يترافق التأليف الصَعب، بنسخته الثالثة مع الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، وسلسلة مؤشّرات خطرة لا يبدو أنّها تُطرَح كأولوية على الطاولة في جلسات “العَصف” الوزاري في شأن الحقائب والأسماء.
لا يتوقّف الأمر فقط عند بلوغ التوتّر مستواه الأعلى والأخطر على الحدود مع فلسطين المحتلّة منذ حرب تموز 2006، فحالات التفلّت الأمني بلغت مستويات توحي بأنّنا دخلنا مدار “حِكم العصابات”.
يُترجَم ذلك من خلال حالات القتل الثأري التي تَجدَّدَ نشاطها في الآونة الأخيرة، وآخرها في بعلبك بعد أيّامٍ قليلة من موقعة “ثأر الجية”، والتقارير الأمنيّة المُقلقة جدّاً حول ارتفاع نسبة السرقات والسطو، ومشهد 4 آب وما تخلّله من حوادث أمنيّة ورصدٍ للسلاح المتنقّل “على راحته” بين المناطق، والشحّ المتزايد في مادة المازوت الكفيل وحده بتكريس حالات تخريبية في المناطق قد لا تتمكّن القوى الأمنيّة والعسكرية من لجم تداعياتها في حال خروج الوضع عن السيطرة، وتعزّز منطق الأمن الذاتي والإقبال على شراء الأسلحة، وما يتسرّب من خلف جدار بعض الاجتماعات الحزبية التي تنضح بالعصبيّة والتطرّف والتحريض… كلّ ذلك يضاف إلى أزمات الأمن الغذائي والدوائي والاستشفائي والاجتماعي الآخذة في التفاقم.
يقول مطّلعون إنّ محيط مجلس النواب تحوّل إلى ثكنة عسكرية حقيقية، لكن غير مرئية. وقد تطوّع العديد من مناصري حركة أمل للتدخّل بعديدهم وعتادهم في حال تطلّب الأمر ذلك
في الواقع، نموذجا الجيّة – خلدة، ونموذج الجمّيزة (الاشتباك بين الحزب الشيوعي والقوات اللبنانية) الذي ذكّر بفظائع الحرب الأهلية ولغة الكانتونات و”الاقتصاص” على الهوية، وهذه المرّة بوجود كاميرات هاتف توثّق الاعتداءات الفاضحة وممارسات التشفّي والأحقاد… نموذجان كانا كفيلين بجرّ ما تبقّى من “السلم الأهلي” إلى “التصفية” النهائية. يكفي أنّ السلاح موجود بيد الجميع من دون استثناء، و”أمر العمليّات” قد يصدر في أيّ وقت بهدّ الهيكل فوق رؤوس الجميع.
هي نماذج ميليشياوية تطلّ برأسها في أكثر من منطقة، وبأكثر من خلفيّة، و”تأخذ مجدها” مع التحلّل التدريجي للمؤسّسات، وفي ظلّ “كوما” المسؤولين، والتخلّي الفاضح عن تحمّل المسؤوليات وإغلاق “الوكر” الذي يُفرّخ “أمراء حرب” في مرحلة السلم.
وهؤلاء ينشطون على “جبهات” متعدّدة يفرضون من خلالها سطوتهم في مناطق نفوذهم الممتدّة من “مربّع” المحروقات إلى الأدوية والموادّ الغذائية والاستهلاكية، والتحكّم بالسوق السوداء وبقطع الطرقات، وافتعال الإشكالات…
ووفق المعلومات، ما حصل في محيط مجلس النواب، بالتزامن مع إحياء ذكرى الرابع من آب، كان يمكن أن ينتهي أيضاً إلى “فاجعة حقيقية”. فقد ضبط الجيش كمّيّاتٍ من السلاح في عدّة مناطق، وسيّارات محمّلة بـ”عدّة شغل” المتظاهرين، ومنها الأقنعة الواقية من الغاز وقنابل مولوتوف، وحتّى قنابل مسيّلة للدموع. وقد حاول هؤلاء مرّة أخرى كَسر قواعد الاشتباك بالتسلّل إلى حَرَم مجلس النواب، فبقيت القوى الأمنيّة على جهوزية عالية جداً تحسّباً لأيّ اصطدام قد يوسّع رقعة الفلتان في عدّة مناطق دفعةً واحدة.
يقول مطّلعون إنّ “محيط مجلس النواب تحوّل إلى ثكنة عسكرية حقيقية، لكن غير مرئية. وقد تطوّع العديد من مناصري حركة أمل للتدخّل بعديدهم وعتادهم في حال تطلّب الأمر ذلك”.
يضيف هؤلاء أنّ “النفوس كانت مشحونة جداً. ومجلس النواب بالنسبة إلى رئيسه وفريقه السياسي خطّ أحمر تماماً كمقرّ رئاسة الجمهورية وعين التينة والسراي. وأيّ محاولة لكسر هذه التوازنات ستكون مكلفةً جدّاً. أمّا “المفاتيح”، التي حرّكت هذه المجموعات وغذّتها بعدّة الشغل التي تكلّف آلاف الدولارات، فهي معروفة لدى الأجهزة الأمنيّة، وغاياتها مكشوفة”.
إقرأ أيضاً: اللقاء الخامس: سقوط الـ”تلات تمانات”
وبعد ادّعاءات المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار في ملفّ انفجار المرفأ، دخلت بعض المراكز العسكرية والأمنيّة ومنازل سياسيّين وأمنيّين دائرة الاستهداف المباشر. واللافت أنّ بعضها، وليس جميعها، جرى التركيز عليه، وهذا ما أوحى بوجود أجندات خاصة، وأنّ الأمر لا يتعلّق بتحرّكات شعبية عفوية فحسب.
وتفيد تقارير أمنيّة أنّ بعض المشاركين في هذه التحرّكات معروفو الانتماءات الحزبية و”يُدارون” عن بعد. وهذا الأمر يعطي ُبعداً أكثر حساسيّة لهذه الاعتراضات، ويُساويها مع “مشاريع الفوضى الأمنيّة” التي تُعَدّ في الغرف المُغلقة.