في مضمون كلام رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هاشم صفي الدين أبعاد سياسية كثيرة تستحقّ التوقّف عندها وطرح أكثر من سؤال، وفي مقدّم هذه الأسئلة: هل حزب الله مرتاح إلى وضعه إلى هذه الدرجة التي يخرج فيها أحد مسؤوليه معلناً أنّ الحزب لم يجد أنّ الوقت قد حان للتخلّص من مكامن النفوذ الأميركي داخل الإدارة اللبنانية؟ وهل يشعر الحزب إلى هذا الحدّ بهذه الدرجة من القوّة؟ أم للموقف حسابات أخرى هدفها معنوي وانتخابي، في محاولة لمواجهة مزيد من الضغوط التي سيتعرّض لها؟
اللافت أنّ موقف صفي الدين يأتي في أعقاب تشكيل الحكومة. ما يؤشّر إلى عدم وجود صفقة دولية أو تسوية قد بدأت ملامحها بالاتّضاح وأفضت إلى التشكيل. إذ أنّ هذا التصعيد بوجه الأميركيين يعني أنّ معالم التصعيد مرشّحة لترتفع في المنطقة بشكل عام.
هل حزب الله مرتاح إلى وضعه إلى هذه الدرجة التي يخرج فيها أحد مسؤوليه معلناً أنّ الحزب لم يجد أنّ الوقت قد حان للتخلّص من مكامن النفوذ الأميركي داخل الإدارة اللبنانية؟
فقد أقدم حزب الله على إطلاق هذا الموقف وهو يستشعر القوّة في ظلّ ما يعتبره كسر الحصار الأميركي من خلال إدخال المحروقات الإيرانية إلى لبنان، لكي يقول على أبواب الانتخابات النيابية لبيئته إنّه لا يزال يمتلك كل مقوّمات القوّة التي تسمح له بالدفاع عنهم وعن مصالحهم، وإنّه لا خيار لديهم سوى الالتفاف حوله أكثر انتخابيّاً. كما يأتي هذا الموقف قبل أيام قليلة من دخول باخرة المحروقات الإيرانية الثالثة إلى مرفأ بانياس السوري، وهي محمّلة بالبنزين. حدثُ سيستثمره الحزب لتعزيز شعبيّته أيضاً.
يريد حزب الله توظيف ملفّ المحروقات الإيرانية انتخابياً ليس في البيئة الشيعية فقط، بل في مختلف البيئات، وتحديداً المسيحية والسنّيّة. في ما خصّ المسيحيين، عمل الحزب على توزيع كميّات من المازوت وعلى استئجار خزّانات للمحروقات في منطقة المتن، لتوزيع المازوت والبنزين وبيعه بسعر أرخص من تسعيرة الدولة اللبنانية. الأمر نفسه طبّقه الحزب في مناطق سنّيّة بدءاً من العاصمة بيروت، وليس انتهاءً في صيدا أو طرابلس أو عكار. يضع الحزب الانتخابات النيابية في صلب أولويّاته، وهو يريد إثبات قوّته وشرعيّته وشعبيّته للجميع في الداخل والخارج من خلال اكتساح الأكثرية النيابية مجدّداً بالاستناد إلى الاختراقات التي حقّقها في صفوف كلّ القوى اللبنانية، وخصوصاً على الساحة السنّيّة، بحيث يكون خصومه السُنّة بحاجة إلى التحالف معه أو تتقاطع مصالحهم غير المباشرة معه ليحافظوا على نفوذهم البرلماني. أمّا مسيحيّاً فإنّ الحزب اتّخذ قراراً بدعمٍ مطلقٍ للتيّار الوطني الحرّ لتوفير الرافعة العددية الكافية له للفوز بالأكثرية المسيحية، وهذا سينطبق على دوائر بعبدا، جبيل، البقاع الشمالي وجزين.
اللافت أنّ موقف صفي الدين يأتي في أعقاب تشكيل الحكومة. ما يؤشّر إلى عدم وجود صفقة دولية أو تسوية قد بدأت ملامحها بالاتّضاح وأفضت إلى التشكيل. إذ أنّ هذا التصعيد بوجه الأميركيين يعني أنّ معالم التصعيد مرشّحة لترتفع في المنطقة بشكل عام
من المفارقات القائمة أنّ التطويق الذي تمكّن الحزب من إحكامه حول كل القوى المعارضة له في لبنان، يواجه عكسه تماماً في الخارج، من خلال المواقف الدولية والتصعيد الأميركي المستمرّ ضدّ إيران. إذ تستشعر إيران محاولات التطويق من أفغانستان إلى أذربيجان وسوريا، بالإضافة إلى محاصرتها من جهة الخليج، وتحديداً الخليج العربي وبحر عُمان. هذه الوقائع من شأنها إضعاف إيران التي لن تلجأ إلا إلى التصعيد لتأكيد قدرتها على الصمود، خصوصاً من خلال رفع سقف تصعيدها الإقليمي لاستدراج الأميركيين إلى طاولة المفاوضات مجدّداً. أحد هذه الأساليب هو ما جاء على لسان صفي الدين من تهديد بتقليص النفوذ الأميركي في إدارات الدولة اللبنانية، مع ما يحمله التصريح من تلميحات ومخاطر تطول قيادة الجيش اللبناني. ففي حال كان حزب الله يعتبر أنّ المصارف ومصرف لبنان ومعظم المؤسسات الكبيرة في لبنان هي مراكز للنفوذ الأميركي، فها هي كلّها تتهاوى، وهو يعتبر أنّ ما يجري يصبّ في مصلحته. وبطبيعة الحال فإنّ هذا الأمر ينسحب على وضع الجيش وغيره من المؤسسات الأمنيّة والرسمية.
وفيما يُطرَح سؤال أساسي عن الوسيلة التي ستُمكِّن الحزب من العمل على تقليص النفوذ الأميركي في الإدارات، لا بدّ من العودة إلى تجربة حكومة حسان دياب التي امتنعت عن تسديد سندات اليوروبوندز، فأفقدت المؤسسات اللبنانية الثقة الخارجية. ولا بدّ من العودة إلى قرار تعيين نواب حاكم مصرف لبنان وأعضاء المجلس المركزي لمصرف لبنان بتوجّهات بعيدة كلّ البعد عن الموافقة الأميركية. وذلك قد يكون قابلاً للتكرار في مجالات متعدّدة، لكنّ أثمانه ستكون باهظة.
إقرأ أيضاً: الحزب “يكتُمُ” أصوات المغتربين… مراعاة لـ”الميثاقيّة”
وحين يقول صفي الدين إنّ الحزب لم يلجأ إلى خطوات جذرية في مواجهة الأميركيين لأنّه يعلم مدى قدرة البلد على التحمّل، فإنّ هذا “قد” يشير إلى رغبة في فتح باب التفاوض، الذي إن فُتِح فسيكون الهدف منه البحث عن تسوية. أمّا إذا لم يُفتَح فقد يلجأ الحزب من خلال سيطرته على قرارات الحكومة ومفاصل الدولة إلى إجراءات تصعيدية ضد الأميركيين، وحينئذٍ سيدفع لبنان الثمن مجدّداً.