محمّد “ضيف” غزّة (2/2): وداعاً مشعل.. أهلاً بشّار

مدة القراءة 7 د

بعد توقيع “اتفاق مكّة” بين حركتي حماس وفتح في شباط 2007، رجعَ رئيس حكومة حماس إسماعيل هنيّة إلى قطاع غزّة، بينما توجّه رئيس المكتب السّياسي للحركة خالد مشعل إلى مقرّ إقامته في العاصمة السّوريّة دمشق. لم يكن محمّد الضّيف وفريقه يشعرون بالرّضى عن توقيع الاتفاق، إذ إنّ إيران تريد الهيمنة الكاملة على القرار الفلسطيني في القطاع بعد الانسحاب الإسرائيلي منه سنة 2005.

من هذا المُنطلق، جاءَت كلمة السرّ من القيادة العسكريّة والأمنيّة لكتائب القسّام: “الحسم العسكريّ ولا بقاء لفتح في القطاع”. تحرّكَ الآلاف من المقاتلين، الذين يعملون تحت إمرة القائد العام محمّد الضّيف ونائبه أحمد الجعبري ومسؤول الوحدات الخاصّة مروان عيسى وجهاز الأمن والدّعوة (مجد)، الذي أسّسه رئيس المكتب السّياسي للحركة يحيى السّنوار، الذي كان مُعتقلاً في السّجون الإسرائيليّة حينئذٍ، ووزير الخارجيّة محمود الزّهّار، وقوّات وزارة الدّاخلية بإمرة القيادي الرّاحل سعيد صيام.

استعرضت كتائب القسّام وحشيّتها بكلّ ما أوتيت من قوّة، إذ انتشرت مقاطع فيديو لإعدام عناصر من حركة فتح وجهاز الأمن الوقائي رمياً بالرّصاص، عدا عن قذف عددٍ منهم من شرفات المباني… وكانت النّتيجة: “الأمرُ لي”.

لاحقاً باتت شرارة الثّورة السّوريّة سنة 2011 نقطة تحوّلٍ في العلاقة بين المكتب السّياسي للحركة برئاسة خالد مشعل (أبو الوليد) ونائبه  موسى أبو مرزوق وإسماعيل هنيّة (أبو العبد) من جهة، وبين الجناح الإيرانيّ العسكريّ – الأمني للحركة بإمرة محمّد الضّيف (أبو خالد)، والمُعتقل يومئذٍ يحيى السّنوار، ومحمود الزّهار من جهة أخرى. فقد اختار مِشعَل أن يظهر في مهرجان الذّكرى الـ25 لتأسيس حركة حماس، الذي أُقيم في قطاع غزّة سنة 2012، بصورة الدّاعم للثّورة السّوريّة، فرفَع علم الثّورة أمام حشود المؤيّدين، وعلى يساره إسماعيل هنيّة مُصفّقاً مُبتسماً مُبتهجاً. إلّا أنّ هذه البهجة لم تدُم طويلاً.

استعرضت كتائب القسّام وحشيّتها بكلّ ما أوتيت من قوّة، إذ انتشرت مقاطع فيديو لإعدام عناصر من حركة فتح وجهاز الأمن الوقائي رمياً بالرّصاص، عدا عن قذف عددٍ منهم من شرفات المباني… وكانت النّتيجة: “الأمرُ لي”

لم يكن أبو خالد الضّيف، الذي يُشاهد “استفزاز” مشعل وهنيّة لإيران، يبتسم مثلهما، خصوصاً أنّه فَقَد نائبه أحمد الجعبري قبل شهرين من مشهد الاستفزاز بغارة إسرائيليّة… ولم يكن الثّنائي مشعل وهنيّة يعلمان أنّ هذه الصّورة ستُحيلهما إلى التّقاعد في أقرب فرصةٍ ممكنة، وتجعل منهما سائحين في الدّوحة وإسطنبول. وزادَ الطّين بلّة خروج نائب رئيس المكتب السّياسي موسى أبو مرزوق بتصريحٍ قال فيه: “على إيران أن تعيد النّظر في دعمها للنظام السوري، إذا كانت لا تريد أن تؤلِّب عليها الرأي العام العربي”.

من غزّة إلى العاصمة السّويسريّة جنيف، حيث كانت إيران تُجالس المجموعة الدّوليّة سنة 2014، تمهيداً للوصول إلى الاتفاق النّووي بعد سنة في لوزان. في كانون الثّاني 2014، حرّرت الولايات المُتحدة 4.2 مليارات دولار من الأموال الإيرانيّة المُجمّدة، إلّا أنّ طهران احتاجت إلى ورقة تفاوضٍ قبل الوصول إلى الاتفاق النّهائي في نيسان 2015، ولا ورقة لها أفضل من “أمن إسرائيل”. كانت حاجة إيران فرصةً لا تُعوّض لمحمّد الضّيف.

قرّر القائد العامّ للقسّام إطلاق 40 صاروخاً نحو المستوطنات الإسرائيليّة بعد “حادث وقع في أحد الأنفاق التابعة للقسّام”، نفى الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عن القيام به. تسبّبت صواريخ الضّيف الـ40 شرارة بمواجهة بين حماس وإسرائيل استمرّت 50 يوماً، قَصَف خلالها الضّيف القدس وتل أبيب ومطار بن غوريون للمرّة الأولى من داخل قطاع غزّة.

