شكّل إعلان وقف إطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وقوى المقاومة في غزّة، بوساطة مصرية ودعم أميركي، انتصاراً مهمّاً لقوى المقاومة الفلسطينية في مواجهة العدو الصهيوني. وتتمثّل أهمية هذه الحرب في كونها أعادت اللحمة للشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال، وأدخلت سلاح المقاومة في معركة مواجهة تهويد القدس، وأشركت فلسطينيّي الأراضي المحتلة عام 1948 في الصراع، وأعادت تفعيل النضال الشعبي في مناطق الضفة الغربية.
فكيف يقرأ محور المقاومة نتائج ما جرى؟ وما هي الانعكاسات العمليّة والسياسية على هذا المحور ودوره في المرحلة المقبلة؟
تعتبر مصادر مطّلعة على أجواء قيادات محور المقاومة هذه المعركة “أثبتت فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أيّ هدف استراتيجي في مواجهة حركة حماس وقوى المقاومة في قطاع غزة وبقية الأراضي الفلسطينية. بالمقابل نجحت قوى المقاومة في الصمود والاستمرار في إطلاق الصواريخ حتى اللحظة الأخيرة، وكانت قيادات محور المقاومة في لبنان والمنطقة تتابع سير الحرب لحظة بلحظة من خلال غرفة عمليات غير معلنة تتولّى التنسيق والتعاون بين كلّ أركان المحور في إدارة العمليات على الصعد العسكرية والأمنية والدبلوماسية والإعلامية والنفسية والسياسية”.
وأوضحت هذه المصادر أنّ “قوى المقاومة في قطاع غزّة (حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وبقيّة الفصائل) تولّت إدارة العملية العسكرية من داخل القطاع والمناطق الفلسطينية الأخرى، في حين أنّ قيادات محور المقاومة توزّعت على مختلف العواصم العربية والإسلامية لمواكبة الحرب في مختلف المجالات عبر الاتصالات وتوزيع المهمّات وتوفير كلّ أشكال الدعم المطلوبة”.
تعتبر مصادر مطّلعة على أجواء قيادات محور المقاومة هذه المعركة “أثبتت فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أيّ هدف استراتيجي في مواجهة حركة حماس وقوى المقاومة في قطاع غزة وبقية الأراضي الفلسطينية
وتكشف هذه القيادات أنّ “بيروت كانت أبرز العواصم العربية التي واكبت المعركة من خلال لقاءات دائمة بين قيادات المقاومة، وبواسطة التنسيق الميداني، ووضع خطط عملية للمواجهات الشعبية والسياسية والميدانية. ومن اللقاءات المهمّة زيارة وفد من قيادة حزب الله، برئاسة الشيخ نعيم قاسم، قيادتيْ حركة حماس والجهاد الإسلامي، لبحث التطوّرات في غزة وكلّ أشكال التنسيق. فيما تولّى قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني التواصل مع قيادتيْ حماس والجهاد من أجل دراسة التطوّرات، وتأكيد الدعم الإيراني لقوى المقاومة، وجرت اتصالات أخرى بين عدد من أركان المحور والقيادات الفلسطينية”.
أمّا في العواصم الأخرى، ولا سيّما الدوحة وإسطنبول والقاهرة، فقد كانت قيادة حماس تتابع الاتصالات الدبلوماسية والسياسية والإعلامية، بالتنسيق مع بقية قيادات المقاومة، وخصوصاً حركة الجهاد الإسلامي، من أجل البحث في كيفيّة الوصول إلى وقفٍ لإطلاق النار وصيغة الاتفاق المطلوبة.
وبحسب المصادر المطّلعة في محور المقاومة وعدد من المختصّين بالشأن الإسرائيلي، فقد فشلت الحرب على غزّة في تحقيق أيّ هدف إسرائيلي استراتيجي، وأدّت الى خسائر مهمّة في منظومة الردع الإسرائيلية، وأعادت القضية الفلسطينية إلى محور الاهتمام الدولي والعربي، وتراجعت كلّ خطط التطبيع مع العدوّ. فيما شارك كل الشعب الفلسطيني في كل الأراضي المحتلّة، منذ عام 1948، وفي الضفة الغربية، في مواجهة الصهاينة، معطياً للصراع أبعاداً جديدة أقلقت قيادات الكيان الصهيوني، وجعلتهم يتحدّثون عن الخوف من حرب أهليّة داخل الكيان.
في العواصم الأخرى، ولا سيّما الدوحة وإسطنبول والقاهرة، كانت قيادة حماس تتابع الاتصالات الدبلوماسية والسياسية والإعلامية، بالتنسيق مع بقية قيادات المقاومة، وخصوصاً حركة الجهاد الإسلامي، من أجل البحث في كيفيّة الوصول إلى وقفٍ لإطلاق النار وصيغة الاتفاق المطلوبة
وباعتراف العديد من المحلّلين الإسرائيليين، لم تحقّق الحرب على غزّة أيّ نتائج عسكرية مهمّة، بل فشلت الخطط التي وضعها الجيش الإسرائيلي. ولذلك تركّز القصف على الأماكن السكنية والأبراج في غزّة، واستهدف الأطفال والنساء والعائلات.
بالمقابل يؤكّد قادة محور المقاومة أنّ ما جرى في هذه الحرب هو نموذج مصغّر لِما يمكن أن تشهده أيّ مواجهة مستقبلية بين هذا المحور وبين الكيان الصهيوني في ظل ظروف متغيّرة ووقائع استراتيجية مختلفة. ولأنّ المعركة بقيت تحت سيطرة قوى المقاومة في غزّة، لم يُتَّخذ قرار بفتح جبهات جديدة. وإن لعبت التحرّكات الشعبية على الحدود اللبنانية الفلسطينية، وإطلاق بعض الصواريخ من جنوب لبنان، دور جرس الإنذار للعدو الصهيوني وكانت رسالة واضحة بأنّ هذه الجبهة تشكّل الاحتياط الاستراتيجي لهذه الحرب.
إقرأ أيضاً: هل يكون لبنان التالي بعد غزّة؟
في الخلاصة، شكّلت هذه الحرب ضربة قاسية للكيان الصهيوني، واضعةً إيّاه أمام تحدّيات كبرى في المرحلة المقبلة. وهي ستدفعه إلى التفكير طويلاً عند اتّخاذ أيّ قرار بحرب جديدة.
في الجهة المقابلة، ستشكّل هذه الحرب نقطة قوة استراتيجية لمحور المقاومة، الذي أعاد تنظيم صفوفه، وسيشهد المزيد من التعاون والتنسيق بين أركانه. وسيشكّل هذا الانتصار دافعاً إضافياً لدول المنطقة لتعزيز آفاق الحوار والمفاوضات للتوصّل إلى حلول للأزمات المختلفة، وللمسارعة في تطبيع العلاقات في ما بينها.