يبدو أنّ حزب الله قرّر تعليق اقتراع المغتربين، لأسباب تصفها مصادره بأنّها “ميثاقية”. وهذه هي رواية التعليق الكاملة:
في الثلاثاء الأوّل بعد 15 تشرين الأوّل، يدخل مجلس النواب عقده العاديّ. الجلسة الأولى سيُخصّصها رئيس المجلس نبيه بري، كما جرت العادة، لانتخاب اللجان النيابية. الجلسة اللاحقة سيكون على جدول أعمالها مناقشة قانون الانتخاب. فبعد الحديث عن تقريب موعد الانتخابات إلى 27 آذار 2022، مع إجراء المقتضى في تعديل المهل القانونية، ظهرت بعض الاختلافات بين القوى السياسية حول بنود القانون الانتخابي، الذي أُقرّ عام 2018، واعتُبر إنجازاً لتضمينه النظام النسبي في الدوائر، ولتضمينه اقتراع المغتربين الذين كانوا غائبين عن العملية الانتخابية طوال السنوات الماضية.
طالب الحزب على لسان نائبه علي فياض، بتعليق البندين المتعلّقين بالاغتراب. وتبدو القوى السياسية مُجمعةً على إلغاء المقاعد الستة للاغتراب، باستثناء التيار الوطني الحر الذي يتمسّك بالإبقاء عليها
فماذا في مواقف القوى السياسية حول التباينات من القانون؟ وهل يمكن لهذه التباينات أن تطيح بالانتخابات؟ وهل يوفّر حزب الله ستارةً سياسية للتيار الوطني الحرّ، بأن يطلب تعليق اقتراع المغتربين؟
تتألّف اللجنة غير الرسمية لمناقشة التباينات حول قانون الانتخاب من نائب عن كلّ فريق سياسي. فمنذ أكثر من أسبوعين، يناقش النوابُ تبايناتهم، وهم آلان عون، جورج عدوان، علي حسن خليل، علي فياض، سمير الجسر، بلال عبد الله، وطوني فرنجية.
سبق أن عقدت هذه اللجنة جلستين عرض فيهما كلٌّ من النواب وجهة نظره من البندين الأساسيّيْن اللذين يدور النقاش حولهما. يتناول الأول تخصيص ستّة مقاعد لنواب الاغتراب، والثاني اقتراع المغتربين بشكل عام.
للتذكير فإنّه في عام 2018، اقترع 47 ألف ناخب لبناني مغترب فقط من أصل 83 ألف ناخب تسجّلوا في القنصليّات والسفارات. اقترعوا لـ128 نائباً لمرّة واحدة فقط على أن يقترعوا في الدورة المقبلة، أي في انتخابات عام 2022، لستّة نواب يمثّلون الاغتراب.
هل تُلغى المقاعد الستّة المخصّصة للاغتراب، أم يُلغى معها اقتراع المغتربين لـ128 نائباً أيضاً؟ هذا هو السؤال الذي تناقشه القوى السياسية حالياً، بعدما بات إلغاء الاقتراع بنداً شبه محسوم كما هو مًتداوَل في الصالونات السياسية. وتبدو مواقف القوى معروفة من هذه التساؤلات.
وفيما ساد توجّه من القوى بألّا يُلغى اقتراع المغتربين حرصاً على حقّهم بالاقتراع أوّلاً، ولتفادي ارتكاب مخالفة دستورية ثانياً، ولتفادي توجيه رسالة سلبية بحقّهم ثالثاً، يبدو أنّ لحزب الله رأياً آخر. فقد طالب الحزب، على لسان نائبه علي فياض، بتعليق البندين المتعلّقين بالاغتراب. وتبدو القوى السياسية مُجمعةً على إلغاء المقاعد الستة للاغتراب، باستثناء التيار الوطني الحر الذي يتمسّك بالإبقاء عليها. وتنقسم القوى حول الإبقاء على حقّ المغتربين بالاقتراع لـ128 نائباً على الرغم من ربطه بالاقتراع لستّة مقاعد في دورة 2022.
علي فياض: الميثاقية!
