ماذا يجري بين الرئيس نبيه بري من جهة، وبين “حزب الله” والتيار الوطني الحرّ، من جهة أخرى؟ هل بدأت رحلة فكّ المسارات بين برّي وبين حليفه وحليف الحليف؟ وما علاقة ما جرى في البقاع بالسياسة؟ ومن حاول إيقاع الصدام بين الجيش اللبناني وحركة “أمل” في حيّ الشراونة؟ وما هو المسار المتوقع لهذه الأحداث المتداخلة؟ مع بروز الملفات الخلافية بين أركان تحالف السلطة، وأبرزها تفعيل حكومة تصريف الأعمال والدور المطلوب من مجلس النواب في إطار الصراع السياسي المحتدم؟
سعى الرئيس نبيه بري على مدى الأشهر الماضية إلى إحداث خرق في جدار الأزمة الحكومية، ضمن توازنات الواقع القائم، بعدما نجح الثنائيّ الشيعيّ في جعل موقع وزارة المال من حصّته، منذ بداية الطريق. لكنّ مبادرات رئيس مجلس النواب كانت تصطدم دائماً بحائط الصدّ السميك الذي أنشأه الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل.
أوصل بري إلى الأمين العام لـ”حزب الله” موقفاً مفاده عدم إمكان الاستمرار في إعاقة تشكيل الحكومة بسبب تمسّك الرئيس عون والنائب باسيل بالثلث المعطّل. وسُجِّل في هذا المجال لقاء أو أكثر بينه وبين رئيس كتلة الحزب النائب محمد رعد، تمحور حول خطورة التهديدات المتعلقة بالعقوبات وخطورة الانهيار الذي لن يبقي ولن يذر
وفي ردّ على كلام الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، اختصرت حركة “أمل” موقف الرئيس نبيه بري من خلال بيان مكتبها السياسي، الداعي إلى “الإسراع في تشكيل ?حكومة? اختصاصيّين غير حزبيّين وفق المبادرة الفرنسية وبعيداً من الأعداد والحصص المعطِّلة”.
أعاد بري طرح مبادرته على قاعدة توسيع الحكومة إلى 24 وزيراً، يتوزعون على الكتل بحيث لا يأخذ أي طرف الثلث المعطِّل، مع المناورة في مرجعية تسمية الوزراء، في محاولة لتجاوز الأزمة، مع تصاعد الضغوط الدولية وبلوغها ذروتها مع موقف السفيرة الأميركية دوروثي شيا (خلص)، وإدراك برّي أنّ هذا المسار سيؤدي ليس فقط إلى “غرق التايتانيك”، بل إلى فرض عقوبات على الجميع، لن ينجو منها أحد، وسيكون من أبرز المصابين بلعنتها.
على هذه الخلفيّة، أوصل بري إلى الأمين العام لـ”حزب الله” موقفاً مفاده عدم إمكان الاستمرار في إعاقة تشكيل الحكومة بسبب تمسّك الرئيس عون والنائب باسيل بالثلث المعطّل. وسُجِّل في هذا المجال لقاء أو أكثر بينه وبين رئيس كتلة الحزب النائب محمد رعد، تمحور حول خطورة التهديدات المتعلقة بالعقوبات وخطورة الانهيار الذي لن يبقي ولن يذر. طلب برّي الحفاظ على وحدة الطائفة الشيعية، وعدم الانجراف مع المنحى الانتحاري الذي يأخذ جبران البلد إليه سريعاً.
لم يتأخّر الردّ من “حزب الله”، فجاء على شكل تجاهل لرسائل برّي وتزخيم الدعم لباسيل، وتجديد إعلان التمسّك بالثلث المعطِّل، وإغلاق باب الحوار في هذا الموضوع، بالتوازي مع رفض رئيس مجلس النواب فتح باب “الاجتهادات” في تفعيل حكومة حسان دياب. وهو موقف مناقض مباشرةً لموقف نصرالله، الذي يدفع إلى تحويلها حكومةً مكتملةَ الصلاحيات. أمر يحتاج إلى تعديل دستوريّ لا تتوافر عناصره الآن. وهذا ما يجعل موقفَ بري عائقاً أساسيّاً أمام إرادة “حزب الله” في استخدام الحكومة المستقيلة كأداة تنفيذية في إدارة الصراع.
