كلّما اتّسعت دائرة الانهيار وفقدان السيطرة على مفاصل الأزمة زادت احتمالات التدخّل الدوليّ وفرض مسار الحلّ على اللبنانيّين.
وفق المناخات التي ترافق سقوط آخر الفرص لولادة الحكومة وتكريس واقع الانهيار الماليّ والاقتصاديّ، لا مؤشرات صلبة إلى قرب “تدويل” الأزمة أو فرض عقوبات على “معرقلي الحلّ”، باستثناء “النداء” الفرنسيّ إلى الاتحاد الأوروبيّ للاستعداد لمساعدة لبنان.
أما عربيّاً فبرزت دعوة الجامعة العربيّة “جميع الفرقاء السياسيّين في لبنان إلى إعلاء المصلحة الوطنيّة والعمل سريعاً على إنهاء حالة الانسداد السياسيّ”، مع الاستعداد “للقيام بأيّ شيء لرأب الصدع في لبنان”.
وفي الوقت الضائع الفاصل عن موعد وضع أزمة لبنان “على الطاولة”، تعود الكرة إلى ملعب حسان دياب. فهل تفعّل حكومة تصريف الأعمال في ظلّ ملفّات ملحّة كترشيد الدعم والموازنة؟
حتى الآن لم تلقَ دعوة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في شأن تعويم حكومة تصريف الأعمال، “إذا استمر التأزيم”، أيّ صدى في السراي الحكوميّ.
مصادر دياب تؤكّد لـ”أساس” أنّ تفعيل الحكومة يبقى غير وارد على الرغم من خطورة الوضع”، وتؤكّد: “ليس هدفنا الدخول في سجالٍ مع أحد، وهذا الموقف لا يأتي ردّاً على الدعوة التي أطلقها السيّد نصرالله حين تحدّث عن خيارين محتملين إزاء فشل التأليف. وإذا كان لا بدّ لأحد أن يتحمّل المسؤوليّة ويفعّل حركته فليس حكومة تصريف الأعمال، بل المكلّفون إخراج لبنان من أزمته. وأولى الخطوات تأليف حكومة قادرة على مواجهة الأزمة”.
في الوقت الضائع الفاصل عن موعد وضع أزمة لبنان “على الطاولة”، تعود الكرة إلى ملعب حسان دياب. فهل تفعّل حكومة تصريف الأعمال في ظلّ ملفّات ملحّة كترشيد الدعم والموازنة؟
وكان وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني أطلق توصيفاً للواقع الحاليّ تعْلَم كل المرجعيّات السياسيّة أنّه حقيقيّ ودقيق: “نحن على طريق الانهيار التامّ. والتهاوي سيكون أصعب وأشمل وأكبر في المرحلة المقبلة. وعلى القوى السياسيّة أن تعي هذا الأمر، ولا تتصرّف على أساس أنّ حكومةً قائمةً ستتحمّل التبعات”.
لا تُصرَف عمليّاً “اعترافات” غازي وزني في سوق الحرب المعلنة بين ميشال عون وسعد الحريري، ولن تؤثّر في مسار الانشداد المريع صوب تكريس حالة الفوضى. لكن كان لافتاً في هذا السياق إرسال وزير المال نفسه مشروع مرسوم إلى رئاسة مجلس الوزراء بنقل اعتماد من احتياطي الموازنة لعام 2021 إلى وزارة الداخليّة لإجراء الانتخابات النيابيّة الفرعيّة عن المقاعد النيابيّة العشرة الشاغرة في سبع دوائر.
ولا تُفسّر هذه الخطوة المدروسة و”المطلوبة”، بتأكيد مطّلعين، سوى في إطار “إحراج رئيس الجمهوريّة وفريقه السياسيّ وعلى رأسه جبران باسيل الرافض للدخول الآن في متاهة الانتخابات الفرعيّة، مع العلم أنّ تسعة من المقاعد الشاغرة هي مسيحيّة، وتكمن مصلحة مسيحيّة واضحة في عدم إبقاء الشغور حتى أيّار 2022”.
ويقول هؤلاء المطّلعون إنّ “تطيير الانتخابات الفرعيّة يأتي ضمن سلسلة خطوات تقود إلى تطيير الانتخابات النيابيّة العامّة تمهيداً لـ”مغامرة” عدم الخروج من القصر الجمهوريّ مع انتهاء ولاية ميشال عون الرئاسيّة في تكرار لتجربة عام 1990″.
