.. “إننا ندعم ترشيح الرئيس نجيب ميقاتي ليتولّى مهمّة تأليف الحكومة، استناداً إلى استشارات نيابية ملزِمة على أن تتم عملية التأليف حسب ما تمليه القواعد الدستورية والقانونية، وتحاكي توقّعات اللبنانيين وأشقّائهم العرب وأصدقائهم في العالم”.
هذا ما انتهى إليه اجتماع رؤساء الحكومة السابقين، أمس في بيت الوسط، بحضور الرئيس نجيب ميقاتي، وهو اجتماع انعقد بعد ساعات قليلة على استقبال سفير المملكة العربية السعودية في بيروت وليد البخاري للنائب السابق محمد الصفدي في مقرّ إقامته باليرزة، وتلته تغريدة للبخاري جاء فيها: “بُعِث عالم الفيزياء الراحل ألبرت آينشتاين مُجدِّداً للحياة من خلال أُمثولة فلسفية للتطوّر الخوارزمي، بقوله: ” مُشْكِلَتُنا الآن تَكْمُنُ في أنَّ قُوَّةَ الإنسانِ سَبقتْ يَقظةَ ضَميرِهِ ونُمُوَّ عضلاتِهِ جاءَ قبلَ نُمُوِّ تفكيرِه”. وهي جاءت بعد تغريدة قبل أيام: “من أعمق أقوال الشاعر المُلهم والكاتب الأبرز في الثقافة الغربية وفي الأدب العالمي وليم شكسبير: “قد نُسَامِحْهُم كثيراً، ولكن سيأتِي يَوْمٌ لا نستطيعُ فيهِ حتَّى سمَاع أعذارهم”.
اشترط ميقاتي أن يكون العونيون في صفّه، وهو العارف أنّ علاقته بهذا الفريق لا تقلّ سوءاً عن تلك التي كانت سائدة بين الفريق ذاته وسعد الحريري. لذا ليس وضعه أفضل من وضع الرئيس المعتذِر
البيان، الذي حدّد 6 قواعد يجب الاستناد إليها في تشكيل الحكومة، يمكن اختصاره بجملة واحدة هي: إنّ ميقاتي مطالبٌ بتأليف حكومة الحريري التي رفضها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وصهره. فكيف سيفعل؟!..
الاستشارات الملزمة في قصر بعبدا اليوم ستنتهي إلى تكليف نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة مع توقّعات بنيله 76 صوتاً إن عمدت كتلة الوفاء للمقاومة إلى تسميته أو 64 صوتاً في حال لم تُسمِّ الكتلة أحداً لتشكيل الحكومة.
نجيب ميقاتي رئيساً مكلّفاً، لكنّ التأليف مسألة أخرى. بدت عودته إلى السراي في الساعات الأخيرة معلّقة على قرار جبران باسيل. إذ يرفض الأول أن يرأس حكومة منقوصة الميثاقية المسيحية بفعل تمنّع الكتلتين المسيحيّتين الكبريَيْن، أي “التيار الوطني الحر” و”القوات”، عن المشاركة فيها، ومنحها الثقة، واستطراداً تغطيتها، فتصير هدفاً سهلاً للتصويب من جانب الحزبين اللذين يبحثان، عشية الانخراط في مستنقع الانتخابات النيابية وحفلات المزايدة الشعبوية، عن “قميص عثمان” يحمّلانه مسؤولية الخراب الذي وقع والمرشّح للتمدّد أكثر.
وعليه، اشترط ميقاتي أن يكون العونيون في صفّه، وهو العارف أنّ علاقته بهذا الفريق لا تقلّ سوءاً عن تلك التي كانت سائدة بين الفريق ذاته وسعد الحريري. لذا ليس وضعه أفضل من وضع الرئيس المعتذِر. وهذا ما جعل ميقاتي يتّكل على جهود الفرنسيين لإقناع باسيل أو للضغط عليه لكي لا يقفز إلى ضفّة المعارضة ويعطي في المقابل الحكومة الجديدة فرصة وقف الانهيار من خلال مشاركة الجميع في الجهود الإنقاذية، خصوصاً أنّ المطّلعين على موقف القطب الطرابلسي يؤكّدون وجود تفاهم مسبق مع رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري سيعطي ميقاتي ما يكفي من الدعم السنّيّ لحماية حكومته من ضربات أهل البيت.
هذا في ما خصّ تكوين الحكومة. أمّا في التكليف، فلم يُعِر ميقاتي، وفق عارفيه، أهميّة للهويّة المذهبية للأصوات التي سينالها، وتجاوز سريعاً “الممانعة” العونية له، أسوةً بما فعله الحريري في تكليفه الأخير. وعليه حين حطّ القطب الطرابلسي في بيروت عائداً من رحلته البحرية، كان بالفعل قد صار رئيس حكومة مكلّفاً.
بدا تحديد موعد الاستشارات النيابية من جانب رئاسة الجمهورية، أوّل غيث التمايز بين الفريق العوني وحلفائه في قوى الثامن من آذار، وتحديداً “حزب الله”، إذ سارع عون إلى تحديد الموعد من دون تنسيق الخطوة، التي ستلي الاستشارات، مع “الحزب”
في المقابل، أَجَّل جبران باسيل إعلان موقفه الحاسم من تكليف ميقاتي إلى اللحظات الأخيرة، تاركاً باب التفاوض مفتوحاً، ولو بنسب متدنّية من النجاح، في وقت تضاربت الإشارات الآتية من البيت العوني. وأهمّها:
– لم يقفل رئيس الجمهورية ميشال عون الباب نهائيّاً على إمكان التعاون مع ميقاتي، وقال في مقابلة صحافية إنّه “جاهز للتعاون مع الرئيس ميقاتي أو أيّ شخصية يسمّيها النواب”، وأضاف: “ميقاتي يجيد تدوير الزوايا، وهو من النوع المتعاون الذي يأخذ ويعطي. وبالحوار الصادق نستطيع أن نعالج أكبر مشكلة. هو يقترب قليلاً وأنا أقترب قليلاً، ويمكننا عندها أن نلتقي في المنطقة الوسطى”.
