بعض المعنيّين بالسجال المشتعل بين رئاسة الجمهورية ورؤساء الحكومات السابقين، لم يرَ في بيان الجهة الأولى إلا إسقاطاً واضحاً للمثل القائل: “وكاد المريب أن يقول خذوني”.
يضيفون أنّه كان يُؤمَل من البيان الصادر عن قصر بعبدا أن يسرد وقائع دفاعية عن موقع الرئاسة الأولى بعد اتّهام رؤساء الحكومات السابقين “فخامة الرئيس ميشال عون شخصياً، وهو الذي اعترف بأنّه قد علم بوجود هذه الكمّيات الكبيرة من نيترات الأمونيوم في عنابر مرفأ بيروت قبل خمسة عشر يوماً من تاريخ التفجير المريب، وخصوصاً أنّ فخامته هو الضابط وقائد الجيش السابق الذي يعلم تمام العلم بأنّ القوانين المرعيّة الإجراء في لبنان تحظر إدخال أيّ كميّة من هذه المواد إلى الأراضي اللبنانية من دون إذن مسبق من مجلس الوزراء، وبعد موافقة المراجع العسكرية والأمنية المختصّة، لِما تشكّله تلك المواد من مخاطر هائلة”…. إلّا أنّ الرئاسة فضّلت الدفاع عن المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار والاصطفاف إلى جانبه، وأن تضرب عرض الحائط بالمادتين 70 و71 من الدستور.
يقول هؤلاء إنّ الكثير من علامات الريبة نشأت إثر إصرار الرئاسة الأولى على الانحياز للمحقّق العدلي تحت عنوان أنّ “الكلام الخطير في البيان عن “العدالة المقنّعة” و”القضاء المسيّس” فيه إهانة واستضعاف مرفوض ومشين للسلطة القضائية”، في وقت امتنعت على سبيل المثال لا الحصر، عن منح الإذن بملاحقة المدير العام لأمن الدولة اللواء أنطوان صليبا، وبعدما عطّلت التشكيلات القضائية، وبعدما امتنعت عن توقيع مرسوم إعفاء المدير العام للجمارك بدري ضاهر… وضغطت، في المقابل، على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب للمثول أمام المحقق العدلي. كلّ هذا لأنّ “العدالة لا تنال من أيّ موقع دستوري إذا مورست من المرجع المختصّ، ولبنان عانى ولا يزال من الخطوط الحمر الطائفية لدى كل مساءلة”.
بعض المعنيّين بالسجال المشتعل بين رئاسة الجمهورية ورؤساء الحكومات السابقين، لم يرَ في بيان الجهة الأولى إلا إسقاطاً واضحاً للمثل القائل: “وكاد المريب أن يقول خذوني”
بالنتيجة، يُثبت بيان الرئاسة الأولى أنّ هناك تماهياً واضحاً مع موقف “التيار الوطني الحر” حين قاطع جلسة مجلس النواب التي كانت مخصّصة لمناقشة العريضة الاتهامية، فطيَّر النصاب وأخذ النقاش في صلاحية المحقّق العدلي بملاحقة الرؤساء والوزراء في قضية انفجار المرفأ، إلى ساحات اشتباك جديدة.
أمّا أسباب هذا الانحياز فلا تزال، وفق هؤلاء، غير مفهومة، إلا ضمن احتمالين:
1- رفع وتيرة الاشتباك السياسي لتكون بالنتيجة حكومة نجيب ميقاتي أولى ضحاياه، بدليل الكلام العالي النبرة الذي أدلى به رئيس الحكومة المكلّف خلال الساعات الأخيرة، مشيراً إلى أنّه “في كل اجتماع نبدأ وكأنّنا في المربّع الأول، لكنّني لا أقول كل شيء على الإعلام كي لا أنشر الإحباط”. فأكّد بهذا الكلام أنّ شظايا الخلاف بين بعبدا ورؤساء الحكومات السابقين بسبب مذكّرة الإحضار المسطّرة بحق دياب، طالت الحكومة العتيدة. خصوصاً أنّها القنبلة الثانية التي تنفجر بوجه ميقاتي، بعد قنبلة مذكّرة البحث والتحرّي المسطّرة بحقّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، التي يعرف تماماً أنّه مقصود بها كما سلامة.
يعتبر أصحاب هذا الرأي أنّ الفريق العوني لا يبحث عن قيام حكومة في هذه اللحظة بالذات، إلّا إذا كانت ملائمة لشروطهم المرتبطة بمرحلة الشغور الرئاسي. أمّا السيناريو المفضّل بالنسبة إليهم فهو الدفع باتجاه “مؤتمر تأسيسي” يُجري تعديلات دستورية شاملة تعيد بعض الصلاحيات المسلوبة، على أن تكون هذه النفضة في عهد ميشال عون لا بعده.
2- تمهيد الطريق أمام المحقّق العدلي لكي تطول الدفعة الثانية من الادّعاءات رؤساء حكومات سابقين، أي سعد الحريري وتمام سلام، مع العلم أنّ ملف القروض المصرفية الخاصّ بنجيب ميقاتي لم يقفل إلى الآن.
إقرأ أيضاً: اللقاء الـ13: الحكومة “رهينة” الأسماء والضغط الخارجيّ
وبمعزل عن ذلك، فإنّ تصدّي الرئاسة الأولى لبيان رؤساء الحكومات السابقين من خلال إبراز حسان دياب وكأنّه “مطلوب” وغير ملتزم بنصوص الدستور، سيزيد من سوء العلاقة القائمة بين الرئاسة الأولى وبين رئاسة حكومة تصريف الأعمال. فقصر بعبدا لا يهضم فكرة رفض دياب الدعوة إلى عقد جلسات لمجلس الوزراء ولو أنّ الرئاسة الأولى توظّف مؤسسة المجلس الأعلى للدفاع ليكون بمنزلة سلطة تنفيذية رديفة… لكنّها كانت تفضّل لو أنّ دياب يكسر القاعدة ويعيد تفعيل مجلس الوزراء. أمّا بعد صدور بيان الرئاسة الأولى، فيبدو أنّ الضرر في العلاقة الثنائية بات أكبر. فيكون عون قد استعدى طائفة بأكملها، ويحاول شطبها وإلغاءها من خلال حبس توقيعه عن تشكيل الحكومة، ومن خلال رعايته تحقيقاً مسيّساً بشكل بات فاضحاً.