداً فيجدر التساؤل عن السبب الخفيّ لذلك، لأنّ في الأسباب المُعلنة لرفض الإذن سابقاً لم يتغيّر أيّ معطى”.
تضيف المصادر: “ولمّا كان الواقع القانوني هو نفسه، وصلاحيات الأمن العام هي نفسها فإنّ هذا سببه حدوث تغيير حكومي”.
وفيما يستعدّ وكلاء الدفاع عن المدّعى عليهم علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق لتقديم دعوى ارتياب بالقاضي البيطار بعدما رفضت محكمة الاستئناف في بيروت طلبات ردّهم القاضي، فإنّ الإخبار الذي تقدّم به الوزير السابق يوسف فنيانوس بحقّ المحقّق العدلي، ويتّهمه بجرم التزوير الجنائي المرتبط بأذونات ملاحقة إبراهيم وصليبا، لن تكون لديه آثار قانونية على استمرارية التحقيق، لكنّه بالتأكيد يطرح علامات استفهام إضافية عن أداء البيطار.
وقد عزّز المحامي العامّ التمييزي القاضي عماد قبلان الشكوك في أداء البيطار عبر حفظه الإحالة الصادرة عن المحقّق العدلي حول شبهة إخلال القاضي الخوري بالواجبات الوظيفية، إذ اعتبر قبلان أنّ “محضر المحقّق العدلي فارغ من أيّ شبهات، وليس من شأنه الدلالة على إخلال بالواجبات الوظيفية”. وكانت خطوة البيطار قد أتت ضمن سياق مطالبات أهالي ضحايا المرفأ بتنحية الخوري عن الملفّ. كما أنّ قبلان فتح باباً عريضاً لتعطيل تحقيقات البيطار من أساسها، حين أعلن في جوابه أنّ “مجرد العلم بوجود نيترات الأمونيوم لا يشكّل جرماً جزائياً، فالجرم يستوجب القيام بأفعال جرمية، أو الامتناع عن القيام بأفعال من قبل شخص مخوّل قانوناً القيام بها، أدّت إلى وقوع الجرم أي الأفعال التي أدّت إلى وقوع الانفجار”.
المحامي نعوم فرح لـ”أساس”: تقديم دعوى نقل الملفّ للارتياب المشروع بالقاضي البيطار غير مرتبط بجلسة الاستجواب المُحدّدة لموكّلي في 13 الجاري، بل بسبب رفض محكمة الاستئناف طلب الردّ، وفي ظلّ واقع إصرار المحقّق العدلي على الاستماع إلى المشنوق بصفة مدّعى عليه
شربل: أدعو إلى استدعائي!
وأمس وجّه الوزير السابق مروان شربل دعوة صريحة إلى القاضي البيطار، قائلاً “كنت وزير داخلية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عند وصول سفينة نيترات الأمونيوم إلى المرفأ عام 2013، وأدعو المحقّق العدلي إلى استدعائي واستدعاء الجميع”.
تفتح دعوة شربل باب التساؤلات مجدّداً عن خلفيّة عدم استدعاء المحقّق العدلي جميع المسؤولين والقادة الأمنيّين المشمولين بمسار وصول الباخرة “روسوس” وعلى متنها حمولة النيترات، من عام 2013 حتى لحظة انفجار المرفأ. والحديث في هذا الإطار يتعلّق برؤساء حكومات سابقين، وهم نجيب ميقاتي وتمام سلام وسعد الحريري، إضافة إلى وزراء العدل والدفاع والداخلية السابقين.
وفي المهلة الفاصلة بين بدء العقد العادي الثاني لمجلس النواب (حيث يستعيد النواب حصانتهم) وتحديد البيطار مجدّداً مواعيد لاستجواب النواب علي حسن خليل في 12 الجاري، وغازي زعيتر ونهاد المشنوق في 13 منه، وحسان دياب في 28 منه (أُبلِغوا لصقاً على باب قلم باب مكتب المحقّق العدلي، ثمّ في أمكنة إقامتهم)، فإنّ الوضع القانوني للوزراء السابقين سيكون كالآتي:
تقديم دعاوى لنقل الملفّ إلى قاضٍ آخر للارتياب المشروع. وفيما بات مؤكّداً عدم مثول المدّعى عليهم أمام المحقّق العدلي بسبب إطاحته بالدستور الذي يفرض ملاحقة هؤلاء أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، فإنّ الأخير سيصدر على الأرجح مذكّرة إحضار بحقّهم كما فعل مع رئيس الحكومة السابق حسان دياب. وعند التخلّف قد يُصدر مذكّرة توقيف غيابية على غرار ما فعله مع الوزير فنيانوس.