– طغى الإرباك على اجتماع الهيئة السياسية لـ”التيار الوطني الحر”، التي عقدت اجتماعاً مساء يوم الجمعة عبر تقنية “الزوم”، في ضوء الانقسام في الرأي الذي وقع بين مكوّنات الهيئة، حيث اعتبر بعض النواب، ولا سيّما معارضي باسيل، أنّ الاعتراض على اسم ميقاتي لا يفترض أن يؤدّي إلى تبنٍّ “مجّاني” لترشيح السفير نواف سلام، خصوصاً أنّ الأخير لم يكلّف نفسه عناء التواصل مع التيار للتشاور معه في إمكان تسميته رئيساً مكلّفاً. أمّا موقف “القوات” القاضي بعدم تسمية أحد للاستشارات، وتخلّيها بذلك عن خيار سلام، فقد أربك باسيل الذي كان يعتقد أنّ بإمكانه أن يرفع من منسوب المناورة إذا التقى ومعراب في خيار دعم نواف سلام… فيما اشتمّ بعض النواب من ميل باسيل إلى تسمية سلام وكأنّه يحاول بذلك تلميع صورته لدى الأميركيين والسعوديين، وزكزكة “حزب الله”، لشعوره أنّ الأخير قرّر السير بترشيح ميقاتي من دون تنسيق مسبق معه.
ولهذا انتهى الاجتماع من دون صدور بيان، لا بل تُرِكت مسألة الحسم لليوم، حيث سيُصار إلى عقد اجتماع ثانٍ قبيل موعد “التكتّل” في جدول الاستشارات النيابية لتحديد اتجاه التصويت، خصوصاً أنّ العديد من النواب يميلون إلى خيار الورقة البيضاء بعدما صار ترئيس ميقاتي أمراً واقعاً.
– استبق مسؤول العلاقات الدولية في “التيار” طارق صادق قرار “تكتّل لبنان القوي” ليغرّد قائلاً: “سؤال بريء. الميقاتي مرشّح الأميركان والمنظومة الفاسدة، فيما نواف سلام كان سفير لبنان في الأمم المتحدة، ويملك تاريخاً عروبيّاً ومناصراً لفلسطين. بِفْهَم برّي والحريري وجنبلاط يمشوا بميقاتي، بس الحزب ليش؟؟ نحن لن نسمّي الميقاتي وسنعطي فرصة قصيرة للتشكيل قبل الاستقالة من المجلس”.
في الواقع، بدا تحديد موعد الاستشارات النيابية من جانب رئاسة الجمهورية، أوّل غيث التمايز بين الفريق العوني وحلفائه في قوى الثامن من آذار، وتحديداً “حزب الله”، إذ سارع عون إلى تحديد الموعد من دون تنسيق الخطوة، التي ستلي الاستشارات، مع “الحزب”. ولهذا بدا تكليف ميقاتي مقبولاً من جانب الحزب الذي يخشى ذهاب الأمور إلى سيناريوهات غير محسوبة بدفعٍ من باسيل المتحمّس أصلاً لخيارات شبيهة بخيار مصطفى أديب، لا أكثر. وقد أكّد الرئيس عون على هذا التمايز في مقابلته حين قال: “من الغرائب، التي تدعو إلى العجب، أنّني عندما تأخّرت المرّة السابقة في الدعوة إلى الاستشارات تجاوباً مع مراجع سياسية تمنّت انتظار تبلور التفاهم على اسم مرشح، هاجمني البعض واتّهمني بأنّني أهدر الوقت، وحين بادرت هذه المرّة إلى تحديد موعد عاجل للاستشارات، بادر هذا البعض إلى مهاجمتي مجدّداً واتّهامي بالارتجال في موقفي.. ما هذه الخفّة في التعاطي؟ من المعيب أن يتمّ التعاطي مع الشأن الوطني من زاوية النكايات والكيديّات”.
بالنتيجة، سيكون ميقاتي اليوم رئيساً مكلّفاً في ظلّ مجموعة من السيناريوهات المحتملة قد تحدِّد ما بعد يوم الاستشارات:
– إمّا أن ينجح “الحزب”، بدفع فرنسي، في إقناع “التيار” بالمشاركة في الحكومة، وهو احتمال صعب جداً في ضوء الشروط العالية السقف التي يضعها الفريق العوني والمرفوضة أصلاً دوليّاً، وميله إلى الانتقال إلى صفوف المعارضة.
إقرأ أيضاً: هل فَقَد الرئيس ميقاتي عقله؟
– وإمّا أن يقبل ميقاتي بتأليف حكومة لا “برتقاليون” فيها، ويكتفي بالميثاقية التي يوفّرها رئيس الجمهورية، وبدعم فرنسي يضمن نجاح الحكومة في ورشتها الإصلاحية. وفي هذا السياق، يقول أحد النواب العونيين إنّ قرار تكليف ميقاتي صدر، لا بل أكثر من ذلك، هو مكلّف دوليّاً بتأليف حكومة من دون العونيين على أساس تمثيل رئيس الجمهورية بأربعة وزراء لا أكثر.
– وإمّا أن يقرّر ميقاتي “النفاذ بريشه”، خصوصاً أنّ احتمال توقيع رئيس الجمهورية على مسوّدة حكومية شبيهة بتلك التي كان يقترحها الحريري، متدنٍّ جداً.