الحقائب السياديّة على حالها… وإلّا لا حكومة!

مدة القراءة 7 د

بين الجمعة والاثنين يُفترض أن يُسجَّل تقدّم في توزيعة الحقائب السيادية والخدماتية كمَدخل إلى “تسقيط” الأسماء عليها. المحادثات شغّالة خلف الكواليس بين الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي ومفاتيح الحلّ والربط، لكنّ الآمال بتحقيق هذا الهدف تبدو غير مشجّعة حتّى الآن.

وبدا في الساعات الماضية أنّ المعنيّين بالتشكيل يحاولون إغراق مسار التأليف بإيجابيّات مُفرَطة لا تتناسب مع الواقع. في هذا السياق تسريبة تحدّثت عن احتمال تنازل الرئيس نبيه بري عن حقيبة المال للرئيس ميشال عون كـ”تضحية” في هذه المرحلة.

ومجرّد التسليم بهذا الواقع يعني حكماً، من باب التقيّد بمبدأ المداورة الشاملة في الحقائب السيادية، وكبديل “وازن” عن المال، أنّ الطرف الشيعي سيطالب بحقيبة الداخلية المفترض أن تخرج من الحصة السنّيّة. وهو سيناريو ليس في محلّه أبداً.

يشير مطّلعون إلى أنّ “الأحد الماضي عُقِد اجتماع بعيداً من الإعلام بين عون وميقاتي، استمرّ لساعات، تعمّقا خلاله في التفاصيل. وقد أسّس لمناخات سلبية ظهّرها ميقاتي علناً بحديثه عن أنّ التكليف لن يكون مفتوحاً، ملمّحاً إلى احتمال اعتذاره

فوفق المعلومات، هناك تمسّك وثبات في موقف الرئيس بري حيال حقيبة المال. وهنا نتحدّث حرفيّاً عن موقف برّي، وليس الثنائي الشيعي، حيث يؤكّد مطّلعون أنّ “رصيد” حزب الله من خطابات قياداته، وعلى رأسهم أمينه العام السيد حسن نصرالله، لم تتضمّن طوال السنوات الماضية موقفاً متشدّداً حيال حقيبة المال، واستطراداً التوقيع الثالث. لكنّ الأسباب الموجبة لدى الحزب لدعم هذا المطلب أنّ له روحيّته وأبعاده شيعياً.

وفي هذا السياق تقول أوساط قريبة من حزب الله لـ”أساس”: “معركة حزب الله الحقيقية هي في توجّهات الحكومة وليس في توزيع حقائبها، ومن بينها السيادية. وهو اليوم لا يخوض معركة حقيبة المال، لكنّه لا يصطدم أيضاً مع الرئيس برّي. وهذا خطّ أحمر يحكم مسار تأليف الحكومة”.

وتضيف الأوساط: “من حكومة حسان دياب إلى تكليف مصطفى أديب، ثمّ سعد الحريري، اعتمد الحزب مساراً “تهدويّاً” يحكمه معطى واحد هو عدم وجود شخصيات استفزازية في مواقع حسّاسة كالداخلية والدفاع والخارجية وبعض الحقائب الخدماتية، إضافة إلى تركيزه على قرار الحكومة المالي والسياسي. ومن هنا يُفهم أيضاً تغاضيه عن مسألة اختيار الحريري بالنيابة عنه أسماء الوزراء المحسوبين عليه في التشكيلة الحريرية التي لم ترَ النور”.

وتوضح الأوساط: “وفي التعاطي المباشر مع برّي، يتجنّب الحزب النقاش معه مثلاً في الشخصية التي يتبنّاها لحقيبة المال، والمتمثّلة بمدير العمليات المالية في مصرف لبنان يوسف خليل الذي يتلاقى الحزب مع حليفه ميشال عون والتيار الوطني الحر على رفض تعيينه في هذا الموقع باعتباره “وريث” التركة “السلامية” (رياض سلامة) في مصرف لبنان، والعائق المتوقّع أمام حصول التدقيق الجنائي. وهو، برأيهم، سيكون من ضمن مَن سيخضعون للتحقيق في حال كشف أوكار سياسات مصرف لبنان قبل وبعد 17 تشرين بنتيجة هذا التدقيق”.

والبعد الآخر لعدم تخلّي برّي عن حقيبة المال هي صعوبة التعويض في المواقع السيادية الثلاثة: الداخلية والدفاع والخارجية. الداخلية هي خارج النقاش، أمّا تسلّم شيعيّ حقيبة الدفاع فيعني ما يعنيه في هذه المرحلة التي وضع فيها المجتمع الدولي لبنان تحت “رقابته” المباشرة. وفي الخارجية لا أحد مستعدّ لتكرار تجربة عدنان منصور.

يقول متابعون في هذا السياق إنّ “تبديل المذهب بين الداخلية والمال طرح شخصيّ، وليس جدّيّاً. وباختصار، ثمّة من طَرَح هذا الاقتراح على نفسه، وانتهى الأمر هنا”.

