في مسار منفصل عن ملابسات وصول باخرة “روسوس” المحمّلة بنيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت عام 2013، وتخزينها في العنبر رقم 12 المعروف بـ”عنبر الموادّ المشتعلة”، أُجرِيت محاكاة يوم الأربعاء في مرفأ بيروت للتثبّت من فرضيّة أساسيّة: هل أدّى التلحيم إلى التسبّب بالحريق داخل العنبر ثمّ الانفجار؟
يمكن القول، نتيجة تجارب عدّة أُجرِيت في اليوم الأنسب “مناخياً” لتنفيذ المحاكاة مقارنة بـ4 آب 2020، إنّ تلحيم بوابة العنبر رقم 12 شكّل سبباً رئيسياً لاندلاع الحريق، كنتيجة لدخول شرارات التلحيم إلى الداخل، ثمّ تسبّبها بالانفجار الهائل، بسبب وجود أكياس نيترات الأمونيوم إلى جانب موادّ عدّة قابلة للاشتعال.
يُتوقّع أن يصدر تقرير تقنيّ وسرّيّ مفصّل عن عملية المحاكاة التي بدأت عند الساعة الرابعة، وانتهت عند الساعة الثامنة ليلاً، سيُضمّ إلى أوراق ملف انفجار مرفأ بيروت والقرار الظنّي
واستغرقت التجارب وقتاً طويلاً نسبياً بسبب اعتراض بعض محامي أهالي الضحايا، أي فريق الادّعاء، أكثر من مرّة، ضمن توجّه واضح يصبّ في إطار نسف أيّ دليل يمكن أن يثبّت هذه الفرضيّة. وهو توجّه يدعمه فريق سياسي – إعلامي يروِّج بشكل دائم لنظرية المؤامرة والعمل الإرهابي المقصود.
وقد أكّدت مصادر أمنيّة لـ”أساس” أنّ “تقارير فوج الهندسة في الجيش اللبناني وشعبة المعلومات والـFBI والتحقيق الفرنسي، تقاطعت جميعها عند عدم وجود ما يُثبت نظرية إطلاق صاروخ أو عمل إرهابي عسكري. وهو واقع يدحض فرضيّة العمل المقصود، ويرجّح أكثر فأكثر فرضية حصول الانفجار بسبب “التلحيم” الذي أدّى إلى حريق داخل عنبر يحتوي على مكوّنات قنبلة شبه نووية”.
وتضيف المصادر: “التقرير الفنّي التقني سيتضمّن كلّ مراحل عملية المحاكاة التي تمّت بوجود لجنة مشتركة من ضبّاط الجيش وشعبة المعلومات والمحقّق العدلي وقضاة والدفاع المدني، وخلاصته الأساسية أنّ التلحيم تسبّب بدخول شرارة إلى داخل العنبر رقم 12، فأحدث حريقاً قاد إلى الانفجار الهائل بوجود “صاعق” منه وفيه”.
ويُتوقّع أن يصدر تقرير تقنيّ وسرّيّ مفصّل عن عملية المحاكاة التي بدأت عند الساعة الرابعة، وانتهت عند الساعة الثامنة ليلاً، سيُضمّ إلى أوراق ملف انفجار مرفأ بيروت والقرار الظنّي.
واُتُّخِذ القرار بتنفيذ المحاكاة بعد تأجيل متكرّر، إذ انتظر المعنيّون الظروف المناخية الأكثر مطابقةً ليوم الانفجار، بالتنسيق مع مصلحة الأرصاد الجوّية. وحضر المحاكاة المحقّق العدلي في القضية القاضي طارق البيطار ومساعدوه، إلى جانب وكلاء الدفاع عن أهالي الضحايا والمُدّعى عليهم، وأعضاء اللجنة الفنية العسكرية التي تولّت الإشراف على بناء نموذج عن العنبر رقم 12 والإعداد لعملية المحاكاة.
أكّدت مصادر أمنيّة لـ”أساس” أنّ “تقارير فوج الهندسة في الجيش اللبناني وشعبة المعلومات والـFBI والتحقيق الفرنسي، تقاطعت جميعها عند عدم وجود ما يُثبت نظرية إطلاق صاروخ أو عمل إرهابي عسكري
وأُجرِيت نحو سبع تجارب، وتدخّل أكثر من مرّة بعض محامي الادّعاء مسجّلين اعتراضهم، وتحديداً منذ التجربة الأولى التي أثبتت أنّه بنتيجة التلحيم دخلت شرارات نارية إلى داخل العنبر (عبر الفتحة التي تفصل الباب الحديدي عن الأرض) كانت كفيلة بالتسبّب بالحريق.
وقد تولّى التجارب الأولى خبيرٌ محلّفٌ من شعبة المعلومات استخدم ماكينة التلحيم نفسها التي استخدمها السوري أحمد رجب في يوم الانفجار بعد إزالة الشمع الأحمر عنها.
ومنذ المرّة الأولى تمّ التثبّت من دخول شرارة التلحيم من الباب الخارجي إلى داخل العنبر رقم 12. لكنّ أحد محامي أهالي الضحايا يوسف لحود اعترض على النتيجة لكون الشرارة لم تتجاوز مسافة 30 سنتم صوب الداخل، فيما التقارير تفيد أنّ الحريق قد تكون تسبّبت به شرارات دخلت إلى عمق 70 سنتم. فتمّ تكرار التجربة، وثَبُت بالملموس تجاوزها مسافة 70 سنتم.
وتكرّرت التجارب للتثبّت من فرضية أنّ الحريق الذي نشب بنتيجة دخول شرارات التلحيم هو الذي أدّى إلى الانفجار بعد احتراق الموادّ القابلة للاشتعال التي كانت ملاصقة لأكياس نيترات الأمونيوم.
وقد تمّ وضع عيّنة صغيرة من مواد قابلة للاشتعال بشكل مشابه للوضع الذي كانت عليه يوم انفجار 4 آب. ومرّة جديدة تأكّد بالملموس أنّ الحريق هو سبب محتمل كبير لاحتراق هذه الموادّ القابلة للاشتعال، والتسبّب بانفجار ربّما بضخامة انفجار 4 آب.
وآخر التجارب نفّذها السوري أحمد رجب بماكينة التلحيم نفسها. وقد ادّعى أوّلاً أنّه نسي الطريقة التي اعتمدها في التلحيم. وربّما نتيجة الخوف من تحمّل مسؤولية التسبّب بانفجار بحجم انفجار 4 آب، ارتبك رجب كثيراً خلال “إعادة تمثيل” التلحيم لدرجة قيامه بالتلحيم بطريقة “التنقيط” وليس “الدَرِز”، كما فعل سابقاً، الأمر الذي دفع قاضية مساعدة للبيطار إلى الاقتراب منه لتحذيره من أنّه “يُلحّم” بطريقة لا تتوافق مع إفادته في محاضر التحقيق. لكن بالنهاية، وبعد تعديله طريقة التلحيم، دخلت شرارات أكبر إلى داخل العنبر.
إقرأ أيضاً: 4 آب: شهيد حيّ يقلب الموازين ويكذّب الأمنيّين
وتولّى الجيش تصوير كامل العملية من خلال كاميرات مثبّتة في الداخل وكاميرا خارجية، إضافة إلى “درون”. ويُتوقّع انتهاء اللجنة الفنية من وضع تقريرها خلال أسبوعين.
وقد أُنشىء لهذه الغاية مجسّم مشابه للعنبر رقم 12 على بعد أمتار من الفجوة التي أحدثها الانفجار، مع بوابة واحدة تتطابق مع تلك التي خضعت للتلحيم.