عزيزي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
قبل نحو 6 أشهر كتبتُ إليكم ودعوتكم إلى الغداء مع الست بريجيت. يومها كان العشم أن تُشكَّل الحكومة سريعاً، فتلبّي حضرتكم الزيارة الثالثة التي وعدت بها اللبنانيين، فتأتي بحجّتها إلينا مع السيدة الأولى لتناول “الملوخية بالعصاعيص” وأكلة “أرنبية بالكبّة”. وقد أعدّت أمّ زهير أقراصها سلفاً، وقلت لك سابقاً إنّها في الثلّاجة تنتظر حضوركما إلى لبنان سالمَيْن.
وعدتكم يومها أيضاً أن يكون الـDessert طبق “المفتّقة”، واتّفقنا، على ما أذكر، أن تتناوب السيدة بريجيت على حرك المكوّن في الحلّة النحاسيّة مع أمّ زهير، وطلبت منك إحضار الصنوبر من باريس (بالأملية).
طالت الأيّام، سيّدي الرئيس، والحكومة لم تُشكَّل، وسقطت المبادرة الفرنسية التي أطلقتموها العام الفائت، وسقط مؤتمر “سيدر” الذي وعدتم به لبنان قبل انفجار المرفأ في 4 آب.
ما هي العقوبات التي ستفرضونها؟ منع المعاقَبين من السفر إلى فرنسا أو الاتحاد الأوروبي؟
أذكر يومئذٍ كيف تبنّيتم خطاباً مزدوجاً بعيد انفجار 4 آب، على قاعدة “لا يموت الديب ولا يفنى الغنم”، فنزلتم إلى الجمّيزة في عزّ أزمة كورونا، ووعدتم الناس بالتخلّص من “هذه الطبقة الفاسدة”، لكنّكم، في المقابل، عُدتم مساء اليوم نفسه إلى قصر الصنوبر واجتمعتم برموز هذه السلطة التي وعدتمونا بالتخلّص منها.
دلّعتم “حزب الله”، “تَشْتَشْتُم” الزعماء المتّهمين بخراب البلد وإفساده، فأجهضتم بذلك الزخم الذي عاد إلى الثوّار بعد انفجار المرفأ وتدمير العاصمة بيروت. حقنتم الناس بالمخدِّر، ووعدتم المتضرّرين بالمساعدات وبالمنّ والسلوى، فأعطيتم هذه السلطة الأوكسجين المطلوب للبقاء، ثمّ رحتم تعطونها المهلة تلو المهلة، ثمّ الوعد تلو الوعد، فخذلتكم في نهاية المطاف، وعدتم إلى باريس بـ”خُفَّيْ حُنين”.
ما شكّلوا حكومة ولا انتهزوا فرصة انتشال لبنان من كبوته، ثمّ اليوم ترجعون إلى حيث انتهى الرئيس دونالد ترامب طيّب الله ثراه (مش متل هيدا النايص ابن بيضون). يومها حمّلتم أبا عمر ترامب مسؤولية فشل الوصول إلى الحلّ بسبب العقوبات التي فرضها على الوزير جبران باسيل، وها أنتم تعودون إلى تلك العقوبات صاغرين.
ما هي العقوبات التي ستفرضونها؟ منع المعاقَبين من السفر إلى فرنسا أو الاتحاد الأوروبي؟
يا سلام… يا سلام، حبيبي مسيو ماكرون، أنتم تفهمون الموضوع بشكل خاطىء جداً، فنحن نريد رحيلهم وليس بقاءهم هنا. خذوهم إليكم لأنّكم، بهذه العقوبات، تعاقبوننا نحن وليس هم!
المرفأ ما زال مدمّراً، وانهيار الليرة يتواصل يوماً بعد يوم، وها هو سعر صرف الدولار يستأنف ارتفاعه بعد الحديث عن رفع الدعم عن السلع الرئيسة ونفاد احتياط العملات الصعبة من جعبة رياض سلامة.
أمّا أنتم فكلمتكم في لبنان يا سيد ماكرون كانت “ما بتصير تنين” في الماضي، وباتت اليوم “4 وطلوع”. وزير خارجيتكم جان إيف لودريان لم يزُر السيدة فيروز كما فعلتم أنتم في الزيارة الأخيرة، لكنّ تأثّره بأغانيها كان واضحاً جداً في زيارته الخاطفة، وفي جدول لقاءاته الذي أُعدّ على وقع “تعا ولا تجي”.
إنّ إعراضه عن لقاء الرئيس المكلّف الشيخ سعد الحريري، ثمّ استدعاءه له إلى قصر الصنوبر بهذه الطريقة، كان هجيناً وقريباً إلى المهانة (أصلاً ليش لبّاها ما بعرف).
لم يستهوِ هذا الأمر أمّ زهير على الإطلاق، فراحت تكيل للوزير لودريان الكلام من “كعب الدست” (عوّرت له الوالدة للصراحة)، وقالت: لو دريان فعلاً ماذا يفعل لَما تصرّف هكذا مع “الغالي ابن الغالي”، الحمّى تنقرو نقر (أنا ما بوصّل حكي).
سيّدي الرئيس، يؤسفني أن أخبركم أنّ أمّ زهير سحبت بعد سفر وزير خارجيّتكم بساعات، أقراص الكبّة من الثلّاجة، تلك الكبّة التي خصّصتها لأكلة “الأرنبية” على شرفكم. سحبتها لتَقْليها للإفطار في تلك الليلة بعدما وصل سعر كيلو اللحم إلى 100 ألف ليرة.
إقرأ أيضاً: وضاعةٌ لا تحتَ تحتَها
أمّا العصاعيص المخصّصة لأكلة “الملوخية”، فوضعتها تحت المحشي كوسا وورقات العنب لإفطار اليوم، وهذا يعني أنّها فقدت الأمل بقدرتكم على ابتداع حلّ، فينتفي بذلك إمكان عودتكم إلى لبنان.
أمّ زهير تقول إنّكم ساويتم بين “الجلّاد والضحيّة”، وحمّلتم الغالي ابن الغالي المسؤولية نفسها التي تحمّلونها للمعطّل الأوّل جبران باسيل (هي عم تقول هيك ما أني).
أمّا الصنوبرات التي أوصتك بها أمّ زهير لزوم أكلة “المفتّقة”، فغضّ الطرف عنها لو سمحت… لأنّها تقول لك: مردودين مع الشكر.
*هذا المقال من نسج خيال الكاتب