لا يمكن قراءة حدث زيارة السفير السعودي وليد البخاري لمعراب، ومشاركته في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، إلا بصورة شاملة كاملة تشمل الشكل والمضمون. وإلا فإنّ القراءة ستكون ناقصة قاصرة.
في الشكل: أربع نقاط ترسم صورة اللقاء:
1- وجود رمز القوات اللبنانية فوق شعار المناسبة (لبنان – السعودية إعادة تصدير الأمل) وحولهما يميناً ويساراً الأعلام اللبنانية والسعودية.
2- المكان والتوقيت:
أ- من حيث التوقيت، انعقد المؤتمر في لحظة حرجة من تاريخ لبنان، وبعد أيام على احتفالية بكركي في الذكرى المئوية الأولى للعلاقة بين السعودية والصرح البطريركي.
ب- من حيث المكان، لا يختلف اثنان على أنّ عقد المؤتمر في مقرّ القوات اللبنانية هو إشارة سياسية بالغة الدلالة إلى أنّ علاقة متينة تربط بين الجهة الداعية والجهة المدعوّة بشخص السفير بخاري، وأنّ إعادة تصدير الأمل انطلقت من معراب.
3- الكلمة، التي ألقاها السفير البخاري، كانت ارتجالية، ولم تكن كلمة مكتوبة.
4- التوصيات الصادرة عن اللقاء أشبه بمقرّرات كان من واجب الحكومة اللبنانية أن تصدرها لحظة اشتداد الأزمة بين البلدين.
المحاور الثلاثة، التي ذكرها السفير البخاري في معراب، هي محاور يمكن اختصارها في كلمة “دولة” التي تقوم على الإرادة السياسية، وعلى الأمن الملتزم، والقضاء الفاعل النزيه
في المضمون:
1- لقد كان الدكتور سمير جعجع واضحاً في المبتغى الاستراتيجي لهذا المؤتمر، وهو إعادة وصل ما انقطع في العلاقات بين السعودية ولبنان. وقد بدأ ذلك عبر إلغاء مصطلح “الانقطاع”، واستبداله بمصطلح جديد “العودة خطوة إلى الوراء”، حيث قال: “المملكة عادت خطوة إلى الوراء، وأخذت مسافة ملحوظة، ولكن ليس لإدارة الظهر للّبنانيين، بل
كي تفعّل الزخم وتوسّع الرؤية وتستعدّ لمؤازرة لبنان مجدّداً”. لقد طالب الدكتور جعجع المملكة بعدم النظر إلى لبنان نظرة واحدة، بحيث يُؤخذ الصالحون بجريرة الفاسدين، فقال: “لا يخفى على المملكة هذا التحالف الشيطاني بين الفاسدين واللاعبين بمصير لبنان وأهله، لكنّنا في المقابل، نحن وشرائح كبيرة من الشعب اللبناني، غير راضين إطلاقاً عن هذا الواقع الأليم، ومصمّمون أكثر من أيّ وقت مضى على النضال حتى الخروج من هذا النفق المظلم”.
2- السفير البخاري، الذي ارتجل كلمة غير مكتوبة، والأمر في لغة الدبلوماسية ليس صدفة عابرة، بل هو تصرُّف مقصود له دلالة تتعلّق بتوصيف اللقاء بأنّه ليس من تنظيم جهة رسمية. لذا ما قاله السفير في هذا المؤتمر هو كلام نابع من الواقع أكثر ممّا هو رسالة رسمية قد كُلِّف بتلاوتها.
3- استند السفير البخاري في كلمته إلى قاعدة “البلاغة اللغوية” التي تقول “خير الكلام ما قلّ ودلّ”، فأشار إلى أنّ المطلوب هو السعي إلى إيجاد معادلة من ثلاثة محاور أساسية لحلّ إشكال تصدير المنتجات الزراعية اللبنانية إلى السعودية، وهي:
-المحور الأول: إرادة سياسية جادّة لإيجاد حلّ.
-المحور الثاني: إجراءات أمنيّة لتنفيذ الحلّ.
-المحور الثالث: قضاء نزيه يستكمل الإجراءات والآليّات المختصّة.
إقرأ أيضاً: البخاري للّبنانيّين: هذه يدنا.. أين يدكم؟
المحاور الثلاثة، التي ذكرها السفير البخاري في معراب، هي محاور يمكن اختصارها في كلمة “دولة” التي تقوم على الإرادة السياسية، وعلى الأمن الملتزم، والقضاء الفاعل النزيه. وكأنّه يقول للّبنانيين من معراب: المملكة العربية السعودية لا تريد منكم إلا أن يكون لديكم دولة قادرة حرّة فاعلة تمنع حصول الجرائم الكبرى.
إنّ لقاء معراب أو مؤتمر معراب، كما جاء في دعوة القوات اللبنانية، أو منصّة معراب، كما جاء على لسان السفير البخاري، هي مناسبة سياسية بامتياز مهما اختلفت التسميات وتفسيراتها اللبنانية التي تبدأ ولا تنتهي. فمنها ما يلامس الحقيقة والواقع، ومنها ما تذهب هواجس المؤامرة في مخيّلته إلى صياغة الأوهام. إلا أنّ ما يمكن استخلاصه من كلّ ذلك أنّ السفير البخاري، بما يمثّل، كان يبحث في معراب عن الدولة الغائبة أو الضائعة أو المُختطَفة. لقد كانت المملكة العربية السعودية من بكركي إلى معراب تحمل كلمةً واحدة للّبنانيين، كلمةً تقول: “أيّها اللبنانيّون نريد أن يكون لكم دولة”.