إيران تغيِّر اليمن…

مدة القراءة 6 د

يُفترض ألّا تمرّ الزيارة التفقّدية لحسن إيرلو المفوّض السامي الإيراني في اليمن، وهو ضابط في “الحرس الثوري”، لجامعة صنعاء مرور الكرام. الزيارة أكثر بكثير من مجرّد زيارة. إنّها رسالة  فحواها أنّ إيران موجودة في اليمن كي تبقى فيه وتغيِّره بما يناسب مصالحها وأهدافها البعيدة المدى.

صحيح أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” لم تستطع السيطرة على كلّ اليمن، لكنّ الصحيح أيضاً أنّها في صنعاء منذ 21  أيلول 2014، أي منذ سبع سنوات تقريباً. سعت في البداية إلى التوسّع في كلّ الاتجاهات قبل أن تجد من يردعها في عدن وميناء المخا الاستراتيجي الذي يتحكّم بمضيق باب المندب. عوّضت عن ذلك بتكريس وجودها في ميناء الحديدة المهمّ الذي لا يزال تحت سيطرة الحوثيين الرافضين تنفيذ أيّ اتفاق لإيجاد وضع خاص به…

ليست زيارة ايرلو لجامعة صنعاء والاستقبال الرسمي الذي أقيم له حدثاً عابراً. على العكس من ذلك، إنّها تعكس رغبة في تغيير طبيعة المجتمع اليمني عبر تغيير النظام التعليمي. بكلام أوضح، انتقلت إيران من وضع يدها على صنعاء الى مرحلة جديدة تقوم على تأسيس وجود دائم في اليمن

لا يمكن التهرّب من أنّ إيران هي الطرف الذي يسيطر بالفعل على العاصمة اليمنية. لا يتعلّق الموضوع بالطرف المحلّي الذي وضع يده على المدينة في 21 أيلول 2014. أثبتت الأحداث، مع مرور الوقت، أنّ الحوثيين (أنصار الله)، الذين استطاعوا اكتساح صنعاء بتسهيل من “الشرعيّة” وحساباتها الخاطئة، ليسوا سوى أداة إيرانية. فوق ذلك كلّه، يتبيّن يوماً بعد يوم أنّ إيران تمتلك مشروعاً محدّداً وواضحاً خاصّاً بها في اليمن.

في غياب القدرة على السيطرة على البلد كلّه، ارتأت إيران إقامة كيان في الشمال يمتلك كلّ مقوّمات الدولة المستقلّة، لكنّه يدور في فلك “الجمهوريّة الإسلاميّة”. يفسّر وجود مثل هذا المشروع الإصرار على احتلال مدينة مأرب بعد التوغّل في معظم المحافظة وبعد ابتلاع مناطق واسعة من محافظة الجوف التي لديها حدود طويلة مع المملكة العربيّة السعوديّة.

ليست زيارة إيرلو لجامعة صنعاء والاستقبال الرسمي، الذي أقيم له، حدثاً عابراً. على العكس من ذلك، إنّها تعكس رغبة في تغيير طبيعة المجتمع اليمني عبر تغيير النظام التعليمي. بكلام أوضح، انتقلت إيران من وضع يدها على صنعاء إلى مرحلة جديدة تقوم على تأسيس وجود دائم في اليمن. لتحقيق هذا الغرض، ليس من وسيلةٍ أفضل من اختراق النظام التعليمي، بدءاً بالمرحلة الابتدائية ووصولاً إلى الجامعة.

ما تفعله إيران في اليمن فعلته سابقاً في مناطق لبنانيّة في الماضي، حيث أسّست مدارس يشرف عليها “حزب الله” وتنظيمات كشفية. غيّرت طبيعة الطائفة الشيعيّة في لبنان بعد سنوات من الجهود الدؤوبة، وهي في طريقها إلى تغيير لبنان كلّه، إن لم يكن قد غيّرته بعد انهيار نظامه المصرفي والنظام التعليمي فيه. في العراق، عملت إيران منذ 2003، تاريخ الاجتياح الأميركي، على أن تكون موجودة في الوزارات التي تهتمّ بالتعليم، إضافةً إلى الجامعات العراقيّة. إنّها تعرف تماماً ماذا تريد في العراق ومنه.

