“الوضع خطير جدّاً، ورئيسا الجمهورية والحكومة يتحمّلان المسؤولية بشكل مباشر”، هذا ما يؤكّده القيادي السابق في التيار الوطني الحر نعيم عون لـ”أساس”. ويكشف أنّ الخط التاريخي
(أي المعارضة العونية) بدأ بالاتصال بالمجموعات الثورية والمُعارِضة، استعداداً للانتخابات النيابية.
وعلى الرغم من أنّه لا يشكّ في “نوايا” الرئيس ميشال عون، إلا أنّه يرى “نهاية حتمية” للتيار الوطني الحرّ، إذا لم يذهب “باتجاه التغيير”. ويكشف لـ”أساس” أنّ “الاتصالات بدأت مع الكتائب واليسار والكتلة الوطنية ومجموعات مستقلّة وغيرهم”، داعياً المعارضين “إلى التوحّد”.
في بداية الحوار، يسترجع عون بعض نقاط المقابلة السابقة مع “أساس” قبل شهور. حينئذٍ لم يتردّد في دعوة رئيس الجمهورية إلى الاستقالة في حال كان عاجزاً عن إخراج لبنان من مأزقه.
وهو لا يزال على موقفه: “الاستقالة هي أحسن الطرق كي يحافظ على إرثه، وعلى كل المبادئ التي نادى بها ودفع ثمن الالتزام بها غالياً. هو مَن عليه أن يقدّر الموقف. فإن رأى أن لا حظّ لديه لإنقاذ لبنان، أجدّد النصيحة بأن يقدّم استقالته”.
لكن لماذا لا ينقل له صورة ما يحدث خارج جدران القصر؟
يجيب: “الرئيس عون منذ سنوات يحيا في شبه عزلة، مثله مثل أيّ مسؤول لبناني، بسبب وضعه الأمني، ويرى العالم الخارجي بواسطة فريق معيّن. وهذا الفريق يبحث عن مصالحه الخاصة أكثر ممّا يبحث عن مصلحة الوطن. زرته بعد انفجار المرفأ، وقلت له إنّ تشكيل الحكومة هو الفرصة الوحيدة، وليس أمام اللبنانيين غيرها. لكن أنا لا أراه بشكل يومي مثل المحيطين به الذين ربما يقولون له بوجود حلول أخرى لا أرى أيّاً منها، والوضع في تراجع منذ سنة ونصف”.
هو لا يزال على موقفه: “الاستقالة هي أحسن الطرق كي يحافظ على إرثه، وعلى كل المبادئ التي نادى بها ودفع ثمن الالتزام بها غالياً. هو مَن عليه أن يقدّر الموقف. فإن رأى أن لا حظّ لديه لإنقاذ لبنان، أجدّد النصيحة بأن يقدّم استقالته”
لا يعتبر نعيم عون أنّ الأزمة اليوم هي أزمة التيار الوطني الحر وحده: “كل الطوائف والشوارع والأحزاب اليوم تعيش أزمة وجود. هذه الأزمة عامّة وتستدعي التضامن والترفّع عن الخلافات السياسية لتخليص البلد. نحن اليوم في وضع خطر، ولا يمكن لأحد أن يستفيد على حساب الآخرين. وعلى كل اللبنانيين أن يستغلّوا الفرصة من دون أيّ تمييز. حتى الثورة يجب عليها أن تعي أنّ الانهيار الكامل لن يؤدي إلى الانتصار، وأنّ الأولوية اليوم هي لتخفيف الأضرار عن الناس”.
لكن أين هي المعارضة في التيار الوطني الحر؟
“نحن نحذّر منذ سنوات من المسار الخاطئ، ولم ننجرّ يوماً وراء الأوهام. لدينا أداء واضح لم نزِح عنه حتى اليوم. ومنذ 17 تشرين ونحن نقول الكلام نفسه: الثورة هدفها تغيير السلطة السياسية. وهذا التغيير يكون إمّا بالعنف وإمّا بالسلم. والشارع اليوم إذا كان لا يستطيع قلب الوضع القائم بالقوّة، لن يكون أمامه سوى المسار الآخر، وهو المسار الذي تدفعه إليه الدول، أي الاستعداد للانتخابات، وإنتاج قوّة كافية للتغيير. لذلك المطلوب من الثوار، أو الناشطين، الاتفاق والخروج بخطاب واضح، والأخذ بعين الاعتبار مجموعة عناصر:
1- تشكيل قيادة موحّدة.
2- الاتفاق على الحدّ الأدنى من الرؤية المشتركة.
3- لا يمكن لأحد أن يربح على حساب الآخر أو أن يلغي الآخر.
4- لا يمكن التعاطي مع الشعب بخلفيّة المحاسبة والتخوين”.
