كما تنبت الوردة الناعمة، الجميلة، وحيدةً، بين مفاصل الصخر، هبطت علينا هالا نوّار الساحلي، من حيث لا نحتسب.
ولو أنّ كثيرين منّا يعرفون، أنّه مهما غابت الكرافات عن قمصان بعض أهل الجنوب والبقاع والضاحية، سيأتي يوم وتنبت “البابيون” مكانها، على قميص نائب سابق في حزب الله. كما لو أنّها عادت لتنتقم.
“البابيون” كانت لافتة أكثر من حفل الزفاف كلّه. هذا لأنّ حزب الله، حين قرّر أن يميّز رجاله عن بقية رجال لبنان، الرسميين، نزع عنهم الكرافات، وقال إنّ قمصانهم لا تنتمي إلى زمان الغرب وأزيائه.
المتنمّرون على هالا ما كانوا يقصدونها ربما. اختلط عليهم الأمر بينها وبين حزب الله، وبينها وبين سلوك الحزب الاجتماعي والديني والسياسي… بينها وبين الذين يرخّصون الدماء بأن يستثمرونها أمام “الكحول” وأمام “المايوه”، وهي أرفع من ذلك
لكن في لحظة ستكون مفصلية في ذاكرة شيعة لبنان، فاجأتنا “البابيون”. كما لو أنّها إعلان انتساب، ولو متأخّر، من نوّار، إلى زماننا هذا، وإعلان انسلاخ، ولو مؤقّت، عن القمصان العارية من الكرافات.
عذراً هالا. وهذه رسالة حبّ واعتذار. لأنّك تشبهيننا، ونشبهك، بالرقص، والفرح، وحبّ الحياة، بـ”التيكيلا” وبـ”جو”، والانتصار المستمرّ على الرغبة العارمة في رمينا داخل أدراج الحزن السياسي والاجتماعي، وداخل أقفاص التطرّف.
تنمّر كثيرون على هالا. وسخروا من زفافها. وربما أهانوها. ليس كرهاً بها، ولا حقداً عليها. بل ربّما غضباً من كلّ ما يمثّله والدها، باعتباره مسؤولا رفيعاً في حزب الله: بدءاً من الحجاب المفروض على بيئة كاملة، وليس انتهاءً بسليم عيّاش واتّهام الحزب باغتيال رفيق الحريري.
نذكر كلّنا أنّه في تموز الماضي، 2020، اعتدى شبّان معلومون، بالضرب المبرح، على شبّان كانوا يمارسون رياضة المشي في منطقة الوادي الأخضر بالنبطية، جنوب لبنان. وكانت حجّة الضرب: “الاختلاط”، بين الفتيات والفتيان.
قبلها بشهر، في حزيران 2020، تعرّضت فتاة لهجوم بشع، لأنّها نشرت صورة لها بملابس السباحة، في بلدة عربصاليم، بقضاء النبطية أيضاً. وصدرت دعوات طلبت من “الضيوف مراعاة الضوابط الاجتماعية والدينية في البلدة وعدم اصطحاب المشروبات الكحولية والالتفات إلى موضوع اللباس، لأنّ حريتهم الشخصية تتعارض مع عاداتنا وأعرافنا، خصوصاً في هذه الأرض التي وطأتها أقدام المجاهدين، وارتوت بدماء الشهداء”.
عذراً هالا. وهذه رسالة حبّ واعتذار. لأنّك تشبهيننا، ونشبهك، بالرقص، والفرح، وحبّ الحياة، بـ”التيكيلا” وبـ”جو”، والانتصار المستمرّ على الرغبة العارمة في رمينا داخل أدراج الحزن السياسي والاجتماعي، وداخل أقفاص التطرّف
قبلها بسنوات، أقفل متشدّدون في الجنوب الكثير من محلات بيع الخمور، المرخّصة منذ عقود، ومنعوا أصحابها من ممارسة تجارتهم. وكانت النكتة يومها أنّ هذا الإقفال زاد من أرباح محلات بيع الكحول في البلدات المسيحية المًحاذية للبلدات الشيعية. لأنّ الشُراة باتوا يقطعون المسافات، ولن يغيّروا عاداتهم وأمزجتهم بناءً على الأوامر الحزبية.
المتنمّرون على هالا ما كانوا يقصدونها ربّما. اختلط عليهم الأمر بينها وبين حزب الله، وبينها وبين سلوك الحزب الاجتماعي والديني والسياسي… بينها وبين الذين يرخّصون الدماء بأن يستثمروها أمام “الكحول” وأمام “المايوه”، وهي أرفع من ذلك.
هالا واحدة منّا. امرأة من العام 2021. ووالدها دفع ثمن فرحته بابنته، وبانتسابه إلى العام 2021. ربّما كان الأجدر به أن يعتذر من شبّان الوادي الأخضر، ومن فتيات عربصاليم، ومن أصحاب متاجر الكحول. كان الأجدر به أن يكون وفياً لـ”البابيون” في داخله، وفي روحه، وفي حبّه لابنته.
إقرأ أيضاً: إليكم أشهر 5 كذبات سياسية في تاريخ لبنان
تحيّة إلى هالا. وألف وردة، لهبوطها علينا، بين مفاصل الصخر الحزبيّ، والأشواك السياسية، وتحيّة لـ”التيكيلا” التي “فرفحت” قلوبنا، وأعلنت للعالم أنّ في نفوس أهل الجنوب والبقاع والضاحية، “بابيون” تظهر، ما استطاعوا إليها سبيلاً.