الحريديم: دواعش اليهود

مدة القراءة 5 د

منذ أن أصدرت الحكومة الإسرائيلية السابقة قانون إعلان إسرائيل دولةً يهوديّةً، ارتفعت علامة الاستفهام الكبرى عن معنى “اليهوديّة”. فهناك اليهود السفرديم، وهناك اليهود الأشكناز، وهناك اليهود المدنيون، وهناك اليهود الأرثوذكس أو “الحريديم”. وهؤلاء الحريديم يشكّلون مجتمعاً خاصّاً بهم، ويزيد عددهم في الوقت الحالي على مليون شخص. وهم يتزايدون بوتيرة سريعة.

تعترف الإحصاءات الرسمية الإسرائيلية بأنّ أكثر من 60 في المئة من الحريديم لا يشتغلون في أيّ مهنة، ولا يعملون في أيّ إدارة، وأنّهم يتفرّغون للدراسات الدينيّة. ولذلك يعيش أكثر من نصفهم تحت خطّ الفقر. وهم يعتمدون لتوفير قوت يومهم على الهبات الشهريّة التي تقدّمها الدولة لهم. أمّا بقيّة سكان إسرائيل، فإنّ 15 في المئة منهم فقط يحصلون على مثل هذه الهبات الشهريّة.

لهذه الجماعة الدينية أهميّة سياسية كبرى. فالمليون شخص يشكّلون في أيّ انتخابات برلمانية أو بلدية صوتاً واحداً. الحاخام الأكبر هو الذي يحدّد لمن يكون هذا التصويت وضدّ من. فالجميع يلتزم

يقضي الرجال من الحريديم أوقاتهم بين الدراسات الدينية وإنجاب الأطفال، ويبلغ معدّل عدد أفراد الأسرة الواحدة بين ستّة وسبعة، ويصل أحياناً إلى عشرة أشخاص.

حتّى الهواتف المحمولة الخاصّة بالحريديم لها “مفتاح” خاصّ، وأسعار مكالماتها مخفّضة عن أسعار مكالمات بقية الهواتف المحمولة. وهي تُعرف بهواتف الكوشر (والكوشر هو كلّ ما يخضع لمراقبة ومباركة الحاخام من مأكل أو مشرب أو أيّ شيء آخر). ولأنّ هواتفهم يُفترض أن لا تُستعمل في “إضاعة الوقت” فإنّ سعر الدقيقة الواحدة من المخابرة يبلغ 2 سنت فقط، فيما يبلغ سعرها لبقيّة الإسرائيليين 9.5 سنت للدقيقة الواحدة. ولكن إذا استعمل يهوديّ من هذه الطائفة (الحريديم) الهاتف النقّال لأيّ سبب يوم السبت، يقفز سعر الدقيقة الواحدة إلى 2.44 دولار عقاباً له. ذلك أنّه بموجب التعاليم اليهودية، يُمنع العمل، أيّ عمل، يوم السبت. والاتصال الهاتفي يُعتبر عملاً. وصنع فنجان قهوة في البيت هو عمل أيضاً. وعلى هذا الأساس، لا تعمل شركة الطيران الإسرائيلية أيّام السبت. حتّى المصاعد تتوقّف في المباني الخاصّة والعامّة عن العمل.

وتراعي إسرائيل في نظام النقل العامّ حاجات هذه الطائفة الخاصّة. من ذلك، مثلاً، تخصيص مركبات للنقل العامّ للرجال فقط، وأخرى للنساء فقط. وإذا حدث واضطرّت امرأة منهم لاستعمال المركبة المخصّصة للرجال فلا يسمح لها بالجلوس إلا في المقعد الخلفي، حتى لو كانت بصحبة زوجها وأولادها.

حتى المحلّات التجارية الكبرى تخصّص أقساماً خاصّة لهم لأنّ كلّ المعروضات، غذائية كانت أو شخصية، يجب أن تكون “كوشر”. أمّا المحلات التجارية الخاصّة بهم دون سواهم فإنّ عددها يزيد على 500 محلّ تجاريّ. وهم يشكّلون حوالي عشرة في المئة من حجم الاستهلاك في إسرائيل، أي ما يعادل 75 مليون دولار في العام.

تعترف الإحصاءات الرسمية الإسرائيلية بأنّ أكثر من 60 في المئة من الحريديم لا يشتغلون في أيّ مهنة، ولا يعملون في أيّ إدارة، وأنّهم يتفرّغون للدراسات الدينيّة. ولذلك يعيش أكثر من نصفهم تحت خطّ الفقر

من أجل ذلك يعيشون داخل المدن في أحياء خاصّة بهم. وتُخصَّص لهم في المستوطنات أجزاء منفصلة أيضاً لصعوبة تكيّفهم مع اليهود الآخرين، ولصعوبة تحمّل هؤلاء اليهود سلوكهم المتطرّف في التشدّد والانغلاق. ويشكّل هؤلاء رأس الحربة الموجّهة إلى الفلسطينيين، خاصّة في القدس ونابلس.

