يشهد الملف اللبناني استنفاراً عربياً ودولياً غير مسبوق، خلافاً لنظرية أنّ “العالم ليس مهتمّاً بلبنان”. فبعد أقلّ من 24 ساعة على “انقلاب بعبدا” يوم “الإثنين الأسود، أصدرت الجامعة العربيّة بياناً دعا إلى “إعلاء المصلحة الوطنيّة والعمل سريعاً على إنهاء حال الانسداد السياسيّ التي تفاقم معاناة الشعب اللبنانيّ”.
وطالبت الأمم المتّحدة بتشكيل حكومة كـ”خطوة لم تعد قابلة للتأجيل”. وليل الإثنين – الثلاثاء أصدرت الخارجيّة الأميركيّة بياناً ذهب في الاتجاه نفسه. وبات معروفاً أنّ الملفّ اللبنانيّ مطروحٌ بقوّة على طاولة الاتّحاد الأوروبيّ بدفع فرنسي قد يصل إلى حدّ إصدار عقوبات أوروبيّة بغطاء أميركيّ على معرقلي تأليف الحكومة.
في هذه الأثناء يسترخي القادة المعنيون في لبنان. والأزمة تحوّلت من حكومية إلى وطنية. والجديد إعلان منظّمة “الفاو” وبرنامج الأغذية الدولية أنّ “اليمن وسورية ولبنان والصومال من الدول المهدّدة بانعدام الأمن الغذائيّ لجزء من سكّانها”، محذّرةً من أن تؤدّي الأزمة إلى ارتفاع مستوى الاضطرابات وأعمال العنف. في حين تتداخل وتتضارب سيناريوهات سياسيّة واجتماعيّة وأمنيّة، مع توقّعٍ أن تطول الأزمة إلى أن يقضي الظرف الإقليميّ والدوليّ أمراً كان مفعولا، بين المفاوضات الأميركيّة الإيرانيّة والانتخابات الإيرانيّة في حزيران المقبل وغيرها.
تلخّص أوساط سياسيّة متابعة في بيروت واقع الأزمة على النحو الآتي: “حزب الله يعيش وفق الساعة الإيرانيّة بينما اللبنانيّون يعيشون وفق ساعة الانهيار ساعة بساعة ودقيقة بدقيقة ولحظة بلحظة. حزب الله منع دخول الشيعة إلى ثورة 17 تشرين، فكان هذا المنع سبباً في تمزّق هذه الثورة. وحزب الله منع تطبيق الدستور واتفاق الطائف، ومنع تنفيذ قرارات الشرعيّة الدوليّة، ومنع استقالة الرئيس ميشال عون، ومنع تنحّي الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة”.
طالبت الأمم المتّحدة بتشكيل حكومة كـ”خطوة لم تعد قابلة للتأجيل”. وليل الإثنين – الثلاثاء أصدرت الخارجيّة الأميركيّة بياناً ذهب في الاتجاه نفسه
يفرض الحزب بهذه الممانعات “ستاتيكو” قاتلاً في انتظار المفاوضات الأميركيّة الإيرانيّة. بينما ينهار كلّ شيء في البلد، قطاعاً وراء قطاع ومؤسسةً خلف مؤسسة، يبدو أن ليس من قدرة حتّى الآن على مواجهة الحالة التعطيليّة التي يقودها الحزب والتيّار الوطنيّ الحرّ.
وتسأل هذه الأوساط: “مَن يواجه هذه الحالة التعطيليّة؟ ليس الجيش أو القوى الأمنيّة حتماً، وليس القطاع الخاصّ الذي يغالب الانهيار على الرغم من كل علاقاته الخارجيّة التي مكّنته من الازدهار والتوسّع طوال السنوات الماضية، وليس القطاع المصرفيّ أيضاً الذي يغالب هو الآخر الانهيار ولا يزال يعيش هاجس فرض العقوبات عليه”.
