صدر كتاب سياسي جديد في الولايات المتحدة عنوانه: “احتواء الدولة الأمنيّة الوطنية”. كان مؤلّفه، مالفين غودمان، من كبار المسؤولين في جهاز الاستخبارات الأميركية. وعمل معه لعقود طويلة قبل أن يتحوّل إلى الكتابة.
يتضمّن هذا الكتاب مجموعة مختارة من المقالات يدور معظمها حول الدور السرّي لجهاز الاستخبارات في اتّخاذ القرار السياسي الأميركي.
في واحدة من هذه المقالات يُقدّم مقارنة بين غزّة وبين الغيتو اليهودي في مدينة وارسو ببولندة. وتأخذ هذه المقارنة بعداً استثنائياً من الأهميّة من خلال الخلفيّة الدينية اليهودية للكاتب نفسه الدكتور غودمان. وهذا يؤدّي إلى عدم إمكان اتّهامه باللاسامية، أو بمحاباة العرب.
يروي الكاتب عن لسان طبيب نرويجي من مؤسسة “أطباء بلا حدود”، كيف منعته وزملاءه السلطات الإسرائيلية من معالجة الجرحى والمصابين من أهل غزّة.. تماماً كما فعل النازيون في بولندة
وفي هذه المقالة من الكتاب (الذي صدر هذا العام)، يقول غودمان: “إنّ غيتو وارسو كان الأكبر من نوعه في المناطق التي احتلّتها النازية في أوروبا. وكذلك قطاع غزّة، فهو أكبر “غيتو” في الشرق الأوسط، وذو الكثافة السكّانية الأعلى في العالم”.
“عندما احتلّ الألمان بولندة في عام 1940، عزلوا الغيتو اليهودي في وارسو عن العالم. وعندما انسحَبت إسرائيل من غزّة في عام 2005، فرضت على القطاع حصاراً من البحر والجوّ، الأمر الذي جعله عمليّاً، حتى في نظر الأمم المتحدة، واقعاً تحت الاحتلال. كانت البطالة القضية الرئيسة في غيتو وارسو، ومات حوالي مائة ألف من سكّانه بسبب المرض والجوع. وهذا ما يتعرّض له قطاع غزّة. فالحصار حرّم على أهله الحصول على الدواء والأجهزة الطبية والموادّ الضرورية الأخرى لمقوّمات الحياة”.
ينقل الكاتب عن رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون (2010) قوله: “لا يجوز أن تبقى غزّة سجناً. يجب أن يُسمح بحرية حركة تنقّل الأشخاص والموادّ الغذائية الضرورية للحياة الإنسانية، ولكن على مَن تقرأ مزاميرك يا داوود؟”.
وبعد أن يقدّم الكاتب صورة عن التدمير المنهجي لأحياء الغيتو اليهودي الذي قام به النازيون الألمان، حيّاً بعد آخر، يقول إنّ “الإسرائيليين يجدّدون العمل بهذه المنهجية التدميرية، فيدفع الفلسطينيون ثمن هذه الأعمال الوحشية، كما سبق أن دفع ثمنها قبل 70 عاماً اليهود البولونيون”.
يذهب الكاتب إلى أبعد من ذلك، فيقول إنّ “هذه الجرائم الجماعية بدأت في عام 1948 عندما وقعت نكبة تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين خلال الحرب الإسرائيلية – العربية الأولى”.
يقدّم الكاتب صورة عن التدمير المنهجي لأحياء الغيتو اليهودي الذي قام به النازيون الألمان، حيّاً بعد آخر
ويقول إنّه “نتيجةً لذلك، كان المهاجرون الفلسطينيون هم وحدهم، دون سواهم من كل المهاجرين في العالم، الذين مُنحوا صفة الهجرة الوراثية”، بمعنى الهجرة الدائمة، بسبب عدم السماح لهم بالعودة.
ويُجري الكاتب مقارنة بين المجزرة التي ارتكبها الإسرائيليون ضد الأطفال الفلسطينيين في جباليا في عام 2014، الذين كانوا يرفعون الأعلام البيضاء، فاجتاحتهم المجنزرات الإسرائيلية بلا رحمة، بالمجزرة التي ارتكبتها القوات النازية ضد أطفال الغيتو اليهودي في وارسو. وقد جدّدت إسرائيل ارتكاب المجزرة هذا العام أيضاً، كما أشارت إلى ذلك صحيفة “نيويورك تايمز” في صفحتها الأولى.
يروي الكاتب عن لسان طبيب نرويجي من مؤسسة “أطباء بلا حدود”، كيف “منعته وزملاءه السلطات الإسرائيلية من معالجة الجرحى والمصابين من أهل غزّة.. تماماً كما فعل النازيون في بولندة”.
ويخرج الكاتب الأميركي – اليهودي من هذه المقارنة بين قطاع غزّة وغيتو وارسو، ليؤكّد أنّ “رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو كان دائماً ضد مبدأ أيّ تسوية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وأنّه كان دائماً يصرّ على توجيه الإهانة إلى الجانب الفلسطيني في كلّ مرّة يُفتح ملف المفاوضات، بهدف تعطيل المفاوضات وقطع الطريق على أيّ تسوية”.
وينقل المؤلّف عن كتاب المؤلّف الإسرائيلي “جدعون ليفي”، الذي عنوانه “عقاب غزّة”، عبارةً لنتانياهو يُعرب فيها عن اعتزازه بوقف العمل باتفاقات أوسلو، ثمّ إسقاط تلك الاتفاقات.
إقرأ أيضاً: الحريديم: دواعش اليهود
إنّ استعمال أشدّ أنواع القوة العسكرية ضد أهالي غزّة، وحرمانهم من أبسط متطلّبات الحياة، مياه الشرب والطحين من أجل الخبز والدواء للعلاج، هما تماماً ما تعرّض له اليهود في غيتو وارسو على يد القوات النازية.
المقارنة الوحيدة الغائبة، في هذا المقال الموضوعي، هي بين مصير قادة النازية، الذي تقرّر في محاكمة نورمبرغ، ومصير قادة إسرائيل.