لا يزال وقع الإنسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان يلقي بثقله على منطقة الشرق الأوسط التي تشهد بعض التغيرات والحوارات واحتمال عقد الشراكات الإقليميّة وإدراك أنّ “القوة العظمى الرائدة في العالم قد فقدت بعض بريقها”.
هكذا استهلّ الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناتيوس مقاله، ورأى أنّ إعادة الإصطفافات الإقليمية هذه تساهم في الحدّ من الضغوط في هذه المنطقة التي عانت من التوترات الخطيرة خلال السنوات الأخيرة. وأوضح أنّ دول المنطقة تسعى إلى إيجاد حلول لمشكلاتها من خلال تعزيز العلاقات الإقتصادية الإقليمية بدلاً من الاعتماد على القوة العسكرية الأميركية. وبحسب الكاتب، فإنّ بعض الدول قد تلجأ إلى الصين كشريك أمني جديد، ليحلّ مكان الولايات المتحدة التي يقلّ الإعتماد عليها.
توقفت المجموعات المدعومة من إيران في العراق عن شنّ هجمات صاروخية ضد السعوديّة، بينما يستمرّ الحوثيّون في إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار
وفي مقدّمة المبادرات الدبلوماسية التي شهدتها المنطقة مؤخرًا كانت المحادثات الإيرانية مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة (يمكن قراءة المزيد على أساس عبر الضغط هنا)، والتقارب الإماراتي مع تركيا وقطر (للإطلاع على المزيد على أساس، إضغط هنا وهنا). ويوضح إغتاتيوس أنّ العناوين العريضة تتمثّل بالتجارة والازدهار الاقتصادي.
وكشف الكاتب النقاب عن تفاصيل زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان إلى الشرق الأوسط خلال الأسبوع الماضي، حيثُ جالَ على الرياض وأبو ظبي والقاهرة، موضحًا أنّ المسؤولين العرب أعربوا للزائر الأميركي عن رغبتهم في الحصول على دعم دبلوماسي وعسكري من الولايات المتحدة، إلا أنّهم ليسوا على ما يُرام مع السياسة الأميركية غير المنتظمة.
يبقى الصراع المحوري بالمنطقة في اليمن، بحسب أغناتيوس، حيثُ تبذل واشنطن مساعيها مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة هانز غروندبيرغ من أجل التوصّل إلى خطة جديدة للسلام، يسمح بموجبها السعوديون للأمم المتحدة بمراقبة ميناء الحديدة ومطار صنعاء. في المقابل، يريد السعوديون من الحوثيين المدعومين من إيران الموافقة على وقف إطلاق النار، وهو مطلب لم يلبّه الحوثيون بعد.
وبما أنّ ما يجري في اليمن يعدّ حربًا بالوكالة بين السعودية وإيران، فقد يساهم الانفتاح الدبلوماسي بين الرياض وطهران في دفع جهود السلام. وفي الإطار، فقد توقفت المجموعات المدعومة من إيران في العراق عن شنّ هجمات صاروخية ضد السعوديّة، بينما يستمرّ الحوثيّون في إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار. أمّا المسؤولين الأميركيين فيأملون أن يوفّر اجتماع مجموعة العشرين المرتقب هذا الشهر والذي تشارك السعودية فيه، بإنهاء الصراع الكارثي.
لا يزال وقع الإنسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان يلقي بثقله على منطقة الشرق الأوسط التي تشهد بعض التغيرات والحوارات واحتمال عقد الشراكات الإقليميّة وإدراك أنّ “القوة العظمى الرائدة في العالم قد فقدت بعض بريقها”
وأشار إغناتيوس إلى أنّ رئيس الإستخبارات السعودية خالد الحميدان هو من قادَ المحادثات مع الجانب الإيراني، من خلال وسطاء عراقيين. وتشير المعلومات أيضًا إلى أنّ الإيرانيين وسعوا مروحة الاتصالات مع مجيء الرئيس المتشدد الجديد إبراهيم رئيسي وأنّهم على استعداد لإعادة فتح سفارة في الرياض على الفور. ووصف الكاتب ما يجري بين الرياض وطهران بـ”المناورة البراغماتية”، فقد خلص السعوديون إلى أن واشنطن لن تطيح بالنظام الإيراني، وأنّ الإستثمار واستئناف العلاقات الدبلوماسيّة هما الطريق إلى الإستقرار في المستقبل.
وقال إغناتيوس إنّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان “تذمّر لسوليفان من عدم تقدير واشنطن لجهوده بتحديث المملكة وتمكين حقوق المرأة. ورد المسؤولون الأميركيون بأن هناك مطلبًا من الحزبين في الكونغرس يتمثّل بأن تبذل الرياض المزيد في مجال حقوق الإنسان”، مضيفًا أنّ الرياض قد تحسم خياراتها في هذه الحالة وتلجأ إلى توسيع علاقاتها مع الصين وروسيا من دون أن تتخلّى عن الروابط مع واشنطن.
توازيًا، فقد تمّت صياغة مبادئ الشرق الأوسط الجديد المرتكزة على عدم وجود أعداء وبالتالي “لا مشاكل” في الإمارات العربية المتحدة (لقراءة المزيد على أساس، إضغط هنا). وأوضح إغناتيوس أنّ سوليفان أصغى إلى شرح وليّ عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، وذلك بعدما ألحق الإنسحاب الأميركي من أفغانستان الضرر بالإمارات. ورأى بن زايد أنّ العلاقة بين أبو ظبي وواشنطن قد تكون أكثر استقرارًا في المستقبل إذا تم ترسيخها بموجب اتفاق أمني رسمي – ليس بالضرورة أن يكون بمثابة “معاهدة” مثل حلف شمال الأطلسي – على أن يحظى بموافقة الكونغرس. وأكّد إغناتيوس أنّ المسؤولين الأميركيين يدرسون هذه الفكرة.
إقرأ أيضاً: أميركا تطرق باب العرب مجدّداً
في المقابل، تتمتع الإمارات بعلاقة جيدة مع الصين أيضًا، التي تبحث عن ميناء إماراتي كوصلة رئيسية في مبادرة الحزام والطريق التي تهدف إلى تعزيز الإقتصاد العالميّ. وذكّر إغناتيوس بما قاله المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش عن أنّ بلاده كانت قلقة من “الحرب الباردة التي تلوح في الأفق. إنها أخبار سيئة لنا جميعاً لأن فكرة الاختيار تمثل مشكلة في النظام الدولي، وأعتقد أن هذا لن يكون قراراً سهلاً”.
وختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أنّ الانسحاب من أفغانستان بمثابة نقطة تحوّل في منطقة الشرق الأوسط، حيثُ لا يزال شركاء الولايات المتحدة التقليديون نفسهم، لكنّ طريقة المعادلة تغيّرت.