في هذه الحلقة الثانية من الحوار مع رئيس “المركز اللبناني للمعلومات” في واشنطن الدكتور جوزيف جبيلي، كشف لـ”أساس” أنّ “الموقف الأميركي من النظام السوري لا يزال سلبيّاً جدّاً”. وأنّ “العقوبات والمقاطعة مستمرّتان، والضغط سيتواصل إلى حدوده القصوى، في المجالات المالية والاقتصادية والعسكرية. وقانون قيصر واحد من أدوات الضغط الأساسية لمنع مساعدة النظام”. وأكّد أنّ “ظهور عدم ارتياح أميركي للانفتاح العربي على نظام بشار الأسد المصنّف أميركياً مجرماً لا يمكنه الاستمرار في حكم سوريا”.
وأوضح جبيلي أنّ “إدارة الرئيس الأميركي جو بادين لا تزال في مرحلة إعادة النظر في مجمل السياسة الخارجية. وهي تنظر في شؤون كل بلد بشكل منفصل. والأولويات لديها مبنية على قاعدة إدارة التنافس مع القوى العظمى (الصين وروسيا). وتنطلق نظرة الإدارة الأميركية للشرق الأوسط من زاوية التنافس مع روسيا والصين، وكيفيّة التعامل مع المشاكل السياسية والاقتصادية والإنسانية في المنطقة”.
من خلال الوثائق والمستندات الصادرة عن مواقع القرار الأميركية، ينقل جبيلي عن مسؤولين أميركيين “وفق ما سمعنا منهم”، أنّ أمن “إسرائيل” لا تزال “له الأولوية على ما عداه من قضايا، مع طرح العودة إلى مبدأ حلّ الدولتين، بعدما تخلّى عنه الرئيس السابق دونالد ترامب”.
إدارة الرئيس الأميركي جو بادين لا تزال في مرحلة إعادة النظر في مجمل السياسة الخارجية. وهي تنظر في شؤون كل بلد بشكل منفصل
لكنّه يلفت إلى “عدم وجود حماسة خاصة لهذا التوجّه، فليس لدى بايدن مبادرة محدّدة في هذا الإطار. وفَهِمْنا من المسؤولين في الإدارة أنّه إذا كانت لدى الإسرائيليين والفلسطينيين الرغبة في تحقيق السلام والتفاوض حول خيار الدولتين، أو حول أيّ حلول أخرى، فإنّ الإدارة الأميركية مستعدّة للتوسّط وبذل الجهد لإنجاح المفاوضات”.
المخاوف النووية والتطمينات
جبيلي ينقل أنّه استمع إلى “وجهة نظر الإدارة الأميركية في الموضوع الإيراني”، وأنّه سمع من المسؤولين فيها عن “مجموعة مشاكل مع إيران، إحداها المشروع النووي، إضافة إلى الصواريخ الباليستية والتدخّلات الإيرانية في دول المنطقة. لكنّ القاعدة التي تجري عليها الأمور هي وجود تصميم لدى بايدن على العودة إلى الاتفاق النووي، مع مراجعة جملة من التفاصيل الدقيقة في الملفّ النوويّ”.
ما هي نقطة البدء في التفاهم؟
يجيب جبيلي: “لا تزال تجد عراقيل أمامها، لأنّ الجانب الإيراني يقول للأميركيين أنتم مَن خرج من الاتفاق وعليكم العودة إليه، مع رفع العقوبات الأساسية على الأقلّ، ثمّ يجري التفاوض على بقية القضايا. في المقابل يقول الأميركيون للإيرانيين أنتم خرجتم من الاتفاق لأنّكم تخصِّبون اليورانيوم بنسبة 60%، ولهذا يجب أن ترجعوا إلى الاتفاق أوّلاً، وعندئذٍ يمكن البحث في القضايا الأخرى”.