النائب في كتلة حزب الله علي فياض يقول لـ”أساس” إنّ “موقف الحزب مرتبط بعاملين: عامل سياسي يقوم على كون الحزب موضوعاً على لوائح الإرهاب ومحظوراً في عدد من الدول، بالإضافة إلى وضع عدد من المرشّحين على لوائح العقوبات كالنائبين علي حسن خليل وجبران باسيل. وعامل تقنيّ مرتبط بالشوائب التي اعترت العملية الانتخابية السابقة، بحيث كانت أحياناً المسافة، التي تفصل بين الناخب ومركز الاقتراع، تتطلّب سفراً لثلاث ساعات في الطائرة”. ويؤكّد فياض، بناء على الموقف الدولي من المكوّنات اللبنانية، ولا سيّما من حزب الله وحلفائه، أن لا تكافؤ فرص بين الناخبين والمرشّحين على حدّ سواء. وينقل أنّ الحزب يبني موقفه ليس استناداً إلى الإشكاليّات التي تحيط دولياً بالحزب فحسب، بل وبالطائفة الشيعية في بعض الدول العربية، متحدّثاً عن إشكالية جوهرية تحيط بالعملية الانتخابية تصل إلى حدّ الإشكالية الميثاقية لحساسيّة العلاقة بين المكوّنات الطائفية.
فياض لـ”أساس”: موقف الحزب مرتبط بعاملين: عامل سياسي يقوم على كون الحزب موضوعاً على لوائح الإرهاب ومحظوراً في عدد من الدول، وعامل تقنيّ مرتبط بالشوائب التي اعترت العملية الانتخابية السابقة
تتفهّم القوى الأخرى موقف الحزب هذا، فتذهب حركة أمل إلى مساندته في مطلبه تعليق اقتراع المغتربين، إلا أنّ ذلك لا ينسحب على كلّ القوى. فالتيار الوطني الحر، حليف حزب الله الأساسي، يمانع على لسان نائبه آلان عون تعليق البندين على حدّ سواء. إذ يعتبر عون، في حديث لـ”أساس”، أنّه إذا توافق الجميع على إلغاء البند المتعلّق بتخصيص ستّة مقاعد لنواب الاغتراب، فلا يمكن السماح بإلغاء اقتراع المغتربين لأنّ ذلك يُعتبر قمعاً لحقّهم في التصويت الذي سبق أن مارسوه في دورة انتخابية سابقة، ويجب أن يبقى. ولذا يعرِّض أيّ إلغاء لهذا الحقّ العمليّةَ الانتخابيّةَ لطعن لدى المجلس الدستوري.
أمّا القوات اللبنانية فترفض إلغاء أو تعليق اقتراع المغتربين، على لسان نائبها جورج عدوان، الذي يقول لـ”أساس” إنّ ذلك يستحيل أن يحدث لأنّه يُعتبر خرقاً دستورياً فاضحاً.
بدوره، يقول عضو اللقاء الديموقراطي النائب بلال عبد الله لـ”أساس” إنّه على الرغم من معارضة حزبه لقانون الانتخاب هذا بشكل عامّ، إلا أنّه حريص على تطبيقه للمحافظة على حقّ اقتراع المغتربين.
لكن ماذا سيفعل حزب الله إذا أصرّت الكتل السياسية الأخرى على موقفها من المحافظة على حقّ المغتربين بالاقتراع؟
يجيب فياض بأنّ النقاش حول هذا الموضوع هادئ، وسبق أن بدأ، وسيُستكمَل في جلسة لمجلس النواب. ويضيف أنّ تخوّف حزب الله ليس متعلّقاً بالقوة الانتخابية للحزب الذي يمتلك امتداداً كبيراً، بل بالخوف من التعقيدات القانونية التي قد تطول الناخبين المقترعين لحزب الله في ولاية ميشيغن الأميركية، على سبيل المثال.
15 دائرة انتخابية مع صوت تفضيليّ واحد، واعتماد النسبيّة في بعض الدوائر، وتقريب موعد إجراء الانتخابات من 8 أيار 2022 إلى يوم الأحد 27 آذار من العام نفسه، أي قبل حلول شهر رمضان في نيسان، هي من الثوابت التي توقّفت عندها القوى مبدئيّاً. على أن تُلغى البطاقة الممغنطة والميغاسنتر لعدم وجود قدرة على تنفيذها.
إقرأ أيضاً: الديموقراطيّة والانتخابات: لا تعايش مع سلاح الحزب
أمّا الإشكاليات المتعلّقة ببنديْ الاغتراب، فمنهم مَن يقول إنّ حزب الله سيفرض كلمته على القوى في نهاية المطاف لأنّ أسبابه “واقعية”، ومنهم مَن لا يراها سوى واجهة للقوى السياسية التي تتخوّف من قدرة الصوت الاغترابي على التأثير في نتائج الانتخابات النيابية، وعليه لا مصلحة لها باقتراعه.
لكنّ الأكيد أن لا نواب للمغتربين، وأنّ تصويت المغتربين بات في مهبّ الريح أيضاً.