أربعة مواقف وحركة دبلوماسية أميركية شهدتها الأيام الفائتة، لا يمكن فصل بعضها عن بعض، ولا يمكن إلا الوقوف عند مضامينها وتسلسلها.
1- إنّ الجيش هو الصامت الأكبر الذي ينفّذ مهمّاته بحرفية عالية، لكن “ما فينا بقى نضل ساكتين، فثمة أمور كثيرة تحصل، وثمة حملات متواصلة على الجيش، وجميعنا نعرف أسبابها. نحن نتابع القيام بواجباتنا في ظلّ الوضع المتردّي اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وهمّنا الحفاظ على السلم الأهلي، لكنّ الوضع خطير، خطير جداً. سوف أعيدها، فرط الجيش يعني نهاية الكيان. لكن مستحيل أن نسمح بذلك، لن نسمح باستعادة تجربة 1975. نحن نتحمّل مسؤولياتنا بكل قناعة وتصميم، ولن نسمح لأحدٍ بتحقيق أهدافه على حساب الجيش. (من كلمة قائد الجيش العماد جوزف عون خلال اجتماع في اليرزة مع أركان وقادة الوحدات الكبرى والأفواج المستقلة بتاريخ 8 آذار 2021).
2- “من الواضح أنّ المسافة بين منظومتي القيم اللتين تحكمان أداء المؤسسة العسكرية وأداء السلطة السياسية في لبنان (وفي مجتمعات كثيرة) شاسعة لأنّهما على تناقض رهيب. تناقض يجعل هذه السلطة تنظر إلى الجيش كاحتياطي قوّة يسمح لها بالحفاظ على مواقعها ومكاسبها عندما تكون علاقتها بالشعب مأزومة. وهذه النظرة في أساس السلوكيات التي تمارسها السلطة تجاه المؤسسة، وفي أساس ما تتوقّعه منها.
في المقابل، من حسن الحظ، أنّ الحسّ الشعبي في لبنان قريب من المؤسسة العسكرية، لا بل إنّه ملتصق بها، ومدرك أنّ ما يحكم أداءها هو ما يتطلّع إليه”. (من افتتاحية العدد الأخير لمجلة “الجيش” بقلم رئيس التحرير).
3- لأنّ الانهيار الشامل بات قاب قوسين، كان لا بدّ من استعجال حلول للحدّ من نتائجه الكارثية في تفكيك كيان لبنان. نودّ أن ندعوكم لمناقشة مبادرة تحت عنوان “الفرصة الأخيرة” في مؤتمر صحافي نهار السبت الواقع فيه 17 نيسان 2021 عند الساعة الثانية من بعد الظهر (14:00 ب.ظ.) في مركز لقاء الربوة. نعرض في المؤتمر جميع المشاكل التي يمرّ بها البلد ابتداءً من العهد، وصولاً إلى الحكومة التي لم تتشكّل، مروراً بالفساد والقضاء غير العادل والاقتصاد المنهار، إلخ. ثمّ تُعرض الحلول التي نراها مناسبةً لقيام لبنان وشعبه من المصاب الأليم، والتي تتشكّل من عدة مراحل نعدّدها في المؤتمر، أهمّها حكومة انتقالية برئاسة قائد الجيش. (التوقيع: “مجموعة مكوّنة من مثقفي البلد وثوار ومجتمع مدني”).