 وتقارب مصادر الثنائي الشيعي هذا الواقع من زاوية أخرى قائلة: “في حال حدوث مداورة شاملة في الحقائب السيادية، سيكون هناك عبء شيعيّ فعليّ مرتبط بالبعد الأمنيّ والسياسة الخارجية. وللمفارقة وجودهم اليوم في وزارة المال يجنّب الداخل أزمة إضافية”.

ووفق المعلومات، يربط الرئيس عون إبقاء توزيع الحقائب السيادية على ما هي عليه بجملة شروط: “التوافق الكامل على اسم وزير الداخلية، ووضع فيتو لا رجوع عنه على اسم يوسف خليل صنيعة فؤاد السنيورة بالأساس، والمطلوب فرنسياً، وفق العونيين، وبقاء العدل والطاقة بيد فريق العهد”.

أمّا الإيجابيّات التي تحدّثت عن إمكان تخلّي الرئيس ميقاتي، ومن خلفه الرئيس سعد الحريري، عن الداخلية، فليست واقعية أبداً. وقد حرص الرئيس المكلّف في زيارته الأخيرة إلى بعبدا على نفي هذا الأمر. حتّى اللحظة، يضع ميقاتي خطّاً أمامه غير قابل للتفاوض، وهو إبقاء توزيعة الحقائب السيادية على ما هي عليه تجنّباً لإفشال مشروع تأليفه الحكومة مع تعديل طفيف في بعض الحقائب كي لا تكون “copy paste” عن حكومة حسان دياب.

تقول أوساط قريبة من حزب الله لـ”أساس”: معركة حزب الله الحقيقية هي في توجّهات الحكومة وليس في توزيع حقائبها، ومن بينها السيادية. وهو اليوم لا يخوض معركة حقيبة المال، لكنّه لا يصطدم أيضاً مع الرئيس برّي

ويشير عارفو ميقاتي إلى أنّه “في العمق يفضّل لو يُعيَّن وزير المال من الحصّة السنّيّة، ويكون صاحب قرار في تسميته بما يتوافق مع رغبته بالشراكة الكاملة في القرار المالي في الحكومة المقبلة، كما أعلن صراحة. لكنّه لا يجاهر أبداً بهذا الموقف. وهو اليوم ملتزم بالكامل، وعن قناعة، بقرارٍ كبيرٍ، له أبعاده السنّيّة والسياسية، ببقاء حقيبة الداخلية بيد السنّة، خصوصاً في مرحلة الانتخابات النيابية”.

إنّ قرار خوض ميقاتي، بكلّ ما يعنيه بروفيله السياسي والمالي، الانتخابات النيابية على رأس حكومة اختصاصيين (مستقلّين كما يُفترَض) ليس واضحاً بعد. وإنّ ترشّحه سيشكّل بالتأكيد تعارضاً واضحاً مع المطلوب من هذه الحكومة، رئيسها ونزولاً.

وكان طرح ميقاتي التخلّي عن المداورة، وتشبّث برّي بالمال، تقابلهما معادلة عونية غير قابلة للتفاوض بدورها: إبقاء الحقائب السيادية على وضعها الحالي سيُبقي تلقائياً حقائب الدفاع والخارجية والعدل والطاقة بيد الفريق السياسي للعهد، مع سلّة شروط ترتبط بالحقائب الأخرى والأسماء.

ويشير مطّلعون إلى أنّ “الأحد الماضي عُقِد اجتماع بعيداً من الإعلام بين عون وميقاتي، استمرّ لساعات، تعمّقا خلاله في التفاصيل. وقد أسّس لمناخات سلبية ظهّرها ميقاتي علناً بحديثه عن أنّ التكليف لن يكون مفتوحاً، ملمّحاً إلى احتمال اعتذاره. ولكن بعد انعقاد المؤتمر الدولي الثالث لدعم لبنان، عكس ميقاتي “دوزاً” أكبر من المعنويات بعد التزامه بمهلة زمنية، وتأكيده أنّ هدفه هو التأليف”.  

ويتردّد أنّ الرئيس عون نفسه تلقّى دعماً فرنسياً أو “بيعة معنوية وسياسية”، على هامش المؤتمر، للتقدّم في مجال التأليف، فأصبح أكثر مرونةً بالتخلّي عن مطلب الداخلية بشرط إبعاد مرشّح برّي يوسف خليل عن المال، وشروط أخرى مرتبطة بتوزيع الحقائب والأسماء.

إقرأ أيضاً: الحكومة تولد في ظلّ… “حِكم العصابات”

وكان لافتاً حديث قناة “otv” عن “وجود تداخل في النقاش بين موضوعيْ الحقائب السيادية وغير السيادية. وإذا كانت النيّة قائمة للتوصّل إلى تفاهم على المجموعة الأولى، فالاتفاق على المجموعة الثانية ممرّ إلزامي، في ضوء المطالب غير المفهومة التي يتمسّك بها بعض الأفرقاء لغايات مفهومة”.

وفي “لطشة” استهدفت مرشّح بري لحقيبة المال، تحدّثت المحطة البرتقالية عن “ضرورة اختيار أشخاص يوحون بالثقة، ولا يشكّلون استمراراً لسياسة المسايرة لهذه الجهة أو تلك، فتدفع الثمن في النهاية كلّ الجهات”.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…