سعى الرئيس نبيه بري على مدى الأشهر الماضية إلى إحداث خرق في جدار الأزمة الحكومية، ضمن توازنات الواقع القائم، بعدما نجح الثنائيّ الشيعيّ في جعل موقع وزارة المال من حصّته، منذ بداية الطريق. لكنّ مبادرات رئيس مجلس النواب كانت تصطدم دائماً بحائط الصدّ السميك الذي أنشأه الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل
يحتفظ برّي بعنصر قوّة في موقفه تجاه المجتمع الدولي، وهو عدم انخراطه في الحرب التي شنّها “حزب الله” على الشعب السوري، وهي نقطة احتسبها له الدوليّون، لكنّ مفعولها انتهى عملياً مع بدء المرحلة الجديدة من الصراع في لبنان، بعدما تحوّل البلد إلى ساحة كباش بين إيران وبين الولايات المتحدة وأوروبا. وبات رئيس حركة “أمل” أمام ساعة الحقيقة: إمّا دعم الحزب وجبران سياسياً وشعبياً، وإما فكّ الارتباط والنجاة من سيف العقوبات، وفتح الباب لمنع الانهيار الكامل.
أمام هذا الواقع، تحرّك سفير النظام السوري علي عبد الكريم علي لعقد لقاءات دعم لعون وجبران باسيل، ومنها زيارة غير معلنة إلى القصر الجمهوري، فهم منها الرئيس بري أنّها تأتي في سياق تصعيد الضغوط عليه للانضمام إلى حاملي العقوبات والمفتخرين بها، على شاكلة جبران باسيل.
هنا لا يمكن تجاهل المغزى المهمّ لقيام وزارة الخارجية الأميركية بتخصيص مكافأة بقيمة 10 ملايين دولار مقابل معلومات عن مكان أو هوية سليم جميل عياش المدان بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ووصْفها له بـ”الناشط البارز في الوحدة 121 التابعة لحزب الله، وهي فرقة الاغتيالات التي تتلقى أوامرها مباشرة من زعيم الحزب حسن نصرالله”، في تجاوز واضح لاعتبارات المحكمة الخاصة بلبنان، التي لا تشمل صلاحياتها ملاحقة التنظيمات. واعتبر المراقبون أنّ الخطوة الأميركية رسالة إضافية إلى الطبقة السياسية اللبنانية حول خطورة مشاركة الحزب في الحكومة وفي السياسة.
يناقض “حزب الله” موقف حركة “أمل” في أربع مسائل:
ــ محلياً: تأييد ميشال عون وجبران باسيل في مطلب الثلث المعطِّل، وتغليبهما على الحليف الشيعي، وهذا فرض وسيفرض تحوّلاً كبيراً في حسابات برّي.
ــ لا يبالي الحزب بمخاطر الانهيار والفوضى، وهو وضع السلاح على الطاولة وخيار الحرب لحسم الموقف، وهو ما أعلنه أمينه العام في “يوم الجريح المقاوم”، بينما يجاهد برّي لمنع “غرق التايتانيك” اللبناني.
إقرأ أيضاً: الحزب والتيار يقودان انقلاباً على الطائف.. وأمل بالمرصاد
– خارجياً: يرفض أخذ الضغوط الدولية والعربية بعين الاعتبار، ويدفع إلى الاتجاه شرقاً، بينما يتمسّك الرئيس برّي بالبعدين العربي والدولي في علاقات لبنان الخارجية.
ــ لا يبالي حزب الله بسلاح العقوبات، دافعاً جميع حلفائه إلى التحول إلى نموذج جبران باسيل، وبلبنان إلى نموذج غزة أو النظام السوري، وهذا آخر ما يريده نبيه بري.
في الحلقة الثانية غداً: من حاول إيقاع الصدام بين الجيش وحركة “أمل”؟