لم يكن من باب الصدفة أن تختار السفيرة الأميركية في بيروت دورثي شيَا موعد إطلالتها الإعلامية الأولى، بعد عودتها من واشنطن، قبل أقلّ من ساعتين من موعد خطاب الأمين العامّ لحزب الله السيّد حسن نصرالله بعد ظهر يوم الجمعة الماضي.
فقد أطلّت السفيرة الأميركية، بعد ظهر يوم الجمعة، في لقاء حواريّ تلفزيوني مسجّل على قناة الجديد، للحديث عن تشكيل الحكومة اللبنانية ودور ومواقف رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل من الثلث الضامن، ودعم الجيش اللبناني، وتهديد الأمين العامّ لحزب الله السيد نصرالله بشراء البنزين من إيران حتى لو اعترضت الحكومة اللبنانية، إضافة إلى موضوعات أخرى تهمّ الشعب اللبناني، والأجواء الأميركية والدولية المتعلّقة بالتطوّرات اللبنانية.
حرص الطرفان على الإشادة بدور الجيش اللبناني وقائده العماد جوزيف عون، وضرورة تقديم كل أشكال الدعم له للقيام بواجباته في توطيد الأمن الداخلي وضبط الحدود
في المقابل، كانت هذه القضايا محور الخطاب الأخير للأمين العامّ لحزب الله، يضاف إليها الردّ الصريح والواضح والمباشر لحزب الله على طلب الاستعانة بالصديق السيّد نصرالله لمعالجة الأزمة الحكومية.
يبدو واضحاً، لمن استمع إلى مقابلة السفيرة الأميركية والأمين العامّ لحزب الله السيد نصرالله، أنّنا كنّا أمام سجال أميركي – حزب الله في مختلف القضايا والملفّات الداخلية، لكن في عمق هذه السجالات وما وراءها يمكن تسجيل النقاط التالية التي اتفق عليها السيد نصرالله مع السفيرة الأميركية ومَن وراءها مِن الجهات الدولية والإقليمية:
أوّلاً: دعم الجيش اللبناني وإبعاده عن السجالات السياسية والداخلية. فقد حرص الطرفان على الإشادة بدور الجيش اللبناني وقائده العماد جوزيف عون، وضرورة تقديم كل أشكال الدعم له للقيام بواجباته في توطيد الأمن الداخلي وضبط الحدود. وكان لافتاً حرصُ السيد نصرالله على رفض الحملات التي تُشنّ على الجيش وقائده، وتأكيد العلاقة الإيجابية معه. وفي المقابل، حرصت السفيرة الأميركية على رفض اعتبار دعم الجيش وقائده جزءاً من معركة رئاسة الجمهورية المقبلة.
ثانياً: رفض الثلث المعطِّل أو الضامن، وضرورة العمل لتسهيل تشكيل الحكومة. من جهتها، سألت السفيرة الأميركية عن هذا الملف، ولماذا الإصرار على الثلث المعطِّل، وأكّدت ضرورة تشكيل ما سمّته “حكومة المهمّة”. ومن جهته، تبنّى السيد نصرالله ضرورة العمل من أجل إنجاح الجهود لتشكيل الحكومة، ورفض منطق مَن يعتبر أنّ توزيع الوزراء على ثلاث حصص (ثلاث ثمانيات) هو نوع من المثالثة السياسية والطائفية. وحرص على التعاطي الإيجابي مع مواقف النائب باسيل من دون أن يتبنّى كل طروحاته، مع الاستمرار في دعم مبادرة الرئيس نبيه برّي لتشكيل الحكومة. وهي مبادرة تحظى بدعم عربي وإقليمي ودولي.