ليس ما يحدث في اليمن أمراً جديداً. في مرحلة معيّنة، تواجه علي عبدالله صالح، الذي اغتاله الحوثيون في الرابع من كانون الأوّل 2017، مع الإخوان المسلمين ومع مجموعات أخرى متطرّفة ولدت من رحمهم بسبب البرامج التعليمية. خاض الرئيس السابق حرباً طويلة مع الإخوان المسلمين بسبب البرامج التعليميّة. تلطّى الإخوان وقتذاك بالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، شيخ مشايخ حاشد ورئيس مجلس النواب. في طريقهم إلى الانقلاب على علي عبدالله صالح، في شباط 2011، سعى الإخوان وآخرون، مثل الشيخ عبد المجيد الزنداني، إلى التحكّم بالبرامج التعليمية والجامعات. تأسّست “جامعة الإيمان”  في العام 1993، وكانت جزءاً من عمليّة تصبّ في تغيير طبيعة المجتمع اليمني الذي بدأ يتّجه إلى نوع من الانفتاح اجتماعياً وسياسياً وثقافيّاً. بدأ الانفتاح بعد تحقيق الوحدة في العام 1990 وانتقال عدد كبير من قياديي الحزب الاشتراكي إلى صنعاء في ظلّ تعدّدية حزبية سمحت بتأسيس عشرات الصحف والمجلات الجديدة، وإيجاد حراك سياسي وثقافي في عاصمة البلد.

تكشف الزيارة التي قام بها حسن ايرلو لجامعة صنعاء توجها إيرانيا الى الإقامة طويلا في اليمن وتأسيس دولة تابعة. بالنسبة الى “الجمهوريّة الاسلاميّة” لا مجال لتغيير في اليمن يؤدي الى العودة الى ما قبل 21 أيلول – سبتمبر 2014

كان الإسلاميون، خصوصاً قادة جماعة الإخوان، أوّل من تضايق من اتجاه الريح في مرحلة ما بعد الوحدة. لجأوا إلى منع تمرير دستور جديد يتّسم بروح عصريّة ويؤسّس لدولة مدنيّة. انتقلوا بعد ذلك إلى فرض رؤيتهم للتعليم، خصوصاً بعد حرب صيف العام 1994 التي هزم فيها علي عبدالله صالح، بدعم من ميليشيات إخوانيّة، الحزب الاشتراكي.

أسّس الإخوان المسلمون لسقوط العهد الطويل لعلي عبدالله صالح، الذي ارتكب أخطاء كبيرة. من بين هذه الأخطاء تشجيع الحوثيين على إقامة تيّار سياسي خاص بهم وفتح قناة لهم مع إيران بغية إيجاد توازن بينهم وبين الإخوان المسلمين والحركات المتطرّفة التي تلوذ بهم. ما لبث الحوثيون أن انقلبوا عليه. لم يكتشف ذلك إلّا في وقت متأخّر.

تكشف الزيارة، التي قام بها حسن إيرلو لجامعة صنعاء، توجّهاً إيرانياً إلى الإقامة طويلاً في اليمن وتأسيس دولة تابعة. بالنسبة إلى “الجمهوريّة الإسلاميّة” لا مجال لتغيير في اليمن يؤدي إلى العودة إلى ما قبل 21 أيلول 2014. لا بدّ من استعادةٍ للخطاب الذي ألقاه عبد الملك الحوثي مباشرة بعد وضع جماعته يدها على صنعاء. تحدّث الحوثي عن “ثورة” ونظام جديد مكان النظام الجمهوري الذي قام إثر إطاحة الإمامة في 26 أيلول 1962.

تؤسّس إيران لنظام جديد في صنعاء. تعرف أن الحوثيين في طريقهم من صعدة إلى العاصمة اليمنية، مروراً بمحافظة عمران، غيّروا ثوابت كثيرة. من بين ما غيّروه التركيبة القبليّة. استفاد الحوثيّون من كلّ التناقضات الداخليّة، بما فيها حقد الرئيس الانتقالي عبد ربّه منصور هادي على علي عبدالله صالح، وتفكيكه للجيش اليمني الذي كان قائماً، خصوصاً ألوية الحرس الجمهوري.

إقرأ أيضاً: الحوثيّ احتلّ “جامعة مراد”: ممنوع الاختلاط.. مسموح الصواريخ

ليست زيارة حسن إيرلو لجامعة صنعاء سوى تتويج لمرحلة جديدة باتت فيها إيران تعتقد أنّها أوجدت واقعاً جديداً في اليمن، بغضّ النظر عمّا إذا كانت ستكون قادرة على تمكين الحوثيين من الاستيلاء على مدينة مأرب أم لا…

سيبقى السؤال في المرحلة المقبلة: ما هي حدود الكيان الإيراني في اليمن؟ الأهمّ من ذلك كلّه، هل تستوعب الإدارة الأميركية الجديدة معنى قيام مثل هذا الكيان المعادي للدول العربية الخليجية، وفي مقدّمها المملكة العربيّة السعوديّة؟ في الواقع، ليس هذا الكيان، الذي سيكون التعليم فيه بمواصفات إيرانية، سوى منصّة صواريخ موجّهة إلى كلّ دولة من دول الخليج العربي…

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…