لبنان أمام أيّام فاصلة للتوافق على شخصية يتمّ تكليفها بتشكيل الحكومة، أو تُؤجَّل الاستشارات. وقد أراد رئيس الجمهورية ميشال عون رمي الكرة في ملعب الآخرين، فحدّد موعداً للاستشارات النيابية الملزمة بدون توافر أدنى مقوّمات التوافق بين الأفرقاء. المهلة، التي وضعها عون، هي مهلة حثّ هدفها إحراج الآخرين، ودفعهم إلى كشف أوراقهم وما لديهم وما يفكّرون فيه. حتى الآن لم تنطلق جولة الاتصالات والمشاورات السياسية بحثاً عن شخصية بديلة. الاستشارات أمام احتمالين، إمّا التوافق خلال هذه الأيام الخمسة على اسم شخصية لتكليفها، أو تأجيله بانتظار التفاهم.
يتواصل رئيس مجلس النواب نبيه بري مع الحريري بهدف إقناعه بالعودة إلى الاتفاق المسبق بينهما، وهو تسمية شخصية بديلة عنه بعد اعتذاره ويفضِّل ميقاتي ويسعى إلى إقناع الحريري بذلك
تتضارب مواقف القوى السياسية. فرئيس الجمهورية ميشال عون يفضِّل شخصية محسوبة على قوى الثامن من آذار، وجبران باسيل يحاول رمي طعم “اسمه نوّاف سلام”، وحزب الله ونبيه بري يفضِّلان نجيب ميقاتي، ورؤساء الحكومة السابقون يرفضون التسمية ويريدون للّعبة الديموقراطية أن تأخذ مجراها وتسمِّي الأكثرية مرشّحها، ولتتحمّل هي المسؤولية. بناء عليه تجري الاتصالات على أكثر من خطّ:
– يتواصل حزب الله مع عون بهدف التخفيف من حدّة شروطه، ويرى أنّه بعد اعتذار الحريري لا بدّ من إبداء ليونة في المواقف، ولا يمكن المجيء بأيّ اسم من الأسماء التي يقترحها عون لأنّها لا تمثّل سنّيّاً، ولا تحظى بالدعم اللازم والمطلوب.
– يتواصل رئيس مجلس النواب نبيه بري مع الحريري بهدف إقناعه بالعودة إلى الاتفاق المسبق بينهما، وهو تسمية شخصية بديلة عنه بعد اعتذاره، ويفضِّل ميقاتي، ويسعى إلى إقناع الحريري بذلك.
– يرفض رؤساء الحكومة السابقون ذلك، ويعتبرون أنّ في هذه الخطوة مكافأة لعون على تعطيله.
– يتأرجح موقف ميقاتي بين القبول والرفض، وبعض الجهات تشير إلى أنّه يرفض بشكل كامل عملاً بنصيحة شقيقه طه، فيما جهات أخرى تؤكِّد أنّه مستعدّ، ولكنّه يبحث عن ضمانات داخلية وخارجية، ولا يوافق إلا إذا تبنّاه الحريري ورؤساء الحكومة السابقون، ويعتبر أنّ باريس تدعمه وتفضّل خياره.
– تقول مصادر دبلوماسية إنّ الفرنسيين يسعون بقوّة إلى الوصول إلى توافق، وهم يفضِّلون إمّا نجيب ميقاتي أو نوّاف سلام.
رئيس الجمهورية ميشال عون يفضِّل شخصية محسوبة على قوى الثامن من آذار، وجبران باسيل يحاول رمي طعم “اسمه نوّاف سلام”، وحزب الله ونبيه بري يفضِّلان نجيب ميقاتي
طوال الأيام الماضية، تم التداول مجدّداً باسم السفير نواف سلام لتشكيل الحكومة، وقد بدا التيار الوطني الحرّ أكثر المتحمّسين لمثل هذه التسمية، وعمد باسيل إلى تسريب مثل هذا الموقف. ولكنّ غاية باسيل من هذا الأمر، وفق ما تؤكّد مصادر متابعة، أهداف متعدّدة:
1 – تسليف موقف للأميركيين وفتح باب للتواصل معهم.
2 – إعطاء موقف ذات طابع إيجابي تجاه الدول العربية، وخصوصاً المملكة العربية السعودية.
3 – تقديم انطباع يشير إلى أنّ باسيل جاهز للتمايز عن حزب الله.
4 – توجيه باسيل ضربة إلى سعد الحريري من خلال القبول بسلام وإدخاله إلى نادي رؤساء الحكومات.
5 – سعي باسيل إلى قطع الطريق على الرئيس نجيب ميقاتي.
6 – استهداف تمام سلام بمفعول رجعي بسبب التجربة المريرة معه أيّام حكومته، وردّاً على موقف لتمام سلام بأنّه لا يمكن أن يشكّل حكومة مع ميشال عون وباسيل.
تجري كل هذه الحسابات اللبنانية الضيّقة، فيما الوقائع أصبحت في مكان آخر، خصوصاً بما يتعلّق بنوّاف سلام الذي لا يبدو متحمّساً لخوض التجربة الحكومية في هذه المرحلة، ولا سيّما تشكيل حكومة لإدارة الانتخابات حصراً. وهذا موقف تلتقي عليه أيضاً جهات خارجية، من بينها المملكة العربية السعودية، التي تعتبر أنّ نوّاف سلام ليس شخصاً فحسب، ولا بدّ من التعاطي معه كمشروع يحتاج إليه لبنان لإنقاذ نفسه، وذلك بأن تتسلّم الحكم شخصيّات ذات تواصل دولي وعلاقات قوية، وتتمتّع بمزايا مطلوبة لعملية الإنقاذ.
إقرأ أيضاً: الحزب بعد الاعتذار: مرحلة صعبة.. حتّى الانتخابات
في الأيام الماضية وُجِّهت نصائح كثيرة لنوّاف سلام بالعودة إلى لبنان والعمل على خوض الانتخابات النيابية انطلاقاً من ثورة 17 تشرين وشعاراتها. حتى الآن لم يُحسَم هذا الأمر، ولكنّ جهات خارجية تسعى أيضاً في هذا الاتجاه، وبعد المشاركة في الانتخابات يمكن البحث في تكليف سلام بتشكيل حكومة.