على الرغم من السجالات والخلافات بين الأميركيين وبعض الجهات الدولية من جهة، وبين حزب الله وأمينه العام من جهة أخرى، يبدو أنّ الجميع يريد اليوم حماية الاستقرار الداخلي، ومنع انهيار لبنان، والاستمرار في إدارة الأزمة، بانتظار الانتخابات النيابية المقبلة
ثالثاً: توفير الحاجات الأساسية للّبنانيين ومنع الانهيار. في هذا المجال، لفتت السفيرة الأميركية إلى الجهود المبذولة أميركياً ودولياً من أجل تقديم المساعدات إلى اللبنانيين، وخصوصاً عبر البنك الدولي، مشدّدة على ضرورة إصلاح قطاعيْ الكهرباء والنفط. وعلى الرغم من عدم ارتياحها إلى إمكان استيراد لبنان البنزين من إيران، كما أعلن السيد نصرالله، فإنّها لم تعارض ذلك بقوّة، وتركت الأمر للحكومة اللبنانية. أمّا السيد نصرالله ففتح الباب أمام جميع القوى والأحزاب والأطراف اللبنانية للاستعانة بأصدقائهم من أجل توفير الحاجات الأساسية للّبنانيين، ومنع حصول الانهيار. ولم يعترض السيد نصرالله على طلب الدعم من أميركا أو السعودية أو الدول الأوروبية. وكلّ ذلك بهدف منع الانهيار، وبانتظار تشكيل الحكومة، ولاستيعاب ردود الفعل الشعبية على رفع الدعم عن السلع الأساسية.
رابعاً: حماية الاستقرار. لقد كان أمراً لافتاً ومهمّاً في مواقف السيد حسن نصرالله الحرصُ الكبيرُ على حماية الاستقرار الداخلي وتوطيد الأمن، ورفضه أيّ تحرّك شعبي يؤدّي إلى ضرب الاستقرار، حتى لو كان التحرّك اعتراضاً على الأوضاع المعيشية الصعبة، وارتفاع أسعار الليرة اللبنانية مقابل الدولار، وارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية والبنزين والفيول، وانقطاع الكهرباء. في المقابل، تؤكّد معظم المواقف الأميركية والدولية والإقليمية ضرورة حماية الاستقرار في لبنان، ومنع الانهيار، ودعم الجيش اللبناني والأجهزة الأمنيّة، بانتظار التوصّل إلى حلول للأزمة الحكومية والسياسية، أو إلى أن يحين موعد الانتخابات النيابية المقبلة التي يمكن أن تشكّل محطةً للتغيير السياسي الداخلي، كما تتوقّع بعض الجهات الدولية والإقليمية.
في الخلاصة، وعلى الرغم من السجالات والخلافات بين الأميركيين وبعض الجهات الدولية من جهة، وبين حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله من جهة أخرى، في مقاربة بعض الملفّات والتطوّرات في لبنان، يبدو أنّ الجميع يريد اليوم حماية الاستقرار الداخلي، ومنع انهيار لبنان، والاستمرار في إدارة الأزمة، بانتظار الانتخابات النيابية المقبلة. فإذا جرى التوافق على تشكيل حكومة جديدة تدير الأزمة وتحافظ على الاستقرار، فلا مانع من ذلك، وإلا فإنّ بقاء الوضع على ما هو عليه حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، مع الحرص على الاستقرار وتقديم الدعم للّبنانيين، هو الخيار الثاني. وقد يكون ذلك انعكاساً لأجواء المفاوضات الدولية – الإيرانية حول الملف النووي الإيراني، التي قطعت خطوات إيجابية مهمّة، وسيكون لها انعكاسات على كلّ ملفّات المنطقة، ولو بشكل غير مباشر، من دون أن يعني ذلك ترابطاً مباشراً بين ما يجري في لبنان وهذه المفاوضات.
إقرأ أيضاً: ماذا عن دور الجيش إذا تعرّض الكيان لخطر الزوال؟
لكنّ المشكلة الأهمّ: هل مَن يضمن بقاء الأمور على ما هي عليه في ظل تفاقم الأوضاع المعيشية والاجتماعية والأمنيّة وتزايد التحرّكات الشعبية؟ وهل يظلّ هذا الستاتيكو قائماً حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة أو بانتظار نتائج المفاوضات الدولية والإقليمية مع إيران، أم نكون أمام تطوّرات أمنيّة وشعبية ومعيشية غير متوقّعة؟