عاد الرئيس نجيب ميقاتي بعد ظهر السبت إلى بيروت، وفور وصوله إلى أرض مطار رفيق الحريري الدولي أجرى اتصالاً بالرئيس ميشال عون شاكراً إيّاه على الموقف الإيجابي تجاهه، الذي أعلنه في اللقاء الصحافي مع الزميل عماد مرمل في جريدة “الجمهورية”. فأكّد له الرئيس عون الرغبة بالتعاون معه.
ثمّ بدأ الرئيس ميقاتي سلسلة لقاءات واتصالات مع المعنيين بتشكيل الحكومة. فهو وإن حرصت مصادره على التأكيد أنّ شيئاً لم يحسم بعد بانتظار نتيجة المشاورات، إلا أنّ المصادر المواكبة لعملية التكليف تؤكّد أنّه سيكون رئيساً مكلّفاً يوم الاثنين على أن تسمّيه جميع الكتل باستثناء التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية. لذا سيتكرّر مشهد تسمية سعد الحريري قبل حوالي تسعة أشهر مع فارق كبير هو توجّه حزب الله إلى تسمية ميقاتي رئيساً مكلّفاً.
فالحزب، الذي يحرص دائماً على تحصين علاقته بالسنّة، حريص اليوم أيضاً على الالتقاء مع التوافق السنّي على أيّ اسم يختارونه. وبالتالي سيحرص على أن يحصد ميقاتي العدد الأكبر من الأصوات لتكليفه عسى أن يسهّل ذلك عملية التأليف.
يبدو ميقاتي وقد تعلّم من تجربة الحريري جيداً. فهو سبق أن أكّد أنه منفتح إلى اقصى الحدود في التعامل مع مختلف القوى. ولن يقيّد نفسه بما قيد به الحريري نفسه
من جهته، عقد رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل اجتماعاً للهيئة التأسيسية مساء يوم الجمعة، وجرى النقاش في كيفية التعامل مع طرح ميقاتي. انتهى النقاش إلى قرار بعدم تسميته من دون حسم إمكان الذهاب إلى تسمية السفير نوّاف سلام رئيساً مكلّفاً. إلا أنّ باسيل الذي يدرك أنّه سيغرّد وحيداً إن كلّفت كتلته نوّاف سلام، طلب من نوابه عدم التصريح إلى الإعلام كي لا يفهم أيّ كلام إساءة إلى ميقاتي، تاركاً المجال مفتوحاً لإمكان التوافق، على أن يعقد التكتّل اجتماعاً استثنائياً له يوم الأحد أي قبل ساعات من موعد الاستشارات لتحديد الموقف النهائي من التسمية، وهل يكون اسم نوّاف سلام أم ورقة بيضاء.
غير أنّ عدم تسمية ميقاتي، بحسب مصادر مقرّبة من باسيل، لا تعني بتاتاً عدم الرغبة في التعاون في التأليف. فالموقف من المشاركة أو عدم المشاركة في الحكومة سيحدّده موقف ميقاتي ومقاربته الحكومية بعد التكليف. ولعلّ أبرز الإشارات الإيجابية التي وصلت من بعبدا إلى ميقاتي هو الكلام الصادر عن رئيس الجمهورية ميشال عون في مقابلته مع الزميل عماد مرمل.
في المقابل، يبدو ميقاتي أنّه قد تعلّم من تجربة الحريري جيداً. فهو سبق أن أكّد أنّه منفتح إلى أقصى الحدود في التعامل مع مختلف القوى. ولن يقيّد نفسه بما قيّد به الحريري نفسه. يعمل أصدقاء مشتركون بينه وبين فريق رئيس الجمهورية كوسطاء في المرحلة الأولية، على أن يصبح التفاوض مباشراً لاحقاً. لا فيتو لميقاتي على أيّ لقاء يجمعه مع باسيل ما دامت تجمعه لقاءات مع مختلف القوى السياسية. لا بل لن يكبّل نفسه بتسميات لصيغ حكومية كحكومة تكنوقراط أو تكنوسياسية أو متخصّصة أو أيّ تسمية أخرى. سيقارب الأزمة الحكومية بنَفَس جديد طبقاً لِما تحتاج إليه المرحلة من خلال التفاوض مع القوى المختلفة من دون استثناء المجتمع المدني. وسيقفز فوق الألغام التي وضعها الحريري لنفسه في مسيرته لتشكيل الحكومة، سواء على مستوى شكل الحكومة أو الحقائب أو الوزيرين المسيحيّين.
يتمتّع ميقاتي من الدهاء بما يكفي ليقفز فوق الألغام السابقة. وعليه ميقاتي وسيواصل في الساعات المقبلة مشاوراته على أن يلتقي رؤساء الحكومات السابقين مساء الأحد للتنسيق معهم في الموقف النهائي.
إقرأ أيضاً: هل فَقَد الرئيس ميقاتي عقله؟
بعد سقوط اسمه بملفّات مالية فُتِحت في القضاء لا شكّ أنّ فريق رئيس الجمهورية محرج من تسمية ميقاتي الذي يعتبر أنّ تكليفه سيعيد له اعتباره.
وبالتالي فإنّ تحدياتٍ عدّة تنتظر المرحلة المقبلة، ولا سيّما فريق رئيس الجمهورية الذي يقف أمام خيارين: إمّا عدم المشاركة في الحكومة والذهاب إلى أقصى المعارضة وصولاً إلى إمكان الاستقالة من مجلس النواب استعداداً للانتخابات المقبلة، وفي هذا السيناريو تداعيات سلبية جداً على الساحة اللبنانية. وإمّا المشاركة وفق جملة من التوافقات التي سيسعى ميقاتي إليها على أن تنجح حكومته إن تشكلت في الحدّ من الانهيار الشامل والذهاب إلى الانتخابات. وفي الاحتمال الثاني يربح ميقاتي تحدّي الحدّ من انهيار البلد ويحجز لنفسه ولاية ثانية، ويربح باسيل بالتأكيد على أنّ التفاوض المباشر معه يؤدّي إلى التشكيل، فيما مقاطعته أعادت الحريري إلى بيت الوسط ولو بعد تسعة أشهر.