ويبقى السؤال الأكبر: هل سيُصدر مذكّرة توقيف غيابية بحقّ دياب الذي لم ينفّذ مذكّرة الإحضار، والذي يعود قريباً إلى بيروت بعد إجازة قضاها في الولايات المتحدة الأميركية؟
كان لافتاً ما كشفه نزيه الخوري، أحد محامي الوزير فنيانوس، لقناة “الجديد” في شأن “قول أحد زملاء القاضي البيطار إنّ الأخير يريد “رؤوس” علي حسن خليل وعباس إبراهيم ويوسف فنيانوس، ولن يتوقّف عند كبار السياسيين كنبيه برّي والسيد حسن نصرالله
سنكون أمام ما يشبه السباق بين البيطار والمدّعى عليهم قبل حلول 19 تشرين الأول موعد بدء العقد العادي، حيث يفقد المحقّق العدلي إمكانيّة ملاحقة الوزراء السابقين الذين يستخدمون من ضمن حقوقهم البديهية كلّ الوسائل المتاحة لردّ “ما يعتبرونه ظلماً وتعدّياً على حقوقهم وكرامتهم”.
يُذكَر أنّ قبول دعوى فنيانوس بالارتياب المشروع بالقاضي أمام محكمة التمييز الجزائية سيكون كفيلاً بنقل الملف إلى قاضٍ آخر، وعدم استكمال الإجراءات من قبل المدّعى عليهم الآخرين، واعتبارها “من دون مضمون”.
ويستند تقديم دعاوى الارتياب قبل أيّ شيء آخر إلى رفض محكمة الاستئناف لطلبات الردّ في الشكل لعدم الاختصاص النوعيّ، وليس في المضمون. وتتردّد معلومات عن احتمال تقديم دعوى مداعاة الدولة بسبب أخطاء يرتكبها القاضي. وهو خيار متاح للمدّعى عليهم.
وكان وكيل النائب نهاد المشنوق المحامي نعوم فرح تقدّم بلائحة توضيحية أمام محكمة الاستئناف المدنية حول طلب ردّ القاضي البيطار، أكّد من خلالها صلاحيّة محكمة الاستئناف النظر في طلبات ردّ المحقّق العدلي، وأوضح الأسباب الموجبة لردّه مع تعليق على قرار المحكمة تسطير مذكّرة إلى قلم المحقّق العدلي لإفادتها عن أسماء الفرقاء في الدعوى، وهو ما يؤكّد صلاحيّة المحكمة للنظر في الدعوى.
وكرّر المحامي نعوم بوكالته عن المشنوق طلب ردّ المحقّق العدلي عملاً بالمادة الـ120 من قانون أصول المحاكمات المدنية، لكنّ المحكمة أصدرت قراراً في اليوم نفسه بردّ طلب الردّ شكلاً من دون انتظار التبليغات لجميع الخصوم.
ويقول المحامي نعوم فرح لـ”أساس”: “تقديم دعوى نقل الملفّ للارتياب المشروع بالقاضي البيطار غير مرتبط بجلسة الاستجواب المُحدّدة لموكّلي في 13 الجاري، بل بسبب رفض محكمة الاستئناف طلب الردّ، وفي ظلّ واقع إصرار المحقّق العدلي على الاستماع إلى المشنوق بصفة مدّعى عليه. لذا نحن نلجأ إلى كلّ الوسائل القانونية المتاحة أمامنا لمساءلة القاضي البيطار عن أفعاله”.
إقرأ أيضاً: البيطار “رِجع” إلى مكتبه… مُتّهماً بالتزوير
وفي السياق نفسه، كان لافتاً ما كشفه نزيه الخوري، أحد محامي الوزير فنيانوس، لقناة “الجديد” في شأن “قول أحد زملاء القاضي البيطار إنّ الأخير يريد “رؤوس” علي حسن خليل وعباس إبراهيم ويوسف فنيانوس، ولن يتوقّف عند كبار السياسيين كنبيه برّي والسيد حسن نصرالله”، مؤكّداً عدم مثول “علي حسن خليل وزعيتر أمام البيطار لعدم اختصاص القضاء العدلي بملاحقتهم، وبعدما نصّب المحقّق العدلي نفسه مكان مجلس النواب”.