حكاية تمهيديّة:
كان يا ما كان في قديم الزمان مجموعة من الأصدقاء تعرّفوا صدفة في مباراة كرويّة على ولد لا يعرف أحدٌ اسمَه. الكلّ يناديه “وجه النحس”، والكلّ يتجنّبه كي لا يصيبه النحس. ووجه النحس كانت تحوم حوله دائماً قطّة. ومن حسن حظّه أنّ شلّة الأصحاب ما اعترفوا يوماً بشيء اسمه نحس، وكانوا يقولون إنّ الحكاية كلّها تخريف. وجه النحس طوال عمره ما لعب مع فريق وفاز. وبينما هو جالس يقول إنّه أصلاً لن يفوز أبداً، فجأة طلبت منه مجموعة الأصحاب أن يشاركهم اللعب في إحدى المباريات، متحدّين كلّ الناس، واثقين بمهاراتهم وبقدراتهم على هزيمة كلّ الخصوم. إلا أنّ المباراة انتهت بخسارتهم. وبعدها يُروى أنّ المجموعة انتهت وما عادت التقت ثانية. ونسي الناس أسماءهم، وبقيت في الذاكرة صورة القطّة ووجه النحس.
.. جاء رجُلٌ إِلَى النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم فَقَال: “يَا رسولَ اللَّه أَرأَيت إنْ جاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟”. قَالَ: “فَلا تُعْطِهِ مالكَ”. قَالَ: “أَرأَيْتَ إنْ قَاتلني؟”. قَال: ” قَاتِلْهُ”. قَالَ: “أَرأَيت إنْ قَتلَني؟”. قَالَ: فَأنْت شَهيدٌ”. قَالَ: “أَرأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟”. قَالَ: “هُوَ فِي النَّارِ”. رواهُ مسلمٌ.
هل يُوصل أحدكم هذا الحديث إلى رئيس الحكومة المستقيل حسّان دياب، لعلّه قد قرأه في السابق، أو ربّما يقرأه قبل مدفع الإفطار أو قبل أذان الفجر. فالتذكرة تنفع المؤمنين.
لا يحقّ لحسّان دياب أو لأيّ رئيس حكومة أو لأيّ مسؤول، مهما علا شأنه وكبر حجمه، أن يمدّ يده على أموال الناس. فما يجنيه الإنسان بعرق جبينه هو ملكٌ له، شهيدٌ إنْ قاتل دفاعاً عنه، ومجرمٌ من يسعى لسلبه إيّاه.
هل يُوصل أحدكم هذا الحديث إلى رئيس الحكومة المستقيل حسّان دياب، لعلّه قد قرأه في السابق، أو ربّما يقرأه قبل مدفع الإفطار أو قبل أذان الفجر. فالتذكرة تنفع المؤمنين
لم يتحمّل اللبناني في بلاد الغربة الذّل والهوان ولوعة فراق الأحبّة كي يأتي حسّان دياب أو غيره ليشاركه ماله. ولم يخبّئ المتقاعد في الجيش أو في المعمل أو في المصنع أو في الجامعة والمدرسة قرشه الأبيض ليومه الأسود في المصرف كي يمنعه حسّان دياب وغيره من الوصول إليه.
لا يحقّ لحسّان دياب أو لأيّ مسؤول أن يقول للناس ماذا يجب أن تفعل برزقها، بمالها، بجنى عمرها، خصوصاً إن كان حسّان دياب وكلّ المسؤولين لا يملكون جواباً عن أيّ سؤال من آلاف الأسئلة التي يحملها المواطنون. فطرفة بن العبد، وهو الحكيم القتيل كما يُصنَّف بين الشعراء العرب، قال: “فإنْ كنتَ لا تسطيعُ دفعَ منيَّتي فدعْني أبادرْها بما مَلَكَت يدي”. وتفسير البيت لمن لا يفهم العربية أنّ الشاعر يقول إن كنت لا تستطيع أن تدفع موتي عنّي، فدعني أبادر الموت بإنفاق أملاكي.
لم يتحمّل اللبناني في بلاد الغربة الذّل والهوان ولوعة فراق الأحبّة كي يأتي حسّان دياب أو غيره ليشاركه ماله. ولم يخبّئ المتقاعد في الجيش أو في المعمل أو في المصنع أو في الجامعة والمدرسة قرشه الأبيض ليومه الأسود في المصرف كي يمنعه حسّان دياب وغيره من الوصول إليه
إنّ مدّ اليد إلى الاحتياط الإلزامي في مصرف لبنان جريمةٌ موصوفةٌ يُتّهم بها من سمح لنفسه بارتكابها، أكان رئيساً أو وزيراً أو حاكماً لمصرف لبنان. هي جريمة مرتكبة بحق كلّ إنسان في هذا الوطن، بحق كلّ مودعٍ في أيّ مصرف كان. قد يقول البعض إنّ القاعدة تقول: إنّ القانون لا يحمي المغفّلين، ولكن القاعدة الأقوى تقول إنّ القانون لم يوضع لحماية السارقين. في الأساس إنّ المقاربة تجانب الصواب، فلا المواطنون من المغفّلين، ولا يجدر بالمسؤولين أن يكونوا من السارقين.
غريبٌ أمرُ حسّان دياب. فكلّما تناسى الناس فعلته السابقة سارع إلى ارتكاب فعلة أكبر كي يبقى في الذاكرة ولا يدخل في طيّ النسيان.
إقرأ أيضاً: قائد الجيش يعلن البلاغ رقم “1”
مصمّمٌ أن يكون قاهراً للناس والعباد، ومشرفاً على تفليسة البلاد والعباد. في البداية أوقف تسديد اليوروبوند من دون خطّة، ومن دون تدبير، ومن دون حوار مع الدائنين وأصحاب السندات. فكانت التداعيات كارثيّة، وبِتْنا لا نعرف كيف ندبّر الأمر. وها نحن نعيش انهيار العملة الوطنية وضياع أرزاق الناس. فتناسى اللبنانيّون كما اعتادوا أن يتناسوا. فإذا بحسّان دياب يرفض نعمة النسيان، ويخرج على الهواء مباشرة، ويقول مشدّداً من دون مواربة إنّه مصمّم على التطاول على أموال الناس في المصارف تحت عنوان “البطاقة التمويليّة”، وكأنّ قدر الناس أن يتصدّق عليها حسّان دياب من جيوب الناس.
هو يلعب بمصير شعب وباستقرار وطن. فإنْ كان يدري ذلك فتلك مصيبة، وإنْ كان يجهل ما يفعله فليس أمامنا سوى طلب العفو والمساعدة من الرحمن.