فوسط كلّ هذا الجمود يتصرّف حزب الله وكأنّه يمتلك الوقت اللبنانيّ… وربّما يفكّر في السيطرة على الهواء الذي يتنفّسه الشعب اللبنانيّ، كما أوحى “استيراد” وزيره للصحّة حمد حسن 75 طنّاً من الأوكسيجين بعد زيارة إلى سوريا.
أمّا بالنسبة إلى زيارة سفير المملكة العربيّة السعوديّة وليد البخاري قصر بعبدا عصر الثلثاء، فترى هذه الأوساط أنّ البخاري لم يتحدّث لغة سنّيّة أو إسلاميّة، بل لغة لبنانيّة وعربيّة أفضل من تلك التي يتحدّث بها معظم السياسيّين اللبنانيّين، بتمسّكه بتطبيق اتفاق الطائف وتنفيذ قرارات الشرعيّة الدوليّة، ولم يقُلْ إنّنا نقبل باستبدال الرئيس المكلّف، ولم يتحدّث عن الوجود السنّيّ، ولا تكلّم بوصفه ضمانة الوجود السنّيّ في لبنان، بل تحدّث ممثّلاً دولةً استراتيجيةً في المنطقة لديها وجهة نظر في الشأن اللبنانيّ ترتكز على تطبيق الدستور واتفاق الطائف وتنفيذ قرارات الشرعيّة الدوليّة.
من جهتها توصّف أوساط أخرى الوضع في لبنان على النحو الآتي: “نحن نمرّ في أزمة وطنيّة مصيريّة يُتَعامَل معها بمراهقة وطفوليّة سياسيّة، سواء في الشكل أو في المضمون”، رسالة بعبدا إلى بيت الوسط، التي تضمّنت أخطاءً إملائية، وصولاً إلى تزوير كلام عن لسان السفير السعودي، اضطرّ إلى نفيه بإعادة نشر تغريدة تقول إنّه زار بعبدا بعد “إلحاح لثلاث مرّات.
وسط كلّ هذا الجمود يتصرّف حزب الله وكأنّه يمتلك الوقت اللبنانيّ… وربّما يفكّر في السيطرة على الهواء الذي يتنفّسه الشعب اللبنانيّ، كما أوحى “استيراد” وزيره للصحّة حمد حسن 75 طنّاً من الأوكسيجين بعد زيارة إلى سوريا
مَن يستثمر في انهيار لبنان يعتقد أنّه سيوصله إمّا إلى مؤتمر دوليّ لإعادة إنتاج السلطة، أي اتفاق طائف أو أقلّ، اتفاق دوحة أو أكثر… وبالتالي فإنّ الدول المعنيّة بالأزمة اللبنانيّة ستأخذ في الاعتبار التعطيل الحاصل، الأمر الذي سيدفعها إلى التفاوض مع المعطّلين… وإمّا سيوصله إلى بسط حزب الله سيطرته بقوّة السلاح، وعندئذٍ سيستفيد التيّار الوطنيّ الحرّ لكونه حليف الحزب الوحيد.
إقرأ أيضاً: الحزب والتيار يقودان انقلاباً على الطائف.. وأمل بالمرصاد
أمّا من جهة الرئيس المكلّف، فالرهان أنّ الانهيار يمكن أن يكون سبيلاً لاستعادة الزعامة بعد تراجعها من جرّاء تسوية 2016، وأنّ التشدّد في الموقف سيرضي السعوديّين والأميركيّين، مؤدّياً إلى استنزاف ما بقي من عهد الرئيس ميشال عون.
ما المخرج إذاً؟
ترى هذه الأوساط مخرجَيْن: إمّا أن يقتنع حزب الله بأن لا مصلحة له في الانهيار، وإمّا أن يحصل تطوّر خارجيّ يدفع إلى التسوية.
وإلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً فإنّ الأمل يبقى أن لا تصدق توقّعات “برنامج الأغذية الدولية”.