وعندما يقع خلاف بين الشرطة وأيّ شخص من الحريديم، ينتصر له أبناء الطائفة، ظالماً كان أو مظلوماً، ويعتبرون الاعتداء على أيّ واحد منهم اعتداءً على الدين. ولذلك يتّهمون إسرائيل بأنّها دولة كافرة أو مرتدّة عن اليهوديّة لأنّها لا تعتمد طريقتهم الدينية في الحياة الاجتماعية العامّة.

حتّى داخل بيوتهم ممنوع استخدام أجهزة التلفزة. ويُسمح باستخدامها فقط عندما تقدّم برامج دينية وثقافية للأطفال. أمّا الكبار فمحرّم عليهم إضاعة الوقت على البرامج الأخرى، إذ يجب أن يُصرَف الوقت في قراءة التوراة وفي التعبّد. حتى الصحف الاسرائيلية يُحرّمونها على أنفسهم ولا يقرأون إلا الصحيفة التي تصدر بإشراف مرجعيّتهم الدينية. أمّا دور السينما فهي محرّمة تماماً.

غير أنّ لهذه الجماعة الدينية أهميّة سياسية كبرى. فالمليون شخص يشكّلون في أيّ انتخابات برلمانية أو بلدية صوتاً واحداً. الحاخام الأكبر هو الذي يحدّد لمن يكون هذا التصويت وضدّ من. فالجميع يلتزم. ولذلك يشكّلون قوّة انتخابية مؤثّرة في الحياة السياسية الإسرائيلية، خاصّة عندما تكون الجماعات الحزبية المتنافسة (الليكود والعمل) متقاربة أو متعادلة القوى، فتكون أصوات الحريديم مرجّحة.

حاول نتانياهو، أثناء المعركة الانتخابية، استغلالهم بإطلاقهم على المسجد الأقصى وعلى الأحياء الفلسطينية في القدس، وأغدق المساعدات لتمويل مشاريع توسعة مستوطناتهم في الضفة الغربية، وخاصة في القدس ونابلس.

إقرأ أيضاً: إسرائيل: من القدس إلى غزّة

هذا المليون من اليهود (الذين يتكاثر عددهم بوتيرة سريعة، ولا يقومون بأيّ عمل، ولا يخدمون في الجيش، ويعيشون على الهبات التي تقدّمها الدولة)، يشكّلون القوّة التي غالباً ما تحسم الصراع السياسي بين الأحزاب الإسرائيلية الكبرى. إنّهم يؤمنون بالدولة الدينية ليس على طريقة حزب العمل، أو حزب الليكود، أو حزب أزرق أبيض.. ولكن على الطريقة التي يحدّدها كبير الحاخامات وحده. والقانون الإسرائيلي، الذي يقول بأنّ إسرائيل هي دولة يهودية، يعني أنّها دولة بهذا المفهوم الديني لليهوديّة، ليس للمسلمين وللمسيحيين فقط، بل ولليهود الذين لا يشاركونهم هذا التزمّت الانغلاقي. إنّهم داعش إسرائيل.. ولكنّهم ليسوا منبوذين!!

مواضيع ذات صلة

سجون داعش… متحف افتراضيّ لحكايا الجرائم

قبل كلّ هذه الموجة العسكرية الجديدة في سوريا، وعودة “جبهة النصرة” المولودة من رحم تنظيم “داعش”، باسمها الجديد: “هيئة تحرير الشام”، وقبل التطوّرات الأخيرة التي…

مهرجان BAFF يضيء على “روح” لبنان… في لحظة موت

يقدّم مهرجان BAFF هذا العام، الذي انطلق اليوم الإثنين، عدداً من الأفلام التي تحيّي “طرابلس عاصمة الثقافة العربية” و”أسرار مملكة بيبلوس” و”المكتبة الشرقية إن حكت”…

بيروت تتنفّس الصّعداء: سينما… وبوح النّازحين

بدأت الحياة الثقافية تتنفّس الصعداء في لبنان وإن بخجل، بعد شلل قسري تامّ منذ أواخر أيلول الماضي وتوسّع الحرب الإسرائيلية على لبنان وتخطّيها الحدود إلى…

فيلم “أرزة”: بارقة أمل لبنانيّة… من مصر إلى الأوسكار

أينما يحلّ فيلم “أرزة” اللبناني (إخراج ميرا شعيب وتأليف فيصل سام شعيب ولؤي خريش وإنتاج علي العربي) يمنح المشاهد، وخصوصاً اللبنانيين، الكثير من الأمل. فعدا…