ويكشف عن الإعداد للانتخابات النيابية المقبلة: “نحن نتواصل مع الجميع، لكن لم تنضج الجبهات، وهي لا يمكن أن تظلّ مشتّتة. ومن ضمن من نتواصل معهم: الكتائب واليسار والكتلة الوطنية ومجموعات تغييرية أخرى ومستقلّون.. وأنا أدعو الجميع إلى التوحّد”.
نحن نحذّر منذ سنوات من المسار الخاطئ، ولم ننجر يوماً وراء الأوهام. لدينا أداء واضح لم نزِح عنه حتى اليوم. ومنذ 17 تشرين ونحن نقول الكلام نفسه
مستقبل التيّار والحالة الباسيليّة
يرفض عون الغوص كثيراً في الحديث عن ظاهرة جبران باسيل، وإن كان يعتبر أنّ نهايته السياسية ستتزامن مع نهاية العهد، ويؤكد أنّ “الإرث هو من ميشال عون وليس من جبران باسيل”.
وعند سؤاله هل هناك حالة باسيلية، يردّ عون “وأين كانت هذه الحالة وأين أصبحت؟ لا داعي إلى أن نقرأ الغيب. التقويم الحالي هو الذي يدلّ على الوجهة. وإن لم يكن من تعديل للمسار سنشهد نهاية حتمية لهذه الحالة”.
وبالعودة إلى المؤمنين بمبادئ التيار، وإن كانوا سيستمرّون بعد انتهاء العهد الحالي، يؤكّد عون أنّهم “في هذه اللحظة أمام تحدٍّ مصيري. فالغد يُصنَع اليوم. يجب التوجّه نحو التغيير والقيام بانعطافة سريعة لإعادة توجيه المسار وذلك قبل الوصول إلى نقطة اللاعودة”.
يرفض عون الغوص كثيراً في الحديث عن ظاهرة جبران باسيل، وإن كان يعتبر أنّ نهايته السياسية ستتزامن مع نهاية العهد، ويؤكد أنّ “الإرث هو من ميشال عون وليس من جبران باسيل”
برأيه أنّ “مقاربة الحلّ في لبنان اليوم خاطئة، وليست مشكلة حقوق، ويعتبر أنّ الرئيس عون لا يخالف الدستور في الموضوع الحكومي، وأنّه إذا وُجِدَت الإرادة لتشكيل الحكومة، يستطيع الكثير من الأشخاص السعي من أجل تذليل العقبات بأسرع وقت ممكن، ووقتئذٍ يمكن أن تتشكل الحكومة في أسبوع. وإن لم تكن الإرادة موجودة فعبثاً نحاول”.
طريق الحلّ الوحيد “هو الدخول في مسار محدّد مع المجتمع الدولي الذي يريد مساعدتنا، وأن نتّبع خارطة طريق الإصلاحات المرسومة. حتّى المبادرة الفرنسية المطروحة ليست فرنسية بل دولية، بغضّ النظر عن وجود فرنسا في الواجهة. كل دول العالم اليوم، التي بعضها يقف على طرفيْ نقيض، تدعم المبادرة الفرنسية، ولا حلّ للبنان إلاّ بهذا المسار “.
وفي ما يتعلّق بالجوّ اللبناني العامّ، الذي يحمّل معظمه الوزير جبران باسيل المسؤولية عن العرقلة، باعتبار أنّه يصادر موقع رئاسة الجمهورية، يعود عون “ليحمّل المسؤولية لكلّ من رئيسيْ الحكومة والجمهورية”، ويدعو إلى “التمعّن في الاحتمالات التي سنقبل عليها في حال لم نؤلف الحكومة”. فهو يرفض “تحميل أحد الأطراف المسؤولية دون الآخر. الجميع يتحمّل المسؤولية، ويجب أن يفتّشوا عن صيغة. والكثير من الأطراف تعرض مساعدتها لإيجاد الحل”.
إقرأ أيضاً: نعيم عون في بعبدا بعد 4 سنوات من الغياب
لكن هل يستطيع العهد إنقاذ لبنان، وهو يوشك على نهايته؟
هنا يتبنّى عون حكاية “الـ30 عاماً”: “إنقاذ البلد، بالعودة إلى ما قبل الانهيار الكبير وأسبابه التي تعود إلى أكثر من 30 عاماً، لن يحصل لا بعام ولا بعامين. المهمّ اليوم وقف الانحدار والدخول في مسار الحلّ. وهذا أمر يستطيع العهد القيام به، لكن بمساعدة دولية ومع إصلاحات. وهذا يحتاج إلى وقت. وذلك لا يكون إلا بتشكيل حكومة والشروع سريعاً في المفاوضات مع صندوق النقد والمجتمع الدولي”.
ويختم عون: “إن لم نتحرّك اليوم، فالبكي على راس الميت لا ينفع”.