في ظلّ كارثة إنسانية كالتي يمرّ بها لبنان يُشبِه جرمُ “احتكار” الحقائب وتسمية بعض الوزراء جرمَ مُحتكري الأدوية والمحروقات والسلع الغذائية. لا فارق إطلاقاً بين الاثنين ما دام المسار واحداً ويقود إلى مزيد من الفوضى والتفتّت الداخلي.
لم يفقد الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي أعصابه تماماً. أصلاً الرجل بارد إلى حدّ الصقيع. وبهذا الهدوء، بعكس الرئيس سعد الحريري، يدير مفاوضات تأليف الحكومة التي قد تقوده إلى الاعتذار الثالث، أو إلى التأليف بـ”شقّ النَفَس”.
راصدو بعبدا أنّ “المطلوب عونيّاً من الحكومة، إضافة إلى إدارتها مرحلة الإنقاذ والتفاوض مع المجتمع الدولي وإقرار خطة الإصلاحات، هو الدور الذي ستلعبه على مستوى تعيينات مالية وإدارية وأمنيّة ستمتدّ بين مرحلتيْ نهاية عهد عون وبدء عهد جديد
ضمن هذا السياق، أتى تريّث الرئيس المكلّف بزيارة بعبدا يوم أمس، بناءً على نصائح، تأميناً لظروفٍ أفضل تمهّد لتقليص مسافات التباعد بين الرئيسين إلى الحدّ الأدنى. وتبيّن أنّ السفارة الأميركية في بيروت والجانب الفرنسي كانا يتابعان في الساعات الماضية تفاصيل النقاش في الحقائب والأسماء، مع رسم خطٍّ أحمر حول بعض الحقائب “كي لا تؤول إلى فريق سياسي معيّن بأسماء نافرة حزبياً لا تتناسب مع متطلّبات المرحلة”.
وفق المعلومات، صارح ميقاتي رئيس الجمهورية في آخر اتصال بينهما أنّه “لن يسجّل على نفسه تقديم تشكيلة متكاملة من 24 وزيراً أمام أعين الإعلاميين والرأي العام لتعود الأمور مجدّداً إلى ملعب التجاذب الكفيل بتطيير تفاهمات سابقة”.
ولذلك يسعى ميقاتي إلى أن تكون زيارته الثالثة عشرة لبعبدا تمهيدية لولادة الحكومة مع إمكان إجراء تعديلات طفيفة عليها لا تمسّ بالجوهر، خصوصاً أنّها ستكون غير مقفلة بالأسماء، بمعنى وجود أكثر من “أوبشن” في الأسماء.
واليوم يُطفئ ميقاتي شمعة الشهر الأول من التأليف الصعب، على أمل أن يشكّل اللقاء الـ13 انفراجة حكومية تبدو فعلاً رهينة الاتفاق على الأسماء والضغط الخارجي معاً.
صحيح أنّ عِقَداً عِدّة قد ذُلِّلت خلال الأسابيع الماضية، لكنّ نوعيّة العقد المتبقّية، التي تحول دون صدور مراسيم الحكومة والتقاط الصورة التذكارية، تكشف عمق الأزمة بين ميشال عون ومفاوضيه على الطرف الآخر من الطاولة. وهي تشبه جولات الكباش التي قادها الفريق الرئاسي عند تأليف حكومتيْ الحريري منذ عام 2016، حسب تأكيد أوساط بعبدا.
واقعٌ يَطرح تساؤلات جدّيّة عن مصير حكومة ستُلقى على عاتقها “مهمّات صعبة” بإشراف دولي، فيما أركانها الذين انتدبوا “ممثليهم” فيها لا يتوقّفون عن جولات المصارعة وتصفية الحسابات فيما بينهم على بعد أشهر قليلة من نهاية العهد.
أمّا ميقاتي الذي يرفع بعض الفيتوات شخصيّاً أو نيابةً عن الحريري، فيبدو مُحاصراً بأسماءٍ نافرة بولاءاتها السياسية لأكثر من طرف، الأمر الذي قد يؤسّس لـ”مشكل قريب داخل الحكومة” إن وُلِدت.