من الواضح أنّ المسافة بين منظومتي القيم اللتين تحكمان أداء المؤسسة العسكرية وأداء السلطة السياسية في لبنان (وفي مجتمعات كثيرة) شاسعة لأنّهما على تناقض رهيب. تناقض يجعل هذه السلطة تنظر إلى الجيش كاحتياطي قوّة يسمح لها بالحفاظ على مواقعها
4- “ليس لديّ وسيلة سوى إجماع اللبنانيين على نظافة المؤسسة العسكرية، وبحكم نظافتها عليها أن تتسلّم السلطة في لبنان، فتعلّق الدستور، وتقوم بالتعاون مع قضاة نزيهين بتطهير البلد كاملاً لنصل إلى إطفاء ظمأ الناس التي تتحدّث ضد الفساد، والتي هي على حقّ في مكان ما. الجيش غير مستعدّ؟ يجب أن يكون مستعدّاً، وأتمنّى أن يكون كذلك لأنّه ليست لدينا طريقة أخرى لمعالجة الحركة الانقلابية من خلال دعوة مجلس النواب إلى الانقضاض على الواقع عبر لجنة تحقيق برلمانية ذات صلاحيات قضائية تحاكم هذه الظاهرة الانقلابية وكلّ ما نتج عنها. هناك ضرورة لأن تتسلّم قيادة الجيش السلطة، وتعلّق الدستور، وتحلّ مجلس النواب ومجلس الوزراء، وتبعت رئيس الجمهورية على البيت. البلد يعيش مزيداً من الانهيارات والانقسامات العامودية بين الطوائف والمجتمعات والمناطق التي تكبر في ظل عدم استقرار أمني… أمامنا حدث جلل وخطير: عمل انقلابي في المؤسسة القضائية”. (تصريحان في 24 ساعة صدرا عن نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي).
5- الحركة الدبلوماسية الأميركية التي بدأها الدبلوماسي المخضرم ديفيد هايل الأسبوع الماضي في بيروت استكملها في زيارة غير معلنة إلى الإمارات ومن بعدها إلى السعودية.
جاء جواب قيادة الجيش سريعاً. لا الوضع السياسي ولا الطائفي يسمح بتعليق الدستور واستلام الجيش السلطة. والعماد جوزف عون ليس صاحب فكر انقلابي
الهدف من زيارة الدولتين الخليجيتين أمران:
الأوّل، محاولة الحصول على مساعدات نقدية للجيش اللبناني لتعويض جزء ولو يسير من الانهيار “الدراماتيكي” لرواتب العسكريين والضباط مما يجعلهم غير قادرين على الحصول على الحد الأدنى من متطلبات الحياة البسيطة، في الوقت الذي يطلب منهم حفظ الأمن على كامل الأراضي اللبنانية.
أما الهدف الثاني فهو “جس نبض” المسؤولين في الرياض وأبو ظبي حول فكرة تشكيل حكومة عسكرية في لبنان تضم اختصاصيين تفتح لها أبواب المساعدات في ظلّ استحالة تشكيل الحكومة المطروحة حالياً وضروة تجنّب الانهيار الكامل الذي ينتج مزيد من سيطرة حزب الله. كما نقل عن مصادر دبلوماسية عربية.
لكنّ مصادر أميركية مطلّعة نفت لـ”أساس” منتصف ليل أمس أن تكون زيارة هايل إلى العاصمتين العربتين قد حصلت.
إقرأ أيضاً: هايل “يفرمل” التسرّع اللبناني: لا تنتظروا مفاوضاتنا مع إيران
على خلفية كلّ ذلك، متى يعلن قائد الجيش جوزف عون البلاغ رقم 1؟
… البلاغ رقم 1 المفترض صدوره، إن ذهبت الأمور إلى الإنهيار الكامل، سيتضمّن من دون شكّ حكومة عسكرية بعد إعلان حالة الطوارئ. وفق الآلية الدستورية الحكومة العسكرية المقترحة ستتشكّل من المجلس العسكري الذي يضمّ خمسة أعضاء، إضافة إلى قائد الجيش، لتتحقّق بذلك المناصفة بين المسلمين والمسيحيين. وستكون الحكومة على الشكل التالي:
– قائد الجيش العماد جوزف عون (رئيساً للحكومة) (ماروني)
– أمين عام المجلس الأعلى للدفاع اللواء محمود الأسمر (نائباً لرئيس الحكومة) (سنّي)
– رئيس الأركان اللواء أمين العرم (درزي)
– المدير العام للإدارة اللواء مالك شمص (شيعي)
– المفتّش العام اللواء ميلاد إسحاق (أرثوذكسي)
– العضو المتفرّغ اللواء إلياس شامية (كاثوليكي)
تعترض خيارَ الحكومة العسكرية سلسلةٌ من الأسئلة الصعبة، إن لم تكن مستحيلة، تبدأ من موقف حزب الله من حكومة كهذه، لتنتهي عند الموقف الدولي، خصوصاً أنّ واشنطن الداعم الأول للجيش وعتاده.
للقصّة تتمّة…