ويعتبر أنّ “الأمور لا تزال غير واضحة، لكن لدى الطرفين النيّة للعودة إلى الاتفاق، ليبقى السؤال عن كيفيّة البحث في الصواريخ الباليستية وفي تدخّل إيران في دول المنطقة. يقول الأميركيون إنّهم مصمّمون على وضع مسألتيْ الصواريخ والتدخّلات الإيرانية على الطاولة. ولإرضاء حلفائها في المنطقة، اتّخذت إدارة بايدن خطوات تتعلّق بالاتفاق النووي وبملفّات المنطقة ككلّ، بينما كان أوباما مصمِّماً على التوصّل إلى اتفاق مع إيران، بدون الأخذ في الاعتبار لموقف إسرائيل أو دول الخليج، وكلاهما يعتبران أنفسهما مهدَّدين من قبل إيران”.
وبحسب معلوماته، فإنّ “بايدن يريد إعطاء تطمينات تأخذ بعين الاعتبار المواقف العربية والإسرائيلية، لكنّ مبعث القلق لدى الجميع هو أن تبني الإدارة الأميركية استراتيجيتها على العودة إلى الاتفاق النووي، ثمّ الانتقال لاحقاً إلى ملفّيْ الصواريخ الباليستية وتدخّلات طهران في المنطقة. وفي هذه الحال، ما الذي سيجبر إيران على العودة للتفاوض إذا حصلت على اتفاق يرفع عنها العقوبات الأساسية ويعيدها إلى المجتمع الدولي، خاصة أنّها تدّعي أن لا علاقة لها بما يجري في الدول العربية، وأنّ حلّ مشاكل هذه الدول منفصلٌ عن الملفّ الإيراني، وأن ليس لدى طهران ما تقوله في ملفّات تلك الدول”.
الأمور لا تزال غير واضحة، لكن لدى الطرفين النيّة للعودة إلى الاتفاق، ليبقى السؤال عن كيفيّة البحث في الصواريخ الباليستية وفي تدخّل إيران في دول المنطقة
لكنّ الأكيد أنّ “الموقف في واشنطن من النظام السوري سلبيٌّ جدّاً. فالعقوبات والمقاطعة مستمرّتان، والضغط سيتواصل إلى حدوده القصوى. لن يُعطى النظام أيّ أموال، ولن يُسمح للشركات الأجنبية بالتعاطي معه، أو أن تساعد بشار الأسد ونظامه بشكل مباشر أو غير مباشر. وقانون قيصر واحد من أدوات الضغط الأساسية لمنع أيّ مؤسسات أو شركات أو أشخاص من مساندة النظام”.
إقرأ أيضاً: مركز دراسات من واشنطن(1/2): الانهيار الشامل للبنان ممنوع
ويخلُص جبيلي إلى أنّ “المسؤولين الأميركيين ليسوا مرتاحين إلى الانفتاح العربي على الأسد، ولا يستسيغونه، ويعتبرونه في أقلّ التقديرات سابقاً لأوانه، ولا يجدون مبرّراً لهذا الإقبال على بشّار، خاصة أنّ الإدارة الأميركية مقتنعة بأنّه لن يفكّ الارتباط مع إيران من ناحية، وأنّها تعتبره مجرماً لا يمكنه الاستمرار في حكم سوريا كرئيس شرعي معترف به، بعد كلّ الجرائم التي ارتكبها ضدّ الشعب السوري، من ناحية ثانية. وهذا الموقف يشمل الحزبين الديموقراطي والجمهوري، والإدارة والكونغرس. وتقف كلّ مواقع القرار في واشنطن ضدّ أيّ تعويم لنظام الأسد”.
ويختم جبيلي بالقول إنّ “الأميركيين مقتنعون بأنّ مسألة تخلّي النظام عن الارتباط بإيران طرحٌ غير واقعي. فسياسته ثابتة منذ حرب الخليج الأولى، عندما وقف حافظ الأسد مع طهران ضدّ العراق. وهي مستمرّة، وستبقى على هذا المنوال، خاصة في ظلّ الاحتلال الإيراني والروسي للأراضي السورية”.