شهد الشارع الشيعي انفلاتاً واضحاً طال محازبي حركة “أمل” بشكل كبير، ومن ذلك ما حصل في الخندق الغميق من اشتباكات عنيفة، استخدمت خلالها القذائف وطالت الأحياء المجاورة، وكانت أشبه باشتباك داخليّ بين مؤيدين للحركة، ولأسباب أمنية ومالية.
كذلك لا يمكن إغفال ما تشهده أحياء الضاحية الجنوبية من صدامات مسلحة على خلفيات عشائرية أو صراعات للسيطرة على موارد المولدات الكهربائية أو توزيع المخدرات، نتيجة انتشار الفقر، إلى جانب الفوضى في كلّ المجالات.
إلاّ أنّ الحدث الأخطر تمثّل في الاشتباك الذي وقع بين مجموعة من استخبارات الجيش وبين مطلوبين من آل زعيتر في حيّ الشراونة، وتطوّر سريعاً إلى اشتباك واسع النطاق، سقط ضحيته عدد من القتلى والجرحى. الأمر الذي أثار تساؤلات عن خلفيات ما جرى وأبعاده، بعدما كاد أن يتحول إلى اشتباك بين الجيش وبين عشيرة آل زعيتر، المحسوبة في جزء كبير منها على حركة “أمل”. فكان أن تدخّل الرئيس بري تدخّلاً مباشراً مع النائب غازي زعيتر لمنع انزلاق الأمور إلى صدام مباشر مع الجيش.
لم يكن الاشتباك الأخير مشابهاً لِما سبقه، لأنّه كان هناك من يراهن في الضفة السياسية المقابلة على توسّعه وعلى وقوع ضحايا من الطرفين، لنصير أمام معركة بين آل زعيتر، ونائبهم المنتمي إلى حركة “أمل” غازي زعيتر، وبين الجيش، وصولاً إلى تكرار الصدام الذي وقع في العام 1998 بين الجيش والأمين العام الأسبق لحزب الله الشيخ صبحي الطفيلي ومن معه عندما أعلنوا “ثورة الجياع”.
الحدث الأخطر تمثّل في الاشتباك الذي وقع بين مجموعة من استخبارات الجيش وبين مطلوبين من آل زعيتر في حيّ الشراونة، وتطوّر سريعاً إلى اشتباك واسع النطاق، سقط ضحيته عدد من القتلى والجرحى
أدرك الرئيس برّي خطورة الموقف، وعمل سريعاً على إطفاء النار. وسُجّلت مساعٍ لمساعديه مع وسائل الإعلام لعدم “صبّ الزيت على النار”، فكانت استجابة من معظمها، باستثناء قناة “OTV” التي أعطت الخبر مساحة واسعة مع تغطية مفصّلة، وحاولت الاستثمار في حادثة حي الشراونة حتّى النهاية.
هنا لا بدّ من التذكير بمسألتين:
ــ أولاً، إصرار النائب جبران باسيل على استدعاء الوزير السابق والنائب غازي زعيتر إلى التحقيق في جريمة تفجير المرفأ، وخرجت تسريبات إعلامية تتحدّث عن ضغوط مارسها باسيل في هذا الاتجاه استهدافاً للرئيس بري.
ــ ثانياً، سبق لقائد الجيش العماد جوزيف عون أن اشتكى من التدخّلات في الجيش، وأعلن رفضه لها في كلمة بتاريخ 8 آذار 2021. ما يدلّ على محاولة أيادٍ خفية العبثَ لدفع المؤسّسة العسكرية إلى الصدام مع الشعب. وبحسب أوساط عليمة، ما جرى في حيّ الشراونة كان فخّاً نُصب للجيش ولحركة “أمل” للوقوع في المحظور.
أدرك الرئيس برّي خطورة الموقف، وعمل سريعاً على إطفاء النار. وسُجّلت مساعٍ لمساعديه مع وسائل الإعلام لعدم “صبّ الزيت على النار”، فكانت استجابة من معظمها، باستثناء قناة “OTV” التي أعطت الخبر مساحة واسعة
الخلاصة الأساسية في هذا الملف تشير إلى أنّ العلاقة بين “حزب الله” وحركة “أمل” شهدت في الآونة الأخيرة توتراً مشهوداً مع اشتداد الأزمة المعيشية، وكشفت المواجهات على وسائل التواصل الاجتماعي والاشتباكات في الشارع حجم هذه الإشكالية، التي اضطر سيد الحزب للتطرّق إليها حين أشار إلى إشكالات تثيرها رواتب عناصر الحزب “بالدولار الأميركي”، إضافة إلى عقد اجتماع بين قيادتي الحزب والحركة لضبط الشارع، انتهى بالتعادل السلبي، نتيجة حماوة مواقف القيادات الميدانية من كلا الجانبين.
ويأخذ هذا التوتر أبعاده من تاريخ الصدام القديم بين الحركة والحزب، الذي ظهر من خلال استحضار كلّ طرف ضحاياه لإثبات شرعيته المقاومة، وخصوصاً عند أنصار حركة “أمل”. إلاّ أنّ الأهمّ هو التوتر الناجم عن الخيارات الراهنة، التي تبدو مستحيلة، مع وقوف الرئيس برّي أمام خطر انهيار البلد وخطر العقوبات.
إقرأ أيضاً: مؤشّرات الشقاق بين الحزب والحركة (1/2)
يبدو من سياق التطورات أنّ الصدام بين خيارات الحزب والحركة محتمل جداً. فلا يستطيع أيٌّ منهما الخروج من طبيعته. فالحزب مرتبط بالمشروع الإيراني الذي يريد للبنان التحوّل إلى ولاية إيرانية، والحركة متمسكة بلبنان العربي وعمقه الدولي. فهل يقع المحظور، وهل تُجبَر الحركة على التنازل؟ أم يتوصل الطرفان إلى معادلة ثالثة ربّما تكون تأجيل اتخاذ المواقف المعلنة وتخدير الشارع بشعار وحدة الطائفة الشيعية لتجنّب الانشقاق الكبير؟