هبطت فجأة الأنباء عن قرب تشكيل حكومة جديدة. هل من تفسير لهذا التحوّل غير وصفه بـ”الأعجوبة”، وإن كانت غير أكيدة؟ لكن لا بدّ من معطيات تعيد البحث إلى عالم المنطق. والبداية هي من السؤال الآتي: هل دخلت ضغوط على خط التأليف جعلت ما كان مستحيلاً لدى رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه وحلفائه بالأمس وارداً اليوم؟
في معلومات لـ”أساس” من مصادر سياسية ذات صلة بدوائر القرار في فرنسا، أنّ دفعة من العقوبات الأوروبية كانت على وشك الصدور بحقّ الرئيس عون وعدد من أبرز أعضاء فريقه، وفي مقدّمهم النائب جبران باسيل والمستشار سليم جريصاتي، هذا الأسبوع، وتحديداً يوم الجمعة في 13 آب الجاري. وستكون مثل هذه العقوبات بمنزلة إسقاط “ورقة التوت” عن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي عموماً، وفرنسا خصوصاً، وبين العهد الحالي.
لا يتمتّع الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي بأيّة مزيّة عن سلفه الرئيس الحريري الذي بقيت تفصله مسافة عن الرياض التي لم يزرها طوال الأشهر التي أمضاها رئيساً مكلّفاً
وفي هذه المعلومات أيضاً أنّ تطوّراً في الموقف الإيراني من لبنان حدث في الأيام الماضية أدّى إلى تغيير في طريقة تعامل “حزب الله” مع ملف تأليف حكومة، وأدّى إلى تكثيف الاتصالات بين حارة حريك وقصر بعبدا التي تولّتها مباشرة شخصية أمنيّة قيادية في الحزب، مضفيةً طابع العجلة على هذه الاتصالات ودقّتها.
وخارج هذين العاملين الأوروبي والإيراني، لم تكن إشارات الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي إلى أنّه بصدد الذهاب إلى خيار الاعتذار قريباً، قد أثّرت في موقف الرئيس عون الذي كان حتى الأمس القريب متشدّداً في وجه الرئيس ميقاتي غير آبه بما قد يدفع الأخير إلى خانة المعتذرين التي تضمّ حالياً السفير مصطفى أديب والرئيس سعد الحريري.
في توسعة لهذه المعطيات سأل “أساس” المصادر السياسية المشار إليها آنفاً عن “سرّ” التحوّل في الموقف الأوروبي من الرئيس عون وفريقه بعد أيام قليلة على الكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في المؤتمر الدولي لدعم الشعب اللبناني في 4 آب الجاري. في تلك الكلمة قال ماكرون: “… لقد تمكّنّا من اتخاذ تدابير صارمة ضد الشخصيات المنخرطة في الفساد والتعطيل السياسي في لبنان…”. لكنّ هذا الوعيد جاء بعد عبارات ترغيب في كلمة الرئيس الفرنسي عندما توجّه إلى الرئيس عون بـ”التأكيد على التقدير الذي يكنّه له ولشخصيّته المناضلة من أجل الحرية…”. تجيب المصادر على هذا السؤال، فتحيل الجواب على النص الفرنسي لكلمة الرئيس ماكرون الذي وردت فيه عبارات الإشادة برئيس الجمهورية اللبناني وفق قواعد اللغة التي تتحدّث عن ماضي الممدوح الذي صار في حاضره خارج ماضيه. ووفقاً لهذا الأسلوب اللغوي، فإنّ كلام ماكرون هو في حقيقته توبيخ أكثر منه مديحاً. وهكذا تكون الفقرة، التي ورد فيها ذكر “تدابير صارمة”، هي الأساس الذي وصل إلى من يعنيهم الأمر في لبنان، وتحديداً إلى قصر بعبدا. وأهمّ ما في هذه العقوبات أنّها تقطع “الشكّ” الأوروبي بـ”اليقين” الأميركي بأنّه يجب التعامل مع العهد الحالي ووريثه جبران باسيل على أنّهما “مطلوبان للعدالة”. وهذا يعني أنّ التدابير التي أشار إليها الرئيس الفرنسي تتجاوز حرفيّة العقوبات إلى المستقبل السياسي لكلّ الإرث الذي يريد عون أن يحافظ عليه.
في معلومات لـ”أساس” من مصادر سياسية ذات صلة بدوائر القرار في فرنسا، أنّ دفعة من العقوبات الأوروبية كانت على وشك الصدور بحقّ الرئيس عون وعدد من أبرز أعضاء فريقه، وفي مقدّمهم النائب جبران باسيل والمستشار سليم جريصاتي، هذا الأسبوع
في ما يتعلّق بـ”التحوّل” الذي طرأ على موقف طهران من تطوّرات لبنان، فقد جاء وسط تدهور كبير في العلاقات بين الغرب والجمهورية الإسلامية، بالتزامن مع تسلّم الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي مسؤولياته. ووفق المعلومات، فإنّ المرشد علي خامنئي ليس في وارد أن يضع فوق كاهل رئيسي الذي جاء بدعم منه عبء مواجهة قاسية مع الغرب وسط أزمات تمرّ بها الجمهورية الإسلامية لا سابق لها وعلى كل المستويات. لذا يفضِّل إرسال إشارات تهدئة، بعد التصعيد الأخير في بحر عُمان وجنوب لبنان، مفادها أنّ طهران تريد العودة جدّيّاً إلى طاولة المفاوضات في جنيف التي توقّفت في نهاية حزيران الماضي. ومن ضمن هذه الإشارات تزامن تشكيل حكومة جديدة في إيران تثبّت قواعد الرئاسة الجديدة وتتماهى معها تشدّداً في المظهر، مع الضغط كي تبصر الحكومة في لبنان النور من خلال “إقناع” الرئيس عون بالنزول عن شجرة الشروط لتسهيل ولادة حكومة تُبقي الحصص على حالها تقريباً مع “وعد بالمداورة”. ومن أهمّ ما سيرافق هذه الولادة قرار رفع الدعم عن المحروقات الذي يمثّل أول الغيث في سلوك المفاوضات بين الحكومة الجديدة وصندوق النقد الدولي طريقها المطلوب. وهكذا تستطيع طهران أن تقول لباريس إنّها لاقتها في منتصف الطريق في موضوع لبنان لخفض حرارة المواجهة الحالية استعداداً للأجواء المؤاتية بين طهران وواشنطن.
إقرأ أيضاً: الحكومة تولد في ظلّ… “حِكم العصابات”
ماذا عن الرئيس ميقاتي؟
في المعلومات أنّه لا يزال خالي الوفاض من أيّ دعم عربي عموماً، وخليجي خصوصاً. وسيكون في مرحلة اختبار لكي يثبت أنّه خارج الفلك الإيراني الذي يتحكّم بمفاصل السلطة في لبنان. وفي هذا الشأن لا يتمتّع ميقاتي بأيّة مزيّة عن سلفه الرئيس الحريري الذي بقيت تفصله مسافة عن الرياض التي لم يزرها طوال الأشهر التي أمضاها رئيساً مكلّفاً.
إذا كانت من “أعجوبة” يمكن وصف ولادة الحكومة الجديدة بها، إذا ما ولدت، فسيكون الأمر عندئذ مرتبطاً بمعلومات جديّة ورد ذكرها، لكنّها غير مؤكّدة.