وفق المعلومات، صارح ميقاتي رئيس الجمهورية في آخر اتصال بينهما أنّه لن يسجّل على نفسه تقديم تشكيلة متكاملة من 24 وزيراً أمام أعين الإعلاميين والرأي العام لتعود الأمور مجدّداً إلى ملعب التجاذب الكفيل بتطيير تفاهمات سابقة
عمليّاً، لا تزال الفيتوات المتبادلة على الأسماء تمنع ولادة الحكومة، إضافةً إلى عدم تثبيت بعض الحقائب كالشؤون الاجتماعية التي يصرّ عون على أن تكون من حصّته، وسمّى لها شخصية قريبة جداً من باسيل هو ريمون طربيه (ماروني) الذي سبق أن تبنّى اسمه في التشكيلة التي كشف عنها الحريري في مؤتمره الصحافي في 25 شباط الماضي، وكانت تتضمّن أسماء مقترحة من عون مطبوعة بـ”اللون الأصفر”. وتضمّنت اللائحة آنذاك عبدالله بو حبيب للخارجيّة، وسعيد الرز (سنّيّ) للداخلية، وجويل فواز أو زوجها هنري خوري أو أنطوان إقليموس للعدل، وبيار خوري للطاقة.. وهي أسماء عاد إلى اقتراحها في تشكيلة ميقاتي.
ومصير “المرجعية السياسية” للشؤون الاجتماعية مرتبط بمصير حقيبة الطاقة التي لا تزال عنوان كباش لم يُحسم بعد على مستوى “مُحتكرها” أو اسم الوزير المُقترح لها، والتي يوليها الفرنسيون أهمّية مطلقة.
وفق المعلومات أيضاً، هناك رفض ثلاثي الأبعاد، محوره ميقاتي-برّي-الحريري، لتمركز حقائب معيّنة (الاتصالات، الطاقة، الاقتصاد، العدل)، سبق أن صنّفها الفرنسيون بأنّها “محورية لإدارة عملية الإنقاذ”، بيد ميشال عون وفريقه السياسي أو أيّ حزب آخر.
والخلاف على التسمية لا يزال يطول عدّة حقائب، منها العدل والداخلية والاقتصاد والطاقة والخارجية، في ظلّ اتّهام مباشر لعون وجبران باسيل بممارسة كلّ أنواع المناورات للخروج بثلث معطِّل في التشكيلة الميقاتية. وفيما يطرح سليمان فرنجية للصناعة اسم جوني قرم المقرّب منه، فإنّ الاسم يصطدم بفيتو من عون.
ويتبدّى حرص عون، بعد استقرار حقيبة الداخلية بيد ميقاتي-الحريري، على الإتيان بشخصية تكون حلّاً وسطاً مع الرئيس المكلّف.
الاسم الذي اقترحه عون، وهو العميد أحمد الحجار (سبق أن اقترح العميد سعيد الرز)، لا يزال مرفوضاً من قبل ميقاتي لعدّة أسباب، منها أنّه عضو حالي في مجلس القيادة في قوى الأمن الداخلي ويخضع لإمرة المدير العام اللواء عماد عثمان، وقد يُفسَّر توزيره بأنّه رسالة سلبية للحريري وعثمان.
لكنّ مؤيّدي هذا الطرح يجزمون أنّه “ليس هناك من أزمة تراتبيّة وإمرة، فما دام الضابط في الخدمة العسكرية لا يجوز لرتبة أدنى أن تمارس سلطة على رتبة أعلى. وحين يتمّ تسريح الضابط لا يعود يخضع للقانون العسكري، وبالتالي لا موجبات تراتبية على رتبته، وإنّما حقوق فقط مثل الراتب، الطبابة…”.
وفي المقابل، فإنّ اسميْ اللواء إبراهيم بصبوص والعميد مروان الزين المقترحين من ميقاتي لم ينالا رضى بعبدا، بعد الاقتراح “الأصلي” من جانب الرئيس المكلّف لاسم القاضي هاني حلمي الحجار. والخلاف على حقيبة الداخلية فرّخ شرخاً أكبر حيال حقيبة العدل التي يتصرّف عون على أساس أنّها من الحصّة الرئاسية، تماماً كما المال بالنسبة إلى الرئيس برّي، “والتسمية تعود له فقط”.
إقرأ أيضاً: إعتذر يا دولة الرئيس!
ويقول راصدو بعبدا أنّ “المطلوب عونيّاً من الحكومة، إضافة إلى إدارتها مرحلة الإنقاذ والتفاوض مع المجتمع الدولي وإقرار خطة الإصلاحات، هو الدور الذي ستلعبه على مستوى تعيينات مالية وإدارية وأمنيّة ستمتدّ بين مرحلتيْ نهاية عهد عون وبدء عهد جديد. ولذلك يحرص عون وباسيل على الإمساك بقرار التعيينات داخل الحكومة المرتقبة، وربّما الخطوة الأهمّ هي الإطاحة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. ومن الأمثلة أيضاً تعيين المدير العام لوزارة المال والمدير العام للجمارك، وهما موقعان مسيحيان محسوبان بالأساس على ميشال عون”.
لكن أمس كرّر باسيل نفيه “التدخّل أو التفاوض أو وجود أيّ رغبة لديه في الخوض في المسار الحكومي، سوى رغبة تسهيل عملية التشكيل سياسياً وإعلامياً”.