ويضيف المطّلعون أنّه “سبق لمستشار رئيس الجمهوريّة سليم جريصاتي أن أبلغ المنسّق الخاصّ للأمم المتّحدة يان كوبيتش قبل مغادرة الأخير لبنان إثر انتهاء مهامّه بأنه سيُبحث في تفسير دستوريّ لبقاء عون في القصر الجمهوريّ إذا لم تحصل انتخابات نيابيّة”.
وفي مطلق الأحوال، لا تحديد وزير الداخليّة محمد فهمي يوم 28 آذار موعداً مبدئيّاً لإجراء الفرعيّة ولا خطوة وزير المال سيقودان إلى فتح صناديق الاقتراع فيما البلد في حالة انهيار تامّ ورئيس حكومة تصريف الأعمال يرفض إلباسه ما لا طاقة له على تحمّله.
فمنذ استقالة حكومته لم يغيّر دياب كثيراً في نمط تصريف الأعمال بالحدّ الأدنى المطلوب. يعمد إلى “تجميع” المواعيد ويوزّعها على يوم أو يومين في السراي، فيما يعقد معظم الاجتماعات واللقاءات في منزله حيث يصله البريد يوميّاً.
وبعد تلويح دياب بالاعتكاف بعث عبر مستشاره خضر طالب رسالةً إلى الرئيس سعد الحريري ورئيس مجلس النوّاب نبيه بري مفادها: “تفعيل تصريف الأعمال غير وارد كي لا يكون ذلك سبباً لمزيد من التراخي في مساعي التأليف”، متمنّياً الإسراع في تشكيل الحكومة وتقديم تنازلات وتدوير الزوايا تفادياً للأسوأ.
تطيير الانتخابات الفرعيّة يأتي ضمن سلسلة خطوات تقود إلى تطيير الانتخابات النيابيّة العامّة تمهيداً لـ”مغامرة” عدم الخروج من القصر الجمهوريّ مع انتهاء ولاية ميشال عون الرئاسيّة في تكرار لتجربة عام 1990
وفيما يدرك دياب وجود انقسام عموديّ في ما يتعلّق بتفعيل حكومة تصريف الأعمال، وضع الكرة في ملعب الرئيس برّي على قاعدة “ليحسم مجلس النواب الأمر كونه الجهة الصالحة لتفسير القوانين، وليمنح الحكومة الغطاء وعندئذٍ نتصرّف”، وهو العالِم أصلاً أن برّي والحريري ليسا من “نادي” تفعيل الحكومة.
ويبدو أنّ مجلس الوزراء يتّجه إلى الالتئام فقط تحت سقف إقرار الموازنة. فقد بعثت رئاسة الحكومة يوم الاثنين مشروع الموازنة مجدّداً إلى وزير المال بعد وضع الوزارات والمؤسّسات ملاحظاتها عليها.
إقرأ أيضاً: لا فرعية ولا مبكّرة.. الانتخابات في موعدها “مخوطرة”
وبعد إجراء وزارة المال التعديلات بناءً على هذه الملاحظات، يعقد مجلس الوزراء جلسة أو أكثر لإقرارها. وغير ذلك لا إمكان لانعقاد الحكومة تحت أيّ عنوان، فوزراء حكومة تصريف الأعمال أنفسهم لا يلتقون على رأي واحد في ما يتعلّق بالتفعيل.
أمّا إرسال وزير المال إلى رئاسة مجلس الوزراء مشروعَ المرسوم المتعلّق بنقل اعتماد من احتياطي الموازنة إلى وزارة الداخليّة، فتضعه أوساط رئاسة الحكومة ضمن إطار تقنيّ محض، قائلةً: “التوجّه مبدئيّاً هو لإجراء الانتخابات الفرعيّة، والأدقّ أن لا قرار بعدم إجرائها إلى الآن. فبعد ورود مشروع المرسوم من وزير الداخليّة إلى رئاسة مجلس الوزراء طلبت الأخيرة رأي كلّ من وزارة الدفاع (الوضع الأمنيّ) والصحّة (بسبب كورونا) والماليّة (الاعتمادات) والتربية (جهوزيّة المدارس). وقد أتى جواب وزير المال بطلب فتح اعتماد ضمن هذا السياق، ونحن بانتظار باقي الأجوبة لأخذ القرار النهائيّ”.
ويقدّر وزير الداخليّة قيمة الاعتماد المطلوب لإجراء الانتخابات الفرعيّة بثمانية مليارات ليرة. وإذا لم تُجِب الحكومة قبل 28 آذار فسيحدّد وزير الداخليّة، وفق المعلومات، موعداً آخر بداية شهر أيّار، وقد يُلغى أيضاً في ظل استحالة إجراء “الفرعية” في ظل الظروف القائمة وفي وقت باتت بعض الكتل تهدّد بالاستقالة من مجلس النواب.