جريمة المرفأ: سرّ إخفاء السرّ

مدة القراءة 5 د

منذ جريمة تفجير مرفأ بيروت في الرابع من شهر آب من العام الماضي، ارتفعت علامات الاستفهام عن كيفيّة وقوع الجريمة وأسبابها؟ ومَن هو المسؤول؟ ومن هو صاحب المصلحة؟.. إلخ.. إلخ.

السؤال الوحيد الذي لم يرتفع بشكل جدّي هو: لماذا لم يحصل لبنان على صورة واحدة من أيّ قمر صناعي لحادث التفجير؟

هناك الآلاف من الأقمار الصناعية التابعة لعدّة دول شرقية وغربية تجوب فضاء الكرة الأرضية على مدى الأربع والعشرين ساعة. وتلتقط هذه الأقمار تلقائياً صوراً لكلّ حدثٍ، ولكلّ حادثٍ يقع في أيّ مكان من الكرة الأرضية. من أجل ذلك دخل العالم مرحلة جديدة يُطلق عليها العلماء “مرحلة مصادر الاستعلامات المفتوحة” (Era of Opensource Intelligence).

صور الحادث الفاجعة موجودة لدى أكثر من دولة من الدول التي تملك أقماراً صناعية. فلماذا لم يحصل التحقيق في لبنان على صورة واحدة منها حتى الآن؟

فمَن أغلق هذه المصادر في وجه التحقيق في لبنان؟ أو لماذا تجاهل التحقيق هذه المصادر حتى الآن؟

قبل عشرين عاماً كان الحصول على صورة من الفضاء لحادثٍ ما وقع في الأرض يكلّف بضعة آلاف من الدولارات. أمّا اليوم فيمكن الحصول على الصور بمجرّد طلبها ومجّاناً. وهناك سوابق عديدة:

1- التقطت الأقمار الصناعية صور إطلاق الصاروخ الذي أسقط طائرة الركاب الماليزية (م.هـ. 117) فوق أوكرانيا في عام 2014.

2- والتقطت الأقمار الصناعية صور العملاء الذين حاولوا اغتيال الجاسوس الروسي السابق سيرجي سكريبال في إنكلترا عام 2018.

3- والتقطت الأقمار الصناعية صور المعسكرات التي تقيمها الصين لإعادة تأهيل جماعات من شعب الإيغور المتمرّد على السلطة في بيجين.

4- وخلال المباحثات الأميركية – الصينية الأخيرة أبرز الأميركيون صوراً التقطتها الأقمار الصناعية لمخابئ الصواريخ النووية التي تقيمها الصين في الصحراء. وهناك صور مماثلة، قدّمها الوفد الأميركي والوفود الأوروبية إلى مؤتمر فيينا، للتوسّعات التي تقوم بها إيران في منشآتها النووية.

5- وعندما ارتكب مهاجر إلى الولايات المتحدة جريمة إطلاق النار على المتسابقين في مدينة بوسطن في عام 2013، ساعدت صور للحادث التقطها قمر صناعي أميركي في التعرّف على القاتل، وملاحقته واعتقاله.

الصور التي تلتقطها هذه الأقمار ليست زهيدة الثمن فقط، ولكنّها مجّانيّة لكلّ مَن يطلبها. وهي صور دقيقة إلى حدٍّ كبير. إنّها تستطيع أن تقرأ لوحة سيارة تسير في طريق جبليّ متعرّج بسرعة مئة كيلومتر في الساعة. وهي التي كشفت ترسانة الصواريخ الباليستية التي تملكها كوريا الشمالية.