لم تكن صواريخ الانطلاقة هي فاتحة المعركة مع إسرائيل، بل كانت أيضاً فاتحة المعركة الحاسمة بين الجناح الإيرانيّ والجناح التّركي – القطري داخل حماس نفسها. هذه المرّة أدخلت إيران شخصيّة قديمة جديدة على الشّاشة، وهي المُتحدّث الرّسمي باسم كتائب القسّام وفصائل المقاومة في غزّة “أبو عبيدة”. لم يكن الرّجل المُلثّم بكوفيّة حمراء سوى وسيلة لاستكمال الانقلاب الإيراني على مشعل وهنيّة. مع انتهاء معركة 2014، خرجَ “أبو عبيدة” ليوجّه الشّكر لـ”الأخوة في الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، التي لولاها لما استطاعت المُقاومة من ضرب العمق المُحتلّ، ولا تدمير أسطورة الميركافا”.

وفي الفترة نفسها، كان نجم يحيى السّنوار قد أخذ بالصّعود بين الأوساط “الحمساويّة” في غزّة بعد الإفراج عنه من السّجون الإسرائيليّة سنة 2011.  بينما كان نجم النّائب الحالي لرئيس الحركة وقائد عمليّاتها في الضّفة الغربيّة صالح العاروري، المُفرج عنه سنة 2010، يتنقّل بين طهران والضّاحية الجنوبيّة لبيروت لاستكمال الانقلاب على خالد مشعل، بعدما قام الأخير بالضّغط على السّلطات القطريّة لإخراجه من الدّوحة. وفي هذا الإطار، أشارت معلومات لـ”أساس” إلى أنّ طائرة الدّرون الإسرائيليّة المُفخّخة التي أسقطها حزب الله في منطقة معوّض في آب 2019 كانت تستهدف صالح العاروري.

قرّر القائد العامّ للقسّام إطلاق 40 صاروخاً نحو المستوطنات الإسرائيليّة بعد “حادث وقع في أحد الأنفاق التابعة للقسّام”، نفى الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عن القيام به. تسبّبت صواريخ الضّيف الـ40 شرارة بمواجهة بين حماس وإسرائيل استمرّت 50 يوماً

جاءَت سنة 2017، وهي السّنة التي ستشهد “تقليم أظافر” الجناح التركي – القطري في الحركة، والتي شهدَت تعيين إسماعيل هنيّة رئيساً لمكتبها السّياسي وصالح العاروري المُقرّب من الحرس الثّوري وحزب الله نائباً له. بينما عُيِّنَ السّنوار رئيساً للحركة في غزّة، وهيمن المُقرّبون من إيران على قرار المكتب السّياسي للحركة. أمّا خالد مشعل فقد أُحيل على التقاعد وبقيَ مُستقرّاً في العاصمة القطريّة الدّوحة. وهنا كانت تتّسع ابتسامة محمّد الضّيف…

كان هنيّة ينتظر فرصةً لتقديم الاعتذار والنّدم والولاء والطّاعة لطهران، فكان اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثّوريّ قاسم سليماني سنة 2020 “الضّارّة النّافعة”. ركبَ هنيّة الطّائرة بصحبة وسيطه لدى الإيرانيين صالح العاروري، وتوجّه إلى جنازة سليماني، حاملاً “الميكروفون” ليصدَح من قلب طهران ثلاثاً: “شهيد القدس، شهيد القدس، شهيد القدس”… وهنا أيضاً اتّسعت ابتسامة الضّيف.

إقرأ أيضاً: محمد “ضيف” غزّة (1/2): فلسطين مقاطعة إيرانية

بعد مقتل سليماني بـ9 أشهر، حطّ هنيّة وصالح العاروري في مطار رفيق الحريري الدّولي، ونزلا في فندق السّاحة في الضّاحية الجنوبيّة، على طريق مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي. التقى هنيّة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله علناً مرّةً واحدةً، ومرّات بعيداً من الإعلام. وزارَ مُخيّم عين الحلوة، مستعرضاً عضلات الحركة في مخيّمات لبنان.

اليوم، وبعد مواجهة الـ11 يوماً، كرّر هنيّة وقادة حماس، مثل “أبو عبيدة” ويحيى السّنوار، مراسم الولاء والطّاعة والشّكر لإيران. وحين حاول خالد مشعل التّشويش، عبر شاشة “روسيا اليوم”، مُقلّلاً من قيمة مساعدات إيران للحركة، زاعماً أنّ ترسانة حماس وخبراتها محليّة في أكثرها، كان يحاول الثّأر لنفسه… هنا، كان الجناح الإيرانيّ أيضاً أسرع من خالد مِشعل، إذ أطلّ القياديّ في الحركة أسامة حمدان، قبل أيّامٍ قليلة، عبر شاشة “الميادين”، موجّهاً التحيّة هذه المرّة لرئيس النّظام السّوري بشّار الأسد. وهنا أيضاً، كان محمّد الضّيف يبتسمُ… ولسان حاله يقول: “وداعاً أبا الوليد… نحن لإيران”.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…