بالأمس سجّل لبنان 982 حالة في العناية الفائقة من مرضى فيروس كورونا، وهو رقم مرتفع وينذر بالخطر. الأعياد قريبة وانتشار الوباء مرعب. وقد ازدادت ارتفاعاً صرخةُ المستشفيات نتيجة النقص الحادّ في المستلزمات الطبّيّة والحاجة إلى الأوكسيجين في الأيام الأخيرة، كاشفةً عن عمق الأزمة الصحّيّة.
بالاستناد إلى الأرقام والإحصاءات، قرّر المجلس الأعلى للدفاع صباح أمس تمديد التعبئة العامّة لمدة 6 أشهر، لغاية نهاية أيلول، والإقفال التامّ لكل القطاعات خلال فترة كل عيد لمدّة 3 أيّام. في حين رأى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أنّ العلاج الاقتصاديّ الحاليّ يكون بإقرار “البطاقة التمويليّة” لمواجهة مخاطر الإقفال على قدرة اللبنانيين على الاستمرار.
فكيف لبلد أن يفرض القيود على شعبه وأن يستورد في الوقت عينه المزيد من الإصابات من خلال الرحلات التي تصل إلى المطار يوميّاً؟
وزير الصحة الأسبق البروفيسور كرم كرم أكّد لـ”أساس” أنّ سياسة الإقفال الشاملة “لا تنفع” داعياً إلى “الاتّجاه نحو خطوات وخطط بديلة قادرة على احتواء الوضع الاقتصاديّ والماليّ والاجتماعيّ للبلد في ظل هذا التفشّي”. وأعطى مثالاً على ذلك ما حصل في ألمانيا عندما أُعلِن الإغلاق المشدّد خلال عطلة عيد الفصح: “ثمّ تراجعت الحكومة عن هذا القرار وقدّمت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اعتذارها إلى شعبها بعدما أثار قرارها انتقادات وارتباكاً لدى الشركات التي وجدت أنّ الإغلاق سيزيد حالات الإفلاس في “البلد.
كيف لبلد أن يفرض القيود على شعبه وأن يستورد في الوقت عينه المزيد من الإصابات من خلال الرحلات التي تصل إلى المطار يوميّاً؟
لا يُخفي الوزير كرم مخاوفه ممّا قد تؤول إليه الأمور: “الوباء منتشر في كل البلد، والواقع الوبائيّ اليوم مختلفٌ عمّا كان في الماضي حينما كان الفيروس محصوراً في بعض المناطق”. وحمّل المسؤوليّة إلى “أصحاب القطاعات والدولة واللبنانيّين ورجال الدين والمسؤولين، مجتمعين”.
ونقل “الخوف” من عدم توافر أسرّة في المستشفيات وغرف العناية: “ستتوالى الأعياد تباعاً من عيد الفصح ورمضان إلى عيد الفطر، والمطلوب الحذر والوعي وتكثيف حملات التوعية. لأنّ نسبة الإشغال في بعض المستشفيات وصلت إلى قدرتها الاستيعابيّة بنسبة 90-93%. وعلى الرغم من زيادة عدد الأسرّة الذي وصل إلى 1200 سرير في العناية الفائقة في مستشفيات لبنان، يزيد عدم التزام المواطنين من هول المشكلة وتزيد معه الأعداد مهما زدنا الأسرّة”.
ورأى أنّ “عدم الالتزام عند المواطنين يُقابله تقصيرٌ في عمل بعض الوزارات. هذه السلطة الفاسدة لا تنفع في هذا البلد المأزوم، ولا بدّ من سلطة أخرى قادرة على انتشال البلد من المستنقع الذي يغرق فيه”.
ورفع صوت القلق من عدد الإصابات التي تصل في رحلات من دول مختلفة إلى مطار رفيق الحريري الدوليّ، قائلاً: “الأمر مقلق وكأنّنا نعمل على استيراد الإصابات والسلالات الجديدة المنتشرة في الخارج. يجب على السلطة تدارك الوضع، واتّخاذ المزيد من الإجراءات والتدابير، والتشدّد أكثر في المطار”.
وانتقد “البطء الشديد” في “خطة التلقيح”، وختم: “إذا استمرَرْنا على هذا المنوال فمن المتوقّع أن لا نصل إلى المناعة المجتمعيّة قبل نهاية عام 2022″، مؤكّداً عدم حصول أيّ وفاة في لبنان بسبب لقاح كورونا.
عدم الالتزام عند المواطنين يُقابله تقصيرٌ في عمل بعض الوزارات. هذه السلطة الفاسدة لا تنفع في هذا البلد المأزوم، ولا بدّ من سلطة أخرى قادرة على انتشال البلد من المستنقع الذي يغرق فيه
من جهته، رئيس اللجنة الوطنيّة لإدارة لقاح كورونا الدكتور عبد الرحمن البزري قال لـ”أساس” إنّ هناك سباقاً حقيقيّاً بين ارتفاع نسبة التمنيع وانتشار وباء كورونا في لبنان. وأشار إلى أنّ “على المستشفيات الآن ضغطاً حقيقيّاً، ولكن نحن نعرف أنّ الواقع المعيشيّ في لبنان والواقع الاقتصاديّ لا يسمحان بالعودة إلى الإقفال”.
وتمنّى “أن تزداد حملات إرشاد المواطنين بضرورة التقيّد بالتعاليم والتوجيهات والإرشادات الصحّيّة، خصوصاً أنّنا على أبواب شهر فضيل وأعياد مباركة، ونعتقد أنّ ما يحدث الآن في لبنان بنسبة الانتشار السريع التي نشاهدها، هو دليل على أنّ المجتمع عجز عن إيجاد الصيغة التي توازن بين الأمن الصحّيّ والأمن المعيشيّ”.
إقرأ أيضاً: كورونا: لبنان في الموجة الثالثة.. لكنّ اللقاحات تتزايد
رئيس لجنة الصحّة النيابيّة النائب عاصم عراجي حذّر من أنّ “الإصابات طالت الذين أعمارهم دون الخمسين، وأغلب الوفيات كانت في الأيام الماضية دون 60 عاماً”، ورأى أنّ لبنان “أمام أسبوعين إلى 3 أسابيع دقيقة. لأنّ البلد فُتِح بطريقة فوضوية، وشرع الناس يجتمعون في المناسبات الاجتماعيّة من أعراس ومآتم ومناسبات خاصة، خصوصاً في المناطق البعيدة، فزاد انتشار الفيروس المجتمعيّ. ولم يأتِ الإقفال بنتائجه، لأنّه كان إقفالاً شفهيّاً، وإن لم يعد الوضع الاقتصادي يتحمّل إقفالاً جديداً”.
وختم: ” على أرض الواقع الخروقات والانتهاكات لا تنتهي من جان الناس. والمستشفى الميدانيّ الذي يتمّ تجهيزه في واجهة بيروت البحريّة بهبة إماراتيّة، يضمّ 200 سرير (و54 غرفة عناية)، ونأمل الإسراع في تجهيزه حتّى يستوعب الازدياد المتوقّع في عدد الإصابات”.