فهل يُعقل أنّ الآلاف من الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض على مدى 48 ساعة، وتلتقط صوراً عن كل حادث، حتى عن اصطدام سيّارتين في مكان ما منعزل، أن تغفل عن تصوير انفجار ضخم بحجم الانفجار الذي دمّر مرفأ بيروت، ومعه نصف العاصمة اللبنانية؟

حادث تفجير مرفأ بيروت يُصنَّف الآن أكبر حادث تفجيريّ غير نوويّ من صنع البشر عرفته الإنسانية. فلماذا لم تُنشر أيّ صورة حتى اليوم لهذا الحادث الإرهابي المفجع؟

صور الحادث الفاجعة موجودة لدى أكثر من دولة من الدول التي تملك أقماراً صناعية. فلماذا لم يحصل التحقيق في لبنان على صورة واحدة منها حتى الآن؟

مَن يملك الصور يعرف جيّداً ماذا حدث بالفعل، وكيف. فما هو السرّ في إخفاء هذه الصور؟ بل وما هو السرّ وراء عدم الإلحاح في طلبها؟

قبل أن تغزو الولايات المتحدة أفغانستان في عام 2001، بادرت إلى شراء الصور والمعلومات من مصادر مختلفة عن مواقع القاعدة وتسلُّحها. لم تكن تقنيّة التصوير عبر الأقمار الصناعية موجودة أو فعّالة.

وقبل اجتياح العراق في عام 2003، فإنّ الصور التي قدّمها الوفد الأميركي إلى مجلس الأمن الدولي، وتُظهر صناعة القنابل الجرثومية والكيمياوية في العراق، كانت مفبركة، كما اعترفت بذلك فيما بعد الولايات المتحدة نفسها. ذلك أنّه لم تكن لدى الولايات المتحدة في ذلك الوقت القدرة الفنيّة التي تملكها اليوم للتصوير عبر الأقمار الصناعية، ولأنّ العراق لم يكن يملك في الأساس مثل هذه الأسلحة.

أمّا اليوم فإنّ الوضع أصبح مختلفاً. فالأقمار الصناعية التي تملكها دول كبرى مثل روسيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا واليابان، والتي يملكها أيضاً العديد من الدول الأخرى، مثل كوريا والهند وألمانيا والبرازيل وغيرها، تلتقط على مدار الساعة صوراً لكلّ حادث تشهده الكرة الأرضية.

وكان حادث تفجير مرفأ بيروت من العنف بحيث يُصنَّف الآن أكبر حادث تفجيريّ غير نوويّ من صنع البشر عرفته الإنسانية. فلماذا لم تُنشر أيّ صورة حتى اليوم لهذا الحادث الإرهابي المفجع؟ ومَن هي الجهة التي حرّكت العصا السحرية للامتناع عن نشر أيّ صورة للحادث التقطتها الأقمار الصناعية؟ ولماذا؟

إنّ طرح هذا السؤال الأخير “لماذا؟” يحمل في طيّاته علامات استفهام عديدة وكبيرة.

هناك ثلاثة أسئلة يتمحور حولها التحقيق. وهذه الأسئلة هي:

1- مَن يملك نيترات الأمونيوم التي خُزِّنت في باخرة “معطّلة” في مرفأ بيروت؟

2- مَن استخرج الكميّة الكبيرة من هذه النيترات؟ كيف؟ وإلى أين؟

3- مَن فجّر العنبر الذي يحمل بقايا النيترات؟ كيف؟ ولماذا؟

إقرأ أيضاً: محاكاة 4 آب… تعزّز نظرية “التلحيم”

لا شكّ أنّ صور الأقمار الصناعية تملك الجواب على هذا السؤال الأخير.. وهو الجواب المدخل للإجابة على السؤالين الآخرين.

من هنا أهميّة صور الأقمار الصناعية التي لا يسأل أحد عنها، أو التي يتوافق الجميع على إخفائها.

 

مواضيع ذات صلة

أكراد الإقليم أمام مصيدة “المحبّة” الإسرائيليّة! (2/2)

عادي أن تكون الأذهان مشوّشة خارج تركيا أيضاً بسبب ما يقوم به دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية وحليف رجب طيب إردوغان السياسي، وهو يدعو…

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…