لا مصلحة تعلو فوق مصلحة وحدة الطائفة. هذا هو عنوان مصالحة خلدة التي جمعت أمس رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس حزب التوحيد وئام وهّاب، ورئيس الحزب الديموقراطي طلال أرسلان الذي استقبلهما في دارته.
وقد بدا لافتاً أنّ أرسلان أجلس جنبلاط إلى يمينه، في مشهد “ثنائيّ”، فيما أجلس وهّاب على كنبة مقابلة، كما لو أنّه “ضيف” على ثنائيّة الجبل التاريخية.
وبدا اللقاء ترجمة لفلسفة جنبلاط بأنّ الزمن ليس زمن انقسام.
يقرأ أهل الطائفة مصلحتهم جيّداً. فهم يتّفقون على تكريس زعاماتهم تجنّباً لأيّ ثورة غير محسوبة. عندما تبدأ الزعامات باستشعار خطر انتفاضة مؤيّديها، مهما كانت الأسباب، تعود للاتّفاق في ما تختلف عليه، على أن يُبعد هذا الاتفاق خطر زعزعتها
في لقائه مع جنبلاط في كليمنصو، عرض وهّاب أن تقفز القوى الدرزية فوق الأحداث الدامية التي لحقت بها، وتُجري مصالحة، على أن تحكم هذه المصالحة المشهد السياسي في المرحلة المقبلة، بغضّ النظر عن الاستحقاقات الانتخابية. وقد أعرب جنبلاط عن استعداده لذلك، وهو الذي دأب على تسويق “التسوية” السياسية منذ فترة.
وكانت ثلاث حوادث دمويّة طبعت المشهد الدرزي في العامين الماضيين: حادثة البساتين وحادثة الشويفات وحادثة الجاهلية. كلّ حادثة سقط فيها ضحايا على اختلاف انتماءاتهم السياسية في الساحة الدرزية. ولمعالجة آثار هذه الأحداث فتح أرسلان أبواب خلدة، حيث اتّفق مع جنبلاط ووهّاب على تخفيف التوتّرات. فالأولويّة في مكان آخر. الأزمة الاجتماعية شرسة، ولا طاقة للمواطنين على احتمالها. وقد يكلّف تسعير الخطاب المذهبي والسياسي والتلطّي خلف الطائفة دماءً إضافية، ولا سيّما أنّ السلاح منتشر بين أبنائها. وقد اتفق المجتمعون على مرجعية الجيش. وكان لافتاً تأكيد البيان، الذي قرأه وهّاب، تسليم المطلوبين في الأحداث الأمنيّة.
يقرأ أهل الطائفة مصلحتهم جيّداً. فهم يتّفقون على تكريس زعاماتهم تجنّباً لأيّ ثورة غير محسوبة. عندما تبدأ الزعامات باستشعار خطر انتفاضة مؤيّديها، مهما كانت الأسباب، تعود للاتّفاق في ما تختلف عليه، على أن يُبعد هذا الاتفاق خطر زعزعتها.
وعليه، بعد الاجتماع في دارة خلدة، الذي دعا إلى تشكيل حكومة سريعاً، سيزور أرسلان أهالي الضحايا، الذين سقطوا في حادثة البساتين، في الأسبوع المقبل، الذي يصادف أن تقع فيه الذكرى السنوية لسقوطهم في زمن التصعيد السياسي. من جهته، سيردّد جنبلاط في خطابه أمام مناصريه تأييده للتسوية والتهدئة مهما كان الثمن. فهو الذي سبق أن قال إنّه مستعدّ لمصالحة بشار الأسد على الرغم من أنّ حافظ الأسد اغتال والده كمال جنبلاط. أمّا وهّاب المبادر فسيقفل ملفّ الجاهلية، وتقول المعلومات إنّه يُرجَّح أن يخوض الانتخابات إلى جانب أرسلان لِما فيه مصلحة فريقهم السياسي، الذي يتقدّمه رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل.
عرض وهّاب أن تقفز القوى الدرزية فوق الأحداث الدامية التي لحقت بها، وتُجري مصالحة، على أن تحكم هذه المصالحة المشهد السياسي في المرحلة المقبلة، بغضّ النظر عن الاستحقاقات الانتخابية
من جهة أخرى، ستسعى الطائفة الدرزية إلى انتخاب شيخ عقل واحد للطائفة بعد انقسام المرجعيات الروحية بين أرسلان وجنبلاط طوال سنوات. وهذا ما أكّده البيان بحديثه عن “تنظيم شؤون الطائفة انطلاقاً من مشيخة العقل”.
يقول البعض إنّ أهل الطائفة يقرأون جيّداً ويعرفون مصلحتهم في المستقبل. وقد يطابق ذلك ما ورد في دراسة بعنوان “نهاية لبنان كما نعرِفُه”، أعدّتها “الدولية للمعلومات”، وتتضمّن شرحاً مفصّلاً عن مصيرِ الطوائف في لبنان، ولا سيّما أنّ كلَّ طرف يقدّم أرقامه التي تدعم وجهةَ نظرِه، ويتبيّن فيها أنّ الدروز بلغوا حوالي 5 في المئة من عدد سكان لبنان عام 2006، وستبقى النسبة على حالها في العام 2081، أي بعد حوالي ستين عاماً.
إقرأ أيضاً: جنبلاط: انتظار الخائف أم انتظار العارف؟
أمّا المسيحيون، بحسب الدراسة نفسها، فستبلغ نسبتهم 11 في المئة بعد ستّين عاماً. ولا تستغرب الأوساط المسيحية المتابعة هذا الرقم. فالمسيحيّون في الأزمات يتقاتلون ولا يتّفقون. والدليل هو التقاتل الحادث اليوم بين أكبر كتلتين، واتّهام كلّ منهما الأخرى بـ”الذمّيّة”. وآخِرة هذه الجولات كانت اتّهام جبران باسيل بالذمّيّ عند الشيعة لأنّه كلّف الأمين العام لحزب الله بصون حقوق المسيحيين في الملف الحكومي. ومن جهة أخرى اتُّهِم سمير جعجع بالذمّيّ بسبب تحالفه مع المملكة العربية السعودية. وتحت راية حقوق المسيحيين، سينحسر دور الموارنة جرّاء تقاتلهم المستمرّ، في وقت يرى البعض أنّ المسيحيين وحدهم يملكون التنوّع في الاتجاهات السياسية، وهذا ما يُفترَض أن يُحسَب لهم وليس عليهم.
لكن أليس التنوّع لعنة المسيحيين؟
يقول المراقبون: “لعلّهم يراقبون الدروز اليوم، ويتعلّمون”.