بمهلة تفصلها أيّام قليلة عن تاريخ تقديم النواب نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر طلبات ردّ المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار في قضية تفجير مرفأ بيروت، قرّرت محكمة الاستئناف في بيروت برئاسة القاضي نسيب إيليا ردّ طلبات الردّ شكلاً “لعدم الاختصاص النوعيّ”، وإلزام المُستدعين دفع غرامة مقدارها 800 ألف ليرة لبنانية.
وتزامن قرار محكمة الاستئناف مع تقديم الوزير الأسبق يوسف فنيانوس إخباراً ضد القاضي البيطار للتحقّق من الاتّهام الموجّه إليه بتزوير تاريخ طلبه من النيابة العامّة التمييزية الادّعاء على المحامي العامّ التمييزي الناظر في قضية المرفأ القاضي غسان الخوري المؤرّخ في 24 أيلول، وهو التاريخ الذي لم يحضر فيه البيطار إلى مكتبه يوم الجمعة الماضي، فيما تبلّغ بطلب الردّ المقدّم من المشنوق في 27 أيلول. ويتشكّك كثيرون في أنّ طلب الدعوى بحقّ الخوري لم يكن قد سُجِّل رسمياً في قلم المحكمة قبل كفّ يد البيطار. وشمل الإخبار حصول تزوير محتمل في ما يخصّ طلب المحقّق العدلي مجدّداً الإذن بملاحقة اللواء عباس إبراهيم واللواء طوني صليبا.
تسأل مصادر متابعة للملفّ: “أين المعيار الموحّد؟ ولماذا هذا الانفصام في تفسير القوانين وممارسة الصلاحيّات؟ وهل دياب يُلاحَق اليوم بصفته نائباً لرئيس الجامعة الأميركية، أو يُلاحَق المشنوق بصفته ناشر موقع “أساس”؟
ويُعتبر إجراء فنيانوس خطوةً منفصلةً قانونيّاً عن طلبات ردّ القاضي البيطار ودعوى الارتياب بحقّه، لكنّها بالتأكيد تأتي في سياق تكريس الخصومة المُعلنة بين المدّعى عليهم والمحقّق العدلي الذي بات، برأي كثيرين، في عين عاصفة “الشبهة” بأخذه الملفّ برمّته نحو ملعب تصفية الحسابات، تحت عنوان “العدالة”.
وقرار ردّ طلبات الردّ كفيلٌ بإعادة المحقّق العدلي إلى مكتبه اليوم في قصر العدل بعد تبلّغه رسمياً بقرار المحكمة، وذلك لاستئناف تحقيقاته من حيث انتهت حين حضر مدير الاستخبارات السابق العميد كميل ضاهر إلى قصر العدل، برفقة محاميه مارك حبقة، ولم يستطع المثول أمام البيطار بسبب كفّ يده مؤقّتاً عن الملفّ.
وسيلي هذه الجلسة الاستماع مجدّداً إلى قائد الجيش السابق جان قهوجي، وربّما تحديد موعد للمواجهة بين الضابطين بسبب تضارب الأقوال بينهما.
ماذا يعني هذا التطوّر القضائي في ملفّ انفجار مرفأ بيروت، وما هي الخطة “ب” للنواب والوزراء السابقين في مواجهتهم المفتوحة مع القاضي البيطار؟
خلافاً للمتوقَّع بتّت محكمة الاستئناف سريعاً بطلبات الردّ من النواب الثلاثة، فيما يُنتظر أن تبتّ محكمة التمييز الجزائية بدعوى الارتياب المشروع المقدّمة من فنيانوس. ووفق المعلومات، طلبت المحكمة من القاضي البيطار بعض المستندات قبل إصدار قرارها.
وسيحدّد المحقّق العدلي جلسات استجواب جديدة للوزراء السابقين الذين سبق أن حدّد لهم جلسات في 30 أيلول لعلي حسن خليل، و1 تشرين الأول للمشنوق وزعيتر.
ويُتوقّع أن يحصل ذلك خلال مهلة الـ15 يوماً الفاصلة عن بدء العقد العاديّ الثاني لمجلس النواب، حيث “يسترجع” النواب حصانتهم النيابية التي فقدوها بين نهاية العقد الاستثنائي لمجلس النواب وبدء العقد العاديّ.
توضح المصادر: هناك خلاف اليوم على تفسير الدستور بين مجلس النواب، الذي وضع يده على الملفّ، والمحقّق العدلي الذي تجاوز نصوص الدستور
وتُطرَح تساؤلات عن احتمال فتح دورة استثنائية لمجلس النواب تحت عنوان “ملاقاة الحكومة في مشاريعها الإصلاحية”، وهي خطوة من شأنها وضع النواب المُلاحقين في “منطقة الأمان”. وتفيد معلومات أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقّع مرسوم فتح دورة استثنائية، وأحاله إلى رئاسة الجمهورية، لكنّ ميشال عون يتمنّع عن التوقيع.
ومجدّداً ستفرض إشكالية التبليغ نفسها بعد قرار وزير الداخلية بسام المولوي بعدم تبليغ رئيس الوزراء السابق حسان دياب والوزراء السابقين الحضور أمام المحقّق العدلي بواسطة قوى الأمن الداخلي، بناءً على طلب المديرية، “باعتبار أنّ التبليغات يجب أن تتمّ من القضاء مباشرة”.
أمّا القاضي البيطار فعليه تبليغ المدّعى عليهم بمواعيد الجلسات عبر الأمانة العامّة لمجلس النواب، أو عبر قوى الأمن الداخلي، أو مباشرةً في وزارة العدل، أو باعتماد الخيارات الثلاثة في الوقت نفسه.
ويبرز عمليّاً في سياق قضية انفجار المرفأ، منذ ادّعاءات القاضي فادي صوّان وصولاً إلى ادّعاءات القاضي البيطار، واقعٌ لا يقبل الاجتهاد، وهو قفز الأخير في معرض “تطبيقه القانون” فوق مقتضيات الدستور الذي يوجب ملاحقة رئيس الحكومة والنواب والوزراء السابقين أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بناء على المادّتين 70 و71 من الدستور، إضافة إلى رصد شوائب عدّة في أداء المحقّق العدلي تدفع إلى الارتياب المشروع به بسبب دفعه الملفّ باتجاه التسييس المتعمّد للخروج بخلاصات سياسية قبل أن تكون قضائية.
وقد أوصل التفسير، الذي اعتمده المحقّق العدلي للنصوص القانونية ولصلاحيّاته، إلى مشهد “سوريالي” أجاز فيه البيطار لنفسه ملاحقة رئيس حكومة ونواب ووزراء، معتبراً أنّهم “منزوعو الحصانة”، فيما لم يستطع ملاحقة موظف فئة خامسة وصولاً إلى موظفي فئة أولى من القادة الأمنيّين من دون السعي إلى الاستحصال على إذن ملاحقة.
واعتبر البيطار أنّ الجرم الذي اقترفه المدّعى عليهم ليس ناشئاً عن الوظيفة، ولذلك لا يُلاحَق مرتكبه أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، لكن عندما وصل الى الموظفين، طلب الإذن بالملاحقة استناداً إلى أنّ الجرائم المُسنَدة إليهم ناشئة عن أعمالهم الوظيفية.
وفي هذا السياق، تسأل مصادر متابعة للملفّ: “أين المعيار الموحّد؟ ولماذا هذا الانفصام في تفسير القوانين وممارسة الصلاحيّات؟ وهل دياب يُلاحَق اليوم بصفته نائباً لرئيس الجامعة الأميركية، أو يُلاحَق المشنوق بصفته ناشر موقع “أساس”؟ فالقاضي البيطار يدّعي عليهم بسبب ما كان يجب أن يقوموا به بصفتهم الوظيفية، وعند الملاحقة يسقط هذا الاعتبار من أجندته”.
وأمام هذا المشهد المعقّد في مسار الملاحقات، تشير المصادر إلى ضرورة “أن يقوم مجلس النواب بدوره لناحية تفسير الدستور، الذي يُمكن أن يضع حدّاً فوريّاً لاجتهادات القاضي البيطار”.
إقرأ أيضاً: الانغماس في الانقسامات يُنبِت “حزب البيطار”
وتوضح المصادر: “هناك خلاف اليوم على تفسير الدستور بين مجلس النواب، الذي وضع يده على الملفّ، والمحقّق العدلي الذي تجاوز نصوص الدستور. وبدلاً من الذهاب إلى خصومة قانونية مع المحقّق العدلي، يمكن لمجلس النواب من ضمن صلاحياته أن يقوم بتفسير الدستور بشكلٍ يُلزِم القاضي المعنيّ بنتائجه بدلاً من أن يعطي هذا الحقّ لنفسه من دون رادع، و”يَشطح” باجتهادات”.
وتتساءل المصادر: “لماذا لا يُبادر مجلس النواب إلى تفسير الدستور في ما يخصّ هذه الإشكالية بالتحديد؟ فليس الأمين العامّ لمجلس النواب، الذي هو موظّف، المرجعيّة التي تحدِّد ما